عن عمر يناهر 83 عاماً، غادرنا مساء أمس الثلاثاء المفكّر الاقتصادي المصري جلال أمين (1935 ــ 2018)، مخلّفاً إرثاً فكرياً ودراسات اقتصادية تعدّ مرجعاً كبيراً بالنسبة للباحثين والمهتمين في علم الاقتصاد. كان عاشقاً للأدب، لكن انطلاقاً من إيمانه بأنّ النزعة الأدبية طبيعيّة عند الإنسان، فضّل التخصّص في الاقتصاد بحثاً عن علاج لقضية الفقر. ولعلّ اهتمامه بقضية الهوية، جعله محافظاً في الأدب. وُلد في عام 1935 ليكون الإبن السابع للمفكر أحمد أمين، وبعد ذلك بعشرين عاماً، تخرّج من كلية الحقوق في «جامعة القاهرة»، ثم حصل على الماجستير والدكتوراه من «جامعة لندن». شغل منصب أستاذ الاقتصاد في كلية الحقوق في «جامعة عين شمس» (بين1965 و1974)، وعمل مستشاراً اقتصادياً لـ «الصندوق الكويتي للتنمية» (من 1974 إلى 1978)، وأستاذاً زائراً للاقتصاد في «جامعة كاليفورنيا» الأميركية (في عامي 1978 و1979). ومنذ عام 1979، راح يدرّس الاقتصاد في «الجامعة الأميركية في القاهرة».في 1966، أصدر باكورته «مقدّمة إلى الاشتراكية»، قبل أن تصدر في 1998 الطبعة الأولى من «ماذا حدث للمصريين؟» عن «دار الشروق» الذي يعدّ أحد أشهر الكتب الصادرة في السنوات الأخيرة، وأكثرها توزيعاً وإثارة للضجة. وفيه، شرح التغيّر الاجتماعي والثقافي في حياة المصريين خلال الفترة الممتدة بين 1945 و1995.
مرّ أمين بتحوّلات فكرية وايديولوجية عدّة، إذ بدأ ماركسياً، ثم انتقل إلى «الوضعية المنطقية» التي تخلّى عنها أيضاً ليلتحق لبعض الوقت بـ«حزب البعث». صحيح أنّ أستاذ الاقتصاد في «الجامعة الأميركية في القاهرة» لم يكن يعرف كيف يصنّف موقفه في السنوات الأخيرة من حياته، غير أنّ كثيرين اعتبروه من «التراثيين الجدد» الذين يرفعون شعار «الدين هو الحل»!
على مدى عقود، قدّم إسهامات فكرية ودراسات غنية عن مصر والتغييرات التي طرأت على الحياة الاجتماعية والشخصية المصرية خلال القرن العشرين، من بينها: «وصف مصر في نهاية القرن العشرين» (2005 ــ الشروق) الذي قدّم عبره تصويراً بارعاً لما آل إليه المجتمع في نهاية القرن العشرين، اقتصادياً وسياسياً وثقافياً وإعلامية، وعلى صعيد العلاقات الاجتماعية، بما في ذلك العلاقة بين الطبقات، وبين الناس والحكومة.
أما «مصر في مفترق الطرق» (1990 ــ المستقبل العربي)، فيتطرّق إلى ما وصلت إليه مصر مع اقتراب القرن العشرين من نهايته، حيث كان طبيعياً أن تختلط الأمور ويحتد التوتر الاجتماعي والثقافي والسياسي، وتزيد الأزمة الاقتصادية احتداماً، ويقع الشباب المثقف المصري في حيرة كبيرة.
في 1993، أصدر أمين «الدولة الرخوة في مصر» الذي بحث من خلاله الحالة الرخوية التي أصابت أجهزة الدولة المصرية، فضلاً عن تقديمه مروحة منوّعة من العناوين المهمّة، على شاكلة: «شخصيات مصرية فذة» (2009 ــ الشروق)، و«محنة الدنيا والدين في مصر» (2013 ــ الشروق)، و«قصة ديون مصر الخارجية ــ من عصر محمد علي إلى اليوم» (1987 ــ علي مختار)، و«ماذا علمتني الحياة» (2008 ــ الشروق)، و«رحيق العمر» (2010 ــ الشروق)، و«العولمة» (2009 ــ الشروق)، و«مصر والمصريون في عهد مبارك» (2009 ــ دار ميريت).
تجدر الإشارة إلى أنّ جلال أمين تزوج سيدة إنكليزية، و ان يقضي الصيف في لندن، فيما ابناه مقيمان في الولايات المتحدة. مع ذلك، لطالما كان رأس الحربة في المعارك الفكريّة والسياسيّة ضدّ الغرب كمنظومة هيمنة. وفي حديث سابق مع «الأخبار»، لفت أمين إلى أنّه لا تناقض في هذا لأنّه يؤيد التفاعل بين الحضارات، لكن «هناك فارقاً بين التفاعل والقهر».