قدّم «المركز الوطني للفنون الدرامية والركحية» في مدنين (جنوب شرق) مسرحيته الجديدة «قافلة تسير» من تأليف وأخراج الكيلاني زقروبة وهي تجربته الثانية في مسرح الشارع وتقنية القناع الإيطالية الشهيرة بالـ «كوميديا دي لارتي». وقد قدّم العرض الأول في فضاء مفتوح يعرف بـ «القصور الصحراوية» التي تعود إلى القرن الثامن عشر، وكانت تستعمل أساساً لتخزين الحبوب والتمر وباقي حاجيات السكان الرحّل لقبائل الجنوب الشرقي التونسي بين محافظتي مدنين وتطاوين على الحدود التونسية الليبية. المخرج كيلاني زقروبة المفتون بمسرح الشارع و«كوميديا دي لارتي» انطلق من عنوان برنامج إذاعي كانت تقدّمه الاذاعة التونسية لغاية تشرين الثاني (نوفمبر) 1987عندما تمت ازاحة الزعيم الحبيب بورقيبة الذي كان من عشّاق هذا البرنامج الذي كان فريقه يتنقل بين الأرياف التونسية ويقدّم الشعراء والمغنين الشعبيين الذين يمدحون الزعيم والمجاهد الأكبر الحبيب بورقيبة!
تحكي المسرحية قصة «ارلوكينو» و«ارلوكينا» شابين في مقتبل العمر تجمعهما علاقة حب و يقرران الزواج، فيصطدمان منذ البداية برفض مشغليهما السيدة بنطلوني والسيد بنطلوني لهذا الزواج. إلا أنهما يواصلان حلمهما ويقرران تحدي السلطة الأبوية أو مشغليهما والمضي في مشروعهما. يجدان نفسيهما منذ البداية أمام العراقيل الإدارية من استخراج بطاقات هوية، وكذلك الكلفة المادية المرعبة لهذا الزواج من سكن وذهب، فيتوجهان إلى المصرف بهدف الحصول على قرض حسن، إلا أن مساعيهما تبوء بالفشل. يقلصان في أحلامهما إلى الدرجة الأدنى من اجل الالتقاء تحت سقف واحد، ولكن حتى هذا الإذعان للواقع والتقليص من المتطلبات جعلا هذا الحلم مستحيلاً... فهل يقطعان هذه العلاقة أم يتزوجان و يسقطان كل القيود الاجتماعية؟ هل يقرران الانتحار وينتقلان إلى عالم أكثر رحابة؟
هذه حكاية المسرحية التي تنطلق من فكرة العرس الذي يتحوّل من احتفالية إلى كابوس عبر الولوج إلى كواليس الزفاف ورصد مواقف العائلات والأقارب والصعوبات المالية التي تواجه الشبان اليوم عند التفكير في الزواج، وهذا من أسباب تأخر سنّ الزواج أو العزوف عنه.
ولم تغب المواقف الساخرة عن هذه المسرحية التي ستعرض في ساحات المدن والفضاءات المفتوحة في تونس، ومن خلالها نكتشف النفاق الاجتماعي والتدين الكاذب، وحقيقة ما يعرف بالصيرفة الاسلامية وغير ذلك من تفاصيل المحنة التونسية. إذ تغلب الروح المرحة على هذا العمل الذي يتوقع أن يكون له صدى في مهرجانات هذا الصيف، لأنّه أولاً لون جديد لم يعهده المتفرج التونسي وثانياً لخصوصية فضاء العرض الذي يتماشى مع اكراهات كوفيد 19التي تمنع العرض في الفضاءات المغلقة. واستعمل كيلاني زقروبة في مسرحيته «قافلة تسير» الموسيقى والإيقاعات الشعبية المحلية لمنطقة الجنوب الشرقي.
يقول كيلاني زقروبة لـ«الأخبار» بأن «المطلوب اليوم هو الذهاب إلى الجمهور وإحياء الأشكال التقليدية للفرجة خارج العلبة الإيطالية، فإذا كان الجمهور لم يعد يقبل على المسرح فلا بد من الذهاب إليه و«كوميديا دي لارتي» فن عريق يمكن تحميله الكثير من المضامين والرسائل واستغلال طابعه الساخر والكاريكاتوري لتصوير الواقع والشخصيات الفاعلة وإشراك الجمهور في العرض المسرحي من خلال التفاعل المباشر».
وستكون لمسرحية «قافلة تسير» مجموعة من المواعيد أولها في مدينة مدنين يوم 30 حزيران (يونيو) ثم ستتنقل في مدن الجنوب قبل أن تكون ضمن أعمال «أيام قرطاج المسرحية» في أوائل شهر كانون الأول (ديسمبر) المقبل.