تحت عنوان «المجتمعات التعدّدية ومناهضة التطبيع – قراءة سوسيولوجية»، أقام مختبر علم اجتماع المعرفة والثقافة، في «مركز الأبحاث» في العلوم الإجتماعية (الجامعة اللبنانية)، ندوة علمية، عبر منصة CRSS-UL - MS Teams، بمشاركة نخبة من الباحثين من لبنان والعالم العربي، وحضور أساتذة وباحثين وطلاب من كافة الإختصاصات الأكاديمية والبحثية (ناهز 500 شخصاً). الندوة قدمها وأدارها منسق المختبر غسان طه، ولفت فيها الى أن قضية الصراع مع العدو الصهيوني، هي قضية قيمية بامتياز، معتبراً أنّ ثمّة رهانات على هذا الصراع في المجتمعات ذات التعدديّة الدينية، وأشار الى أنّ المشروع الصهيوني مال للانحدار منذ «كامب ديفيد» وحتى اتفاقيّات التطبيع في وقتنا الرّاهن، ولكنّه كان ولا يزال يحظى برفض لمحاولات الاستسلام والتطبيع على مستوى الشعوب العربية. هذا الرفض على مستوى الشعوب كان ولا يزال يبرز من خلال الوجدان الشعبي من شعورٍ معادٍ للكيان الصهيوني في مصر وفي الأردن وفي كل العالم العربي. وفي إطار مداخلته، طرح طه، مجموعة أسئلة على ضيوفه تمحورت حول كيفية تمكين قوى المقاومة من تقديم خطاب وحدوي النزعة، وكيفية الانتقال من ثقافة العجز المترسخة في الوعي الى ثقافة الاعتداد بالذات والشعور بالمنعة، والقوة التي تمكّن الشعوب من المواجهة والتحدي. وطرح في هذا الإطار دور المثقف عندما يكون جزءاً من هذه التحديات وفي صلبها. رئيس مركز الأبحاث في المعهد، حسين أبو رضا، اعتبر في مداخلته، أنّ المقاربات السوسيولوجية لمفهوم التطبيع يتطلب من الباحث تفكيك المفهوم الى قضايا فرعية من خلال متغيراته الخاصة والعمل على ربطها بالبنى الإجتماعية الخاصة في مجتمعنا اللبناني، والعربي أيضاً. ورأى أن مفهوم التطبيع كما هو مطروح حالياً من قبل مثقفي السلطة، يمارس من خلاله عنف الفكر وصولاً إلى الاستلاب الثقافي والانكسار المعرفي، لاعتقادهم بأنّ الشعوب داخل هذه المجتمعات تعيش غيبوبة فكرية وهزيمة ثقافية. بدوره، قارب مدير عام «معهد فلسطين لإبحاث الأمن القومي»، نايف جراد، موضوع التطبيع. في مداخلته المعنونة «الدلالات والأبعاد الجيوسياسية الاستراتيجية للتطبيع مع الكيان الصهيوني»، أضاء على اتفاقيات التطبيع التي وقعتها الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، مع كيان الإحتلال، برعاية وشراكة اميركية. واعتبر جراد أنّ هذه الاتفاقات الجديدة جاءت بعدما أفصح الكيان الصهيوني عن مخطّطه بضم بقية الأراضي الفلسطينية ورفضه حق تقرير مصير الشعب الفلسطيني على أرضه وبعد الحصول على الاعتراف بالقدس عاصمة له من قبل الولايات المتحدة الأميركية، وبعد شرعنة الاستيطان وضم هضبة الجولان وشطب حق عودة اللاجئين الفلسطينيين. من جهته، تناول الأكاديمي حسين رحال، موضوع الهوية في المجتمعات المعاصرة، بمعنى أن يكون للإنسان، أو القومية، أو الجماعة أو لأي فئة طائفية أو عرقية أو غير ذلك، مجموعة من الانتماءات في الوقت نفسه. واعتبر أنّه عندما «نتحدّث في منطق الإثنيات والاقليات، نخطئ باستخدام البراديغم، أي النموذج الإرشادي أو الإطار المرجعي الغربي. وبالتالي، نتغاضى عن وجود هذه المشتركات العديدة في مجتمعاتنا المشرقية. وخلص أنّنا اليوم أمام تشريع للهويات المغلقة التي قد تؤدّي أن نصبح هويات متقاتلة تدمّر بعضها البعض في حرب انتحارية، أو أن يكون لدينا مشروع نهضة. معتبراً أنّ «الحفاظ على الهويات في مجال ثقافي وسياسي في مشروع واحد، أمر مرهون بمشروع مقاومة حقيقية للكيان الإسرائيلي». وفنّد الأكاديمي غسان الخالد كيفية مقاومة التطبيع التي تختلف بين شريحة وأخرى وتلعب عوامل عدة دوراً فيها في الوجدان الشعبي، منها الإعلام والدين، وطبيعة نمط الحياة السائد، الى جانب دور السلطة السياسية. ورأى الخالد ضرورة التمييز بين الثقافة المقاومة وثقافة المقاومة، مع أنَّ الفرق بينهما قد يكون محصوراً في نقطة واحدة، ألا وهي مأسسة المقاومة، بهذا المعنى تصبح ثقافة المقاومة الأكثر جدوى من الثقافة المقاومة بحسب رأيه. تأثير الهويات الدينية على مجريات الصراع مع العدو الصهيوني، موضوع أضاء عليه الأكاديمي منير مهنا، معتبراً أن المشكلة لا تتعلق بحقيقة الدين، بل بواقع تلك الحقيقة عندما تدخل حيّز الممارسة والتطبيق وخضوع النصوص الى تأويلات واجتهادات الى حد الإعماء عن الحقيقة الأصلية. ولفت إلى أنّ حركية الصراع تحتاج الى نموذج مرجعي يحدّد رؤيتها وأهدافها وأساليب وأدوات عملها والأهّم هو ما ستؤول اليه نتائجها. وهو ما يراه مهنا في اعتماد النموذج المرجعي الذي يُعيد للإنسان معنى هويته وانتماءه الى مواطنية لا تمزقها الصراعات الدينية ولا العصبيات الأثنية والمذهبية. أما رئيس تحرير مجلة «الآداب» سماح ادريس، فقد رأى في مداخلته أن التطبيع متعدد ومتشعب الإرتباطات، وبالتالي، فإن محاربته تكون بمحاربة النهج الإعلامي الذي يسوّق التطبيع على أنه محض «حوار مع الآخر» لا مع محتلّ ومستعمر. وأكد على أن دور المثقف هو أن يرسخ مقاومة الإحتلال في كافة المجالات وعلى رأسها المجال الإيديولوجي. ولفت الى ارتباط التطبيع بفكرٍ ليبرالي ماكرٍ يَعْزل الأكاديميّين الإسرائيليّين عن المؤسّسات التي يعملون فيها، وهي في الوقت ذاته «ضالعة في قمعنا عبر وسائل متعدّدة»، أشرسُها الإسهامُ المباشرُ في دعم الجيش الإسرائيليّ. لذا يرى من واجب المثقف وضع على عاتقه الأكاديميا الإسرائيلية في سياق الإحتلال والإستعمار. وأيضاً عدم الإسهام في تطييف التطبيع ومذهبته، لأن تديين الصراع مع العدو يفتح المجال أمام التطبيع من بوابات مزيفة عنوانها «حوار الأديان» و«وحدة الديانات الإبراهيمية». ودعا ادريس في ختام المداخلة الى ضرورة تجديد أساليب مواجهة التطبيع باستخدام الإنفو غرافيكس والفيديو وغيرها من الأساليب أكثرُ جذباً للجيل الشابّ.