قدَّمت المخرجة الشٌابة سماح الماجري أخيراً العرض ما قبل الأول لشريطها التسجيلي «طوايف» (انتاج المركز الوطني للفنون الدرامية والركحية في مدنين). يمثّل الشريط رحلة في عالم الموسيقى الزنجية في منطقة الجنوب الشرقي التونسي المعروفة بـ «غبنتن». فـ «طوايف» غبنتن تتوارث الموسيقى التقليدية وصياغة قصائد من الشعر الشعبي التي تعبّر عن الواقع السياسي والاجتماعي في البلاد. كما تتميز بلباسها الخاص وطريقتها في الأداء، مما جعل حضور هذه المجموعات لافتاً في المهرجانات التونسية.تتجوّل المخرجة بالكاميرا في قريتي القصبة وبوغرارة لنتعرف إلى خصوصيات هذه المجموعة التي تتوارث الموسيقى عبر أجيال متتالية، ونستمع إلى شهادات نكتشف من خلالها مميزات المجتمع المحلي. فالفيلم يتناول «طوايف غبنتن» من زوايا متعدّدة مثل تحديد عدد قبائل غبنتن ونظام التوريث ووظائف العكاز والمنديل الأحمر والأبيض وعلاقة رقصاتهم مع التراث الأفريقي.
ففرقة غبنتن أو «الطايفة» كما تسمّى، تستند إلى العمل الجماعي في مستوى الكتابة والموسيقى وتسمّى الآلة التي يستعملونها (صنع محلي) بـ «الشنّة» وهي تمثّل «إناء» يسمّى في اللهجة المحلية «قصعة» تغطى بجلد الماعز وتقرع بعودين من شجر الزيتون. وترافق قرع «الشنّة» رقصات وتلويح بمنديلين أبيض وأحمر مع عكاز تطرق الأرض.
لم تكتف المخرجة بتقديم سردية غبنتن وعوالمهم العائلية والقبلية والموسيقية والشعرية فقط بل استعانت بباحثين في الموسيقى أمثال ابراهيم البهلول أستاذ الإيقاع في المعهد العالي للموسيقى في تونس وفي علم الاجتماع والأنتروبولوجيا مثل محمد ذويب ومحمد الجويلي. كما ضمّنت الشريط التسجيلي مشاهد من عروض غبنتن في الاعراس والمهرجانات.
هذا الشريط التسجيلي يندرج ضمن الأعمال التي تعمل على حفظ الذاكرة الجماعية والحفر في أنتروبولوجيا المجتمعات المحلية. فمجموعات غبنتن أو طوايف تمتد في منطقة الجنوب الشرقي بين مدينة مارث من محافظة قابس وقريتي القصبة وبوغرارة من محافظة مدنين المجاورة على الحدود الليبية، وتشكّل بيئة قبلية مغلقة حافظت على هذا الفن طيلة عقود وهو لون من الموسيقى الزنجية يمثّل الامتداد الأفريقي لتونس.
هذا الشريط التسجيلي الذي ستكون له عروض في بداية من شهر (آب) أغسطس المقبل (إذا رفع الحجر الصحي) يمثل رحلة ساحرة في عوالم الموسيقى الزنجية عبر كلمات تعبّر عن معاناة التونسيين في مواجهة صعوبات العيش التي تؤديها مجموعات غبنتن بلكنتها المميزة. فالهم السياسي رافق مجموعات غبنتن منذ مرحلة مقاومة الاستعمار الفرنسي. وقد برع شعراؤهم في انتاج أغان تمجّٰد المقاومة المسلّحة، كما رافقت مرحلة بناء الدولة وهي شاهدة اليوم على وضع الانهيار الذي تعيشه البلاد.