من بيروت وطهران؛ قلمُ الكاتبِ وكلمتُه. حضرَ المستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان عباس خامه يار حفلَ إطلاق كتابه قبل ايام في المكتبة الوطنية في طهران، عبر تطبيق زوم من مكتبه في بيروت. حكمت الظروف أن لا يكون حاضراً في الصالة التي ضمّت كبار قامات الأدب والثقافة والنقد والإعلام في إيران من الذين حضروا إطلاق كتاب «جرحٌ وزيتون؛ ذكرياتٌ وأزمان» الذي صدر مؤخراً له عن منشورات «ققنوس» الإيرانية الشهيرة. يتألف الكتاب من أكثر من 350 صفحة من فصلين، يتناول الأول الشخصيات والوجوه والثاني الأحداث والوقائع، وهو بمثابة خواطر مبعثرة بين المدن والدول العربية والإسلامية والعالم، جُمِعت في باقةٍ أدبيةٍ ولغةٍ تتّسم بالإحساس والصدق لما في تلك الخواطر من تجارب حقيقية لامست الكاتب بالدرجة الأولى، فكان لا بدّ أن تلمس القارئ كذلك، وهذا ما يتجلى في مقدمة الدكتور علي لاريجاني للكتاب، حيث اعتبره أفضل جليسٍ لمن يهوى المطالعة، نظراً لما يحويه من تجارب إنسانية ومواقف صادقة تستحقّ القراءة، لما فيها من قيمة مضافة في اللغة والمضمون الذي يختزل السنوات والأزمان المختلفة ويقدم أفرادًا في أطرٍ زمنيةٍ مختلفة، داخل مشهديةٍ واحدة، هي كتاب «جرح وزيتون». قدّم الحفل الباحث فرهاد وفائي فر الذي كان له نصيبٌ من محتوى الكتاب تحديداً في عنوان «الحكومة في فكر الشهيد بهشتي» الذي تناول بحثًا كان موضوع مناقشة هذا الباحث لأطروحته المتميزة. وكانت كلماتٌ للحضور من الأساتذة والنقاد وضيوف الشرف من العالم العربي الذين حضروا عبر تطبيق زوم.
الكلمة الأولى كانت لأشرف بروجردي رئيسة المكتبة الوطنية في طهران، حيث تحدثت عن كتاب «جرح وزيتون»، فقالت إنه مجموعةٌ من الخواطر التي صنعها الكاتب من خلال معايشته لأفرادٍ وشخصياتٍ خالدة في ذاكرة المجتمع والبشرية، مما يساعد في أن نعرف أكثر الوقائع والأحداث والوجوه والتوجهات وذلك للإفادة واكتساب التجربة في الحياة.
وأضافت أن المكتبة الوطنية هي مركز لأصحاب الفكر والقلم ومهمتها إلى جانب احتضانهم، أن تقوم بتكريمهم كذلك. هدف المكتبة الوطنية أن توجد الأرضية لنشر الفكر والثقافة والعلم من أجل البشرية. أنا أشكر الدكتور خامه يار لأنه أحيا في ذاكرتنا أحداثاً من خلال كتاباته، وجعلنا نسمع مجدداً أصوات النخب في التاريخ وكأنهم لازالوا معنا وبيننا.
ثم تحدث حاجي ابادي رئيس منشورات «ققنوس» الشهيرة في طهران، حيث قال إن كتابة الخواطر أفضل طريقةٍ لحفظ الذكريات. وكثيرون ممن ذكرهم الدكتور خامه يار نعرفهم حق المعرفة. أوصي الزملاء والرفاق الذين يتابعوننا هنا وفي الفضاء الافتراضي أن يشاركوا في نهضة كتابة الخواطر فهذا النوع الأدبي في غاية الأهمية.
وقال حاجي أبادي إن كتاب الدكتور خامه يار هو بمثابة مفخرةٍ بالنسبة إلى منشورات ققنوس التي قامت بنشر اكثر من 800 عنوان. فهو عبارة عن تجربة الدكتور خامه يار الحياتية والاحداث التي شهدها بنفسه وعاشها.
ثم تحدث الشيخ ميثم امرودي رئيس المؤسسة الثقافية والفنية في بلدية طهران، عن شخصية خامه يار الكاتب، فوصفه بالفاضل الذي كان دائماً فعالاً وناشطاً في كتابة المقالات ومواكبة الأحداث حيث كان. بالإضافة إلى معرفته وعلمه، فإنّه يتمتع بالقدرة العالية على الإدارة والتحكم بالأمور التي يفتقدها الكثيرون. فهو شخصية ميدانية عاش البلاد العربية وبلاد الشرق الأوسط خصوصاً فكان محللاً وناقداً تميز عن نظرائه بجهده العالي وسهره على إنجاز مهامه بأفضل وجه. وخير مثال كان انفجار مرفأ بيروت حيث كان مواكباً ومتعاطفاً فذكّرنا بأنّ شعب لبنان هو شقيقنا الذي علينا الوقوف إلى جانبه كما كنا دائماً. فكانت هديته للشعب اللبناني المقطوعة الموسيقية «بيروت، ألمك، ألمي».
ثم كانت كلمة حسام ‌الدين آشنا، مستشار رئيس الجمهورية، الذي قال إن القارئ يجد في الكتاب مبحثين مهمين، الأول يتناول خواطر طيبة مع شخصياتٍ من النخب الثقافية الإيرانية والعربية وحتى الأجنبية، والثاني ملاحظات حول بعض الأحداث والوقائع. إن سألنا أنفسنا هل لدينا اليوم في الوقت الحاضر مديرٌ لائقٌ وكفؤ؟ نجد الإجابة نعم إنه الدكتور عباس خامه يار. فهو المدير الثقافي الدولي الذي أثبت كفاءته وقدراته منذ أن كان في مؤسسات ثقافية حيث كان في كل مراحل مأمورياته يضيف من خبرته ويبتكر ويبدع في مجال عمله. ومن إنجازاته التي لا تنسى فيلم «اليوم الثالث»، و مسلسل «شوق التحليق» و«سيمفونية الإيثار» الشهيرة.
وتحدث ده‌ نمكي بعد ذلك، مخرج ومنتج الأفلام الأكثر مبيعاً وتأثيراً في السينما الإيرانية، قائلاً إنّ خامه يار هو إلى جانب كونه مديراً ثقافياً يعمل في مؤسسةٍ ثقافيةٍ ويتولى مسؤولياتٍ كبرى، إلا أنه كذلك من النخب الثقافية وكلنا نعلم بأن النخب الثقافية غير قادرة على إيجاد التغيير وإيصال الصوت لولا قدرات وإمكانيات المدراء الثقافيين من أجل إنتاج الأعمال الثقافية والفنية الخالدة.
ثم كانت كلمةٌ لحسين جابري أنصاري، النائب السابق لوزير الخارجية، حيث تحدث عن رمزية عنوان الكتاب «جرح وزيتون» ودلالة الزيتون المرتبط عبر التاريخ بالمنطقة العربية وبفلسطين خصوصاً، ففي الكتاب حيز كبير للقضية الفلسطينية، ودلالة الجرح الذي يعانيه جسد الأمة العربية والإسلامية في المنطقة، وهذا ما يجعل العنوان جميلاً، وقال إن الكتاب يعتبر خلاصة مسيرة الدكتور خامه يار الأنفسية والآفاقية التي كانت مرآةً لتجارب عاشها في الواقع مع بعض أبطال فصول الكتاب. وهنا تكمن أهمية الكتاب حيث أنه لا يشتمل على وقائع رواها شخصٌ ما أو نقلت عن لسان أحد، وإنما هي من مصادرها المباشرة وبإحساسٍ عالٍ يلمس روح القارئ.
ثم كانت كلمةٌ للكاتب والباحث حسن بهشتي بور، الذي قال إن هذا النوع من الخواطر مهم جداً من حيث إنه كتبَ من قلب الحدث أو اللحظة ولم يكتب بعد سنوات. فالكتاب مجموعة خواطر كتبت في أوقاتٍ متباعدة، كلاً في زمان حدوثه. على سبيل المثال ما كتبه الدكتور خامه يار يوم رحيل شيخ الاسلام، حيث تأثرت بالغ التأثر بما كتبه كوني كنت على معرفةٍ بالمرحوم. الكتاب ثمرة تجربته الحياتية فهو لم يقرأ ويبحث فيما قيل عن آية الله التسخيري المرحوم ليكتب، وإنما كتب من قلب معايشته له وهذه الحقيقة في الكتابة تجعل الأسلوب ساحراً وصادقاً.
بعد ذلك تحدث الشيخ الدكتور مبلغي أستاذ الجامعة والحوزة العلمية، قائلاً إن كتاب الدكتور خامه يار يحوز أهميةً متعددة الأبعاد، الأحاسيس المترافقة مع الفكر، فالإحساس والفكر لا ينبغي أن يكونا منفصلين في الكتابة، بل هما مكملان لبعضهما البعض.
وقال إن الأمر الآخر والمهم هو أن في الكتاب كتابةً للخواطر وكتابةً للمسائل والأحداث. لهذا نراه يتناول أحداث الثورة وما حولها من مسائل وقضايا أخلاقية ودولية وسياسية، فيغتني القارئ بمطالعة الحقبة بكافة زواياها. ويتحدث الكتاب عن الأشخاص وعن الرؤى ووجهات النظر وفيه الكثير من التحليل والتقرير، فهو مادةٌ مهمة للقراءة والبحث.
ثم كانت كلمة لبتول مشكين فام، عضو الهيئة العلمية في جامعة الزهراء ورئيسة مركز بحوث النساء. أثنت على هذه الخطوة، وقالت إننا بين سطور الكتاب نعثر على شخصية خامه يار، هذه الشخصية التي تجاوزت الحدود الجغرافية، والوطنية. فهو شخصيةٌ جامعة أحاطت في هذا الكتاب بكل الثقافات والجنسيات والأجناس والمجتمعات وأهل التاريخ. ساعده على ذلك تمكنه من اللغتين الفارسية والعربية، ودرايته بالثقافتين عن قرب. وأشادت بدعمه الكبير للمرأة وحقوقها وتكريمه لشخصيات نسائية مثل الراحلة طوبى كرماني. وأشارت إلى دور خامه يار الكبير في كافة مجالات الفنون لا سيما العمل الموسيقي المشترك الأخير مع لبنان والذي كان بادرةً تفرد بها. فالكتاب يعكس روحه المرهفة التي تحترم المرأة وتحترم الثقافة والفن.
وتحدث بعد ذلك قيصر مصطفى، أستاذ الآداب في مركز التعليم العالي في الجزائر، عن أن هذا الكتاب دلالةٌ واضحة على تزاوج الثقافتين العربية والفارسية وتمازجهما عبر التاريخ، وهذا ما دلت عليه كتابة الدكتور خامه يار عن أدباء من مصر، لبنان، سوريا، العراق، الجزائر وسائر الدول العربية. فنراه يشيد جسراً للتواصل بين الثقافات والشعوب وهو دورٌ نحتاج إليه كثيراً في عالمنا اليوم.
في الختام توجه الدكتور عباس خامه يار بكلمة شكر من القلب للحاضرين من الأساتذة والنقاد في صالة «القلم» في المكتبة الوطنية، وعبر الفضاء الافتراضي، ووجه رجاءً ونصيحةً إلى المدراء والمثقفين أن يكتبوا بشكل يومي حتى لا يفوتهم شيء من ذاكرتهم ومن التاريخ آسفاً على ما فاته من أحداث هامة ولم يسطرها بقلمه. وقال: «حاولت أن أفكَ غصةً وأداوي جرحاً من خلال كتابة الأحداث والخواطر. وأن أعرض للقارئ إحساسي ووفائي لرفاق الدرب، وأنقل إليه الوقائع التاريخية كما عشتها. حاولت أن أبني جسراً لتعريف أبناء بلادي على كبار نخب العالم العربي والإسلامي والذين صنعوا موقفاً وكانت بصماتهم تشدني. لم أقصد كتابة خواطري بشكل كتاب ربما، وإنما كنت أضع أحاسيسي وأفكاري على الورق حينما أفقد احدهم او أعيش حدثاً يهز مشاعري ويفرض علي ان ارويه. لكني رغم ذلك حاولت أن أكون راوياً مباشراً يكتب من قلب تجربته وأحداث زمانه. وممتنٌ كثير الامتنان لجميل ما كتبتم وقلتم عني الذي لا استحقه ابداً وعن كتابي، الذي أعتبره محطة تكريم لعظماء التاريخ وثمرةً بديهيةً لأحداث التاريخ».