أصبح سمير أمين قطباً فكرياً بين قوى اليسار العربي قرب أواسط السبعينيات من القرن الماضي. كانت ساحة اليسار صاخبة بـ«مذاهب» شتى، لا يهدأ سجالها في قضايا الرأسمالية والثورة، والتنمية والاشتراكية، والقومية، والدين. وقد دخل المفكر العربي سمير أمين في قلب هذا السجال اللاهب، بعد «ترجمة» مؤلفه «التطور اللامتكافئ» في بيروت، ثم كتابه اللاحق «التراكم على الصعيد العالمي».تجاوزت «المساهمات النظرية» التي قدمها سمير أمين، طوال العقود التالية، وخصوصاً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، انقسامات الحركة الشيوعية العربية بين الأحزاب التقليدية ومنظمات اليسار القومي الجديدة. وهو، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، كاد أن يكون «المُنَظِّر» العربي الوحيد، الذي تمسك بالمنظور النقدي الجذري للنظام الرأسمالي العالمي، وطور مقولاته وأطروحته في مواجهة تحديات العولمة وطغيان الهيمنة الأميركية.
صحبني إلى منزله في شارع أبو الفداء في حي الزمالك في القاهرة، الصديق العزيز حلمي شعراوي، مؤسس ومدير «مركز البحوث العربية والأفريقية»، يوم 19 آذار (مارس) 2011. كان يوم الاستفتاء على الدستور، وكانت الثورة المصرية قد اندلعت للتو، والجمهور يحتل الساحات، وكانت الحماسة الثورية متقدة، والرجاء السياسي نابضاً. جئنا «الشيخ» سمير أمين نستفتيه في قراءة المستقبل المصري والعربي والعالمي. ولقد فعل.
هذه المقابلة مهمة لا لأنها لم تنشر في حينه. فقد كان مقدراً، ولا يزال، أن تصدر في كتاب خاص عن ظاهرة الفوضى السياسية التي اجتاحت الوطن العربي، تحت مسمى «الربيع العربي». إذا ما قرئت كـ«رؤية استعادية للحدث» retrospective الثوري في مصر عام 2011. رؤية دقيقة وصادقة وملمة، رغم أن سمير أمين لم يكن سياسياً حزبياً بالمعنى اليومي. وقد وجدنا في هيئة تحرير موقع «الحقول» أن نشر المقابلة اليوم في جريدة «الأخبار» يزيد معرفة القارئ العربي بأفكار سمير أمين، ويقدم إسهاماً متواضعاً في تكريمه.

كيف تقرأون هذه الحالة الثورية. انتفاضة أم ثورة، ومن هي القوى المحركة والمعرقلة؟
ــــ في البداية، أود أن أشير إلى أن ما حدث في 25 يناير 2011 هو ثورة وليس انقلاباً أو انتفاضة، إنها ثورة. فالقراءة لمصر المعاصرة تشير إلى أن مصر كانت أول دولة من دول الجنوب في أفريقيا وآسيا سعت لأن تكون دولة بازغة (كما يقال حالياً)، فمنذ عهد محمد علي في بدايات القرن التاسع عشر وحتى أواخر حكم الخديوي إسماعيل، استمرت هذه المحاولة بنجاح على مدى سبعين عاماً، لكنها تأثرت بالتناقضات التي طبعت العصر في القرن التاسع عشر. وقد انتهت، برأيي، نتيجة عاملين: الأول، التناقضات الداخلية والحدود الخاصة بهذه التجربة. والثاني، الهجوم الخارجي الأجنبي، ولا سيما البريطاني، ابتداءً من عام 1840، والذي تصاعد لاحقاً، إلى احتلال مصر وخيانة الخديوي توفيق.
بعد ذلك، دخلت مصر في موجة ــــ ثورة طويلة، بدأت 1919 ـــ 1920 واستمرت لغاية 1954. الموجة الأولى بدأت مع حزب «الوفد» الذي انقسم على نفسه، وجاءت الردّة مع ديكتاتورية الملك فاروق وحكومة صدقي. ومن جهة أخرى، تأسست حركة«الإخوان المسلمين" عام 1927 للمشاركة في ضرب الثورة المصرية الأولى. وفي مرحلة لاحقة بعد الحرب العالمية الثانية، عاد الوفد إلى الحكم، وانتهت هذه المرحلة بالانقلاب العسكري للضباط الأحرار والتي وضعت حداً لهذه المرحلة.
بمعنى آخر، فإن هذه الموجة انتهت بما كان المجتمع المصري قادراً على إنتاجه في تلك المرحلة، بحل وسط شعبوي اجتماعي وليس اشتراكياً اجتماعياً. حلّ معادٍ للاستعمار، لكنه غير ديموقراطي، لا يقوم على تنظيمات شعبية مستقلة عن نظام الحكم. هذه هي مرحلة الثورة الأولى، الثورة لم تبدأ مع الإنقلاب العسكري عام 1952، بل إن هذا الانقلاب أتى بالناصرية، التي تعتبر الفصل الأخير لهذه الموجة الثورية الأولى الطويلة. بعد ذلك، استطاعت الناصرية أن تنتج ما أنتجته بنجاح، وخلال فترة قصيرة نسبياً امتدت لمدة خمسة عشر عاماً لغاية 1967. وهنا فقدت زخمها أيضاً، كما في مرحلة محمد علي، لأسباب داخلية مرتبطة بالتناقضات الداخلية، ولأسباب خارجية تجلت في الحرب التي شنتها «إسرائيل» بمساندة ودعم من الغرب الاستعماري متمثلاً بأميركا وأوروبا.
يُظهر التاريخ، إذاً، أن مصر شهدت بعد الموجة الإصلاحية الأولى لمحمد علي، وقبل ثورة 1919، مرحلة سيئة (زفت) من ضمنها الاحتلال البريطاني، ثم عادت وشهدت بعد الثورة الأولى 1919 ـــ 1967 مرحلة أربعين سنة زفت، منذ مرحلة السادات [1970] وحتى ثورة 25 يناير 2011.
دخلنا مع ثورة 25 يناير في موجة ثورية ثالثة. يجب أن ننظر إليها على أنها بداية مرحلة الثورة لا نهاية الثورة، على الإطلاق. وهذه الانطلاقة يجب أن لا تُغَيِّب عن وعينا تقدير قوة القوى الرجعية في مصر، في 25 يناير، والمتمثلة بالجيش والإخوان المسلمين والبورجوازية المصرية. فالمعونة الأميركية لم تعط لتقوية القدرة الدفاعية للجيش المصري، بل لكسر القدرة الدفاعية للقوات المسلحة المصرية، عن طريق الفساد، من خلال الاغتناء الفردي للجنرالات. و«الإخوان المسلمين» عبارة عن تنظيم يقوم على أربعة مقومات، قيادة، كوادر، جماهير وميليشيا. قيادة هي عبارة عن مليونيرات بأموال سعودية، وهي غير ديموقراطية، تستمد سلطتها من مبدأ الطاعة. وكوادر الإخوان المسلمين هم من الفئات الوسطى المتخلفة فكرياً، وثقافتها تقوم على التعصب الإسلامي البدائي. أما الجماهير، فيقوم ولاؤها استناداً إلى المعونات وإلى شبكة المصالح الاجتماعية التي بدورها ممولة من السعودية. وأخيراً، ميليشيات «الإخوان» الممولة من الخليج التي تقوم بعملية البلطجة التي يمارسونها على المجتمع.
أما العنصر الثالث في القوى الرجعية أي البورجوازية المصرية الطفيلية الفاسدة، والمتمثلة بفئة الكومبرادور، فإنها ممن كانوا مرتبطين بالنظام وبشبكة الفساد.
هذه الأطراف الثلاثة تعد قوة سياسية كبيرة في مصر، قوة اجتماعية وفكرية وسياسية متحالفة. والتناقضات في ما بينها تناقضات سطحية وثانوية جداً. وتعبر عن التنافس على السلطة. والكلام أن النظام كان يحمي البلد من «الإخوان المسلمين» غير صحيح. فالنظام هو الذي أعطى «الإخوان المسلمين» الهيمنة على التعليم وأدى إلى تدهوره وتعميم ظاهرة الحجاب. كما جاءت الهيمنة على القضاء، وعن طريق القضاء أدخل الشريعة بأسلوب متخلف أيضاً، وبهذا المعنى جاءت الأسلمة في المجتمع عن طريق التحالف مع «الإخوان».
طبعاً، هذا التكتل الرجعي مساند ومدعوم تماماً من القوى الإمبريالية ممثلة بأميركا، وأوروبا، الخليج و«إسرائيل». هؤلاء هم القوة الحليفة التي تساند النظام، وتكتل النظام ليس عدواً لإسرائيل، وبعض «الرتوش» أو التعمية، التي كان الإخوان المسلمون يقومون بها لم تكن ضد الصهيونية وما تمثلها، بل تستهدف اليهود لا أكثر ولا أقل.
ما أثبتته ثورة 25 يناير أنه يوجد في المجتمع المصري قوى معادية لهذا التكتل الرجعي. قوى مكونة من أطراف مختلفة، تضم الشباب المسيس، قوى اليسار الجذري وفئات الطبقة الوسطى. الطرف الأول في قوى الثورة يضم الشبكة الواسعة من الشباب المسيسين الذين يقارب عددهم حوالى مليون شخص، معظهم يميلون بشكل أو بآخر إلى اليسار ومعادون للاستعمار. يريدون مصر دولة مستقلة غير تابعة لاستراتيجيات الولايات المتحدة والخليج وضد العدو الصهيوني. وهذا يعني أن ثورتهم ليست مجرد ثورة ديموقراطية، بل هي ثورة ديموقراطية معادية للاستعمار.

لكن الشعارات المعادية للاستعمار، تبدو، الآن، غير واضحة تماماً، ولكنها مطروحة؟
ــــ نعم، إنها مطروحة. ثانياً، هؤلاء الشباب لهم ميول يسارية، ولهم توجه اجتماعي إن لم نقل اشتراكياً اجتماعياً، ينادون بالعدالة الاجتماعية، وإعادة توزيع الثروة لمصلحة الطبقات الشعبية، بدرجات مختلفة طبعاً.
الطرف الثاني في الثورة، أو القوة الثانية هي اليساري الجذري الموجود في مصر تاريخياً، من الناحية الفكرية على الأقل. ولقد نشأ اللقاء والتحالف بين اليسار الجذري مع الشباب المسيس منذ اللحظة الأولى في ميدان التحرير، وهذا اللقاء كان تحالفاً تلقائياً بين مثقفين من اليسار الجذري بأنواعه المختلفة من شخصيات وأفراد بالشباب.
الطرف الثالث في ثورة يناير، يتمثل في الفئات الديموقراطية في الطبقة الوسطى وليس رأسمالية الطبقة الوسطى. فهذه الفئات الديموقراطية هي الأهم عدداً في مصر، وتمثل حوالى 15 إلى 20% من المجتمع المصري. وهذه نسبة ليست صغيرة، وتتميز بكونها تتمتع بمستوى عال من التعليم والمعرفة الفنية، ويشغل أفرادها وظائف مختلفة. وهذه الفئات تنقسم إلى قسمين: الأول، لديه قيم متخلفة فكرياً واجتماعياً ويعبر عنه الجانب الإسلاموي المتعصب، الذي يطرح شعار الإسلام هو الحل. والثاني، قسم متنوّر ومنفتح فكرياً واجتماعياً، ولا سيما على الواقع الديموقراطي الغربي.

ليس غربياً، دعنا نقول هو أكثر ما يماشي تطور الرأسمالية أي «المجتمع ذو السرعتين»؟
ــــ نعم، ليس لديه كراهية للغرب بل ينظر إلى الغرب على أنه نموذج وليس وحشاً، وأنه يجب أن نتمثل بهم في الجوانب الايجابية المرتبطة بحرية الرأي، الديموقراطية، الدولة الحديثة ودولة القانون الخ. وهذا القسم أو الجزء من الفئات الديموقراطية في الطبقة الوسطى، ليس معادياً للرأسمالية، وأفراده غير واعين أن هذا النمط [الديموقراطي] من الرأسمالية لا يمكن أن يتكرر مرة جديدة في بلادنا. كما أن ميولهم ليست معادية للاستعمار بشكل مطلق، فهم لا يحبون «إسرائيل»، ولكن ينظرون إليها كأمر واقع، وإننا كمصريين مللنا «الحرب وكذا.».
هذا يبين أن ديموقراطيي الفئات الوسطى، رغم انفتاحهم الفكري والاجتماعي، غافلون عن خطة الاستعمار ودور «إسرائيل» فيها، كما أنهم غير مدركين لاستحالة تكرار التاريخ واللحاق بالنموذج [الديموقراطي] الغربي. ويمكن أن نعطي مثالاً عن هؤلاء [الديموقراطيين]، وهو الدكتور محمد البرادعي. فالبرادعي غير معادٍ للغرب، وغير معادٍ للرأسمالية وليس معادياً تماماً للاستعمار، وربما له بعض المواقف ضد «إسرائيل». كما تضم هذه الفئة المنفتحة والمتنورة اجتماعياً من الطبقة الوسطى، عناصر أو شخصيات مسلمة، خرجت من «الإخوان»، ويمكن أن نعطي مثالاً على ذلك المستشار طارق البشري.
لقد كتبت ورقة يوم 5 شباط (فبراير)، يعني قبل شهر ونصف شهر، عن الخطة الأميركية للتخلص من الموجة الثورية المصرية. وأشرت فيها إلى أن الخطة الأميركية تقضي بتكرار التجربة الباكستانية في مصر، بحيث يتم خلق نظام «إسلامجي» عن طريق «الإخوان»، من خلال إجراء انتخابات فورية، تعطي الأغلبية للإخوان، وتنتج حكماً مدنياً، لكن «إخوانجياً»، ويكون الجيش في الخلف لا يحكم، ولكن تبقى سلطته هي الأساس، في النهاية.

هذا يقود إلى مزيد من إضعاف الدولة، يعني في باكستان إحدى نتائج نظام الجماعات «الإسلاموية» هي إضعاف الدولة؟
ــــ طبعاً. الهدف الأميركي منع مصر من أن تكون دولة حقيقية ديموقراطية قوية. وخطتهم هي النموذج الباكستاني، أي أن يبقى الجيش في الخلف ويكون الإخوان في واجهة الحكم اليومي في الإدارة. وأن يتحقق المزيد من الأسلمة في المجتمع. هذه هي الخطة، وللأسف الشديد ما يحدث اليوم في الاستفتاء دليل على أن هذه الرؤية لم تكن خاطئة.
فالتكتل واضح كلياً. من جهة، لديك قيادة الجيش. والبورجوازية الكومبرادورية الموجودة كقوة اجتماعية اقتصادية (كان الحزب الوطني يعبر عنها). والإخوان المسلمون الذين يدعون إلى الاستفتاء بـ«نعم» على التعديلات الدستورية. وإذا نجح الاستفتاء، وهذا ما أخشاه، سيؤكد نجاح الخطة الأميركية لتسليم الإخوان السلطة.

يمكن للتصويت بموقف الرفض على التعديلات أن يحصل على تأييد كبير نسبياً، وبالتالي يعبر عن كتلة شعبية كبيرة نسبياً تعارض الإخوان والقوى الرجعية.
ــــ موقف الرفض سيأخذ نسبة شعبية كبيرة في المدن، لأن اللجان الشعبية التي تعمل في الأحياء الشعبية معادية للإخوان.

كأنك تقول إن الإسلاميين أو الإخوان المسلمين أيضاً هم قوة ريفية أكثر منها مدينية؟
ــــ ربما. الإخوان هم قوة ريفية وقوة حضرية، وموجودة في الفئات المتخلفة فكرياً، ولكن حكماً سيأخذون أغلبية كبرى في الريف، حيث التخلف الاجتماعي أو الاقتصادي، ولأنّ تمثيل القوى التقدمية ضعيف في الريف.

هل تتوقع التزوير في الاستفتاء؟
ــــ نعم، أتوقع تزويراً كبيراً وخاصة في المدن الصغيرة والأرياف. لأن نظام الحكم الذي يدير الانتخابات يستند إلى الإدارة المحلية (للنظام السابق) التي لا تزال قائمة، وتكتيك الجيش أن يقف في الخلف ويحتفظ بقوته السياسية، ولا يطرح نفسه كقوة حاسمة، ويقول إنه يترك الشعب يقول كلمته.

نعود إلى الاستفتاء و«النموذج الباكستاني»؟
ــــ إذا نجح الاستفتاء، فهذا يعني أن الانتخابات السريعة ستكون في أيلول (سبتمبر) أو تشرين الأول (أكتوبر) 2011. وبذلك، يبدأ تنفيذ الخطة الأميركية. وهذا لا يعني نهاية الثورة، سوف يكون هناك موجة ثانية من احتلال ميدان التحرير وحركات شعبية، بالإضافة إلى الصراع الطبقي الذي هو في مرحلة صعود الآن. فالنظام مضطر إلى تقديم تنازلات الحد الأدنى، والمتمثلة بقبول حد أدنى من الديموقراطية، من خلال ظهور أحزاب سياسية يسارية، وإعادة صعود التنظيمات الشعبية: النقابات العمالية، وربما منظمات الفلاحين. كل ذلك سيغذي الموجة الثورية الجديدة.

وهل سيكون طابعها أكثر ثورية ونشهد بالتالي امتداداً للصراعات؟
ــــ نعم، ستكون أكثر ثورية، ولكن يجب أن نعرف أن الثورة المصرية ليست حدثاً صغيراً، ولن ترى موجتها الثانية خلال أشهر قليلة.

من خلال حديثكم، ألا ترون أنّ هناك نوعاً من الإطلاق في النظر إلى «الإخوان» بإعتبارهم قوة رجعية، وأنهم إحدى ركائز المعسكر الرجعي المضاد للثورة في مصر، بينما تكثر المؤشرات والدلائل في السنوات الأخيرة، على وجود اتجاهات فكرية سياسية متعارضة ضمن هذا التنظيم. ثانياً، هناك ما يمكن أن نسميه السياسات الجديدة للإخوان في ما يخص مسألة الصراع العربي ــــ الصهيوني تحديداً. ما رأيكم؟
ــــ لا أوافق على هذا التحليل. يجب أن نميز بين وجود الإسلام في المجتمع وبين الإخوان. فالمجتمع ينتج تيارات تقدمية في البيئة الإسلامية. ففي ميدان التحرير، كان هناك مفكرون إسلاميون وشيوخ معارضون للأزهر. لكن الإخوان، ولا سيما قياداتهم لا تعادي هذه التيارات أو المجموعات التقدمية وتسعى إلى احتوائها. وهذا التكتيك لا يعني أن الإخوان تخلوا عن طبيعتهم، ولا سيما موقعهم في خدمة القوى الرجعية محلياً وإقليمياً وعالمياً.

أنتم لا تجدون فرقاً بين الإخوان أنفسهم ولا بين الإخوان والسلفيين. مثلاً التكفيريون الوهابيون الذين يخربون الحياة السياسية المصرية والمجتمع المصري والمجتمع العربي؟
ــــ الإخوان وهابيون منذ نشأتهم الأولى عام 1927. عندما استلهموا كلام الوهابي رشيد رضا. وهذا يعني أن الوهابية موجودة عندهم من الأصل، ولم يتغيروا ولن يتغيروا، وهم ليسوا مختلفين عن السلفيين أبداً، فالحركة السلفية جزء منهم.

كيف تفسر ظهور شباب الإخوان في بداية الثورة، وكيف تفسر مشاركتهم القوية والشجاعة لدحر موجات الهجوم على ميدان التحرير؟
ــــ المشاركة القوية بدأت في اليوم الرابع. في الأيام الأولى للثورة، كانت قيادة الإخوان معادية للثورة وتقف إلى جانب السلطة. وعندما رأت أن توازن القوى قد بدأ بالاختلال، ولما أدركت قيادة الإخوان أنّ الاستفزاز الكبير في اليوم الثاني والثالث [من جانب نظام مبارك للمتظاهرين] فشل في تحقيق أهدافه في وقف الثورة، قررت الدخول لأنهم عجزوا عن الإمساك بجماهيرهم، فدخلوا بهدف إعادة الإمساك بجماعتهم وإعادتهم إلى الحظيرة مجدداً.

في ما يخص «النموذج الباكستاني»، أليس توقع أن تؤول الأمور إلى نموذج شبيه بباكستان وفقاً للخطة الأميركية، هو أمر يتنافى مع كل الواقع المصري، لأن باكستان هي دولة جزء من الهند وقسمت على أساس ديني، بينما مصر دولة تقوم على أسس أعرق وأقوى وأرسخ؟
ــــ قطعاً، قطعاً، المقارنة لها حدودها. طبعاً، المجتمع المصري وتاريخه مختلف تماماً عن المجتمع الباكستاني.

لماذا لم تشبهه بـ«النموذج التركي» مثلاً كما يقال أو كما يشاع في بعض الأوساط أو كما ترغب بعض الأوساط؟
ــــ الفرق بين النموذج التركي والنموذح المصري أنه في النموذج التركي الجيش في الطرف الآخر، الجيش يدافع عن العلمانية، علمانية الدولة، والاثنان متفقان على اتجاه غربي رأسمالي ــــ أطلسي إلى آخره، لكنْ مختلفان في أن الجيش حامي العلمانية وتراث أتاتورك، بينما الجيش في مصر على عكس ذلك هو جيش «إسلامجي».

ألا تعتقد أن الروح الناصرية في الجيش تعبر عن علمانية مصرية؟
ــــ من حدود الناصرية بالذات، عدم العلمانية. الناصرية مسؤولة عن بداية «أسلمة» المجتمع باسم معاداة الاستعمار، ومن أجل رفض الديموقراطية، لأنّ العلمانية مستحيلة من دون ديموقراطية صحيحة، ومن دون أن تكون الجماهير الشعبية قادرة على تنظيم نفسها بنفسها، لكي تكون قادرة على أن تدافع عن مصالحها. جمال عبد الناصر قام بدور في «الأسلمة»، وهو المسؤول عن منع التقدم في دمقرطة المجتمع المصري.

لكن الذي يقرأ مذكرات أحمد أمين، مثلاً، يرى أن الأزهر كان يموت فعلاً. مؤسسات الإسلام السلطوي التقليدية كانت في الحضيض؟
ــــ دائماً أعود إلى مثلين أو مقارنتين: الأزهر كان في طريقه إلى الموت، والجامعة المصرية كانت علمانية حديثة مستقلة. فماذا فعل عبد الناصر؟ أنعش الأزهر تحت عنوان تحديث الأزهر. لكن ما حصل هو شيء آخر، فلم يكن هناك تحديث، وإنما استمر الفكر الأزهري الرجعي الذي تحول لاحقاً ليصبح وهابياً في نهاية الأمر.

ألم يكن عبد الناصر بحاجة إلى الموقع الديني في صراعه مع آل سعود وللتعامل مع المؤامرات السعودية على السياسة المصرية؟
ــــ مشكلة عبد الناصر أنّه أراد أن يلعب مع السعودية على الأرضية ذاتها التي تستخدمها.

هو لعب في نفس الملعب الديني، لكن هذا ربما كان يتعلق بمستوى تطور الاجتماع السياسي المصري في ذلك الحين.
ــــ المجتمع المصري كان متقدماً عن ذلك. المجتمع المصري انطلاقاً من عام 1920 كان له اتجاه علماني سائد. جمال عبد الناصر هو الذي أوقف هذا الاتجاه، وطبعاً السادات قام بالأسوأ.

في النقاش حول قوى الثورة وميزان قواها، كيف يمكن أن نُدْخِل قدراً من التفاؤل والرجاء بأن هذه الثورة سوف تحدث تغيرات عميقة لمصلحة مصر؟
ــــ العامل الذي يجعلني متفائلاً جداً على الأمد الأطول هم الشبان. معظم شبان الثورة بعيدون عن الإسلام السياسي، وأثبتوا ذلك. في المجتمع المصري، تعتبر فئة الشباب الأغلبية، وهذه الفئة بعيدة عن الإسلام السياسي وسيشكلون أغلبية في المجتمع خلال العقدين المقبلين. وبالتالي هناك تغيير حصل في المجتمع المصري، نتيجة لمسائل كثيرة داخلية وخارجية، ومنها تأثير الجانب الإيجابي في العولمة.

ألا ترون أنه في سياق النقاش حول العولمة والتأثيرات العولمية، أعيد إنتاج نخب شبابية في مصر، وفي معظم الوطن العربي، على الطريقة الأميركية، وبحسب الطلب الأميركي. مثل ظاهرة المنظمات غير الحكومية؟ وفي حديثكم أشرتم إلى شباب لا يعادي الرأسمالية، ويفتقر إلى الحس الطبقي والقومي السليم؟
ــــ أوافق على هذه الفكرة، لأن الأغلبية الكبرى من هؤلاء الشبان يعانون تناقضات خطيرة. إنهم فئة حديثة معولمة وديموقراطية وعلمانية، وتتشارك مع الفئات الوسطى بالعديد من السمات، ولكن بشكل أخف لأنه ليس لديهم مصالح اقتصادية واجتماعية ملموسة مثل الفئات الوسطى. لكن عندما نرجع إلى الإخوان، نجد أنّ القيادة لديهم اتخذت مواقف معادية تماماً للإضرابات العمالية

هذه المواقف «الإخوانية» المعادية للتحركات النقابية كانت في المرحلة السابقة للثورة؟
ــــ وحالياً أيضاً. وهي مواقف معادية تماماً لحركة الفلاحين في الدفاع عن ملكية الأرض أمام التوسع الرأسمالي الطفيلي، وتوسع الشركات الأجنبية والبورجوزاية الريفية المصرية. وهذه الحركة الفلاحية تعبر عن قوى كبيرة وصحيحة في الريف المصري. «الإخوان» اتخذوا مواقف معادية لحركة الفلاحين باسم شرعية الطابع المقدس للملكية الخاصة في الإسلام، وأدانوا الإصلاح الزراعي باعتباره عملاً شيوعياً.

هل لديك شعور بأن هناك حالة من القلق الغامض في وسط معظم النخب السياسية المنخرطة في الثورة أو التي تقف على هامشها؟ لقد لاحظنا خلال لقاءاتنا في القاهرة، بعدد من السياسيين والمفكرين والنقابيين، أنّ هناك نوعاً من القلق الغامض الذي يعكس الإشكالية الأساسية في الصراع الثوري الدائر. فهل ما وصفته بالمعسكرين هو نتيجة لغياب الخبرة السياسية لدى قوى الثورة؟
ــــ قطعاً، قطعاً، قطعاً. فالناصرية، ثم ديكتاتورية الفساد التي اتبعها السادات ومن ثم مبارك منعت العمل السياسي الحقيقي.

بالنسبة إلى الأميركيين، في نقاشاتكم للنظام الدولي والنظام الرأسمالي العالمي، يبدو واضحاً أننا نعيش في عالم واحد، عالم مترابط، وأن الرأسمالية تقيم عالماً واحداً. في هذا المجال، النقاش حول أزمة النظام في مصر هو، في واقع الأمر، نقاش حول أزمة النظام الدولي، أو النظام الرأسمالي العالمي. والسؤال هو : هل هناك ارتباط بين الأزمة الرأسمالية الناشبة والانفجار الثوري الذي حدث في القطر المصري؟
ــــ قطعاً. ليس فقط أزمة في مصر، أزمة المجتمعات العربية بشكل عام هي جزء من الأزمة العامة الرأسمالية. أي أنّ النتائج المترتبة على الموجة الليبرالية خلال السنوات الثلاثين أو الأربعين الماضية، منذ أوائل الثمانينيات أدت إلى المزيد من التفاوت في توزيع الدخل. يقول البنك الدولي إن وضع مصر ليس سيئاً، وإن معدل النمو هو 5 في المئة. لكن هذا النمو كان يستفيد منه 1 في المئة من المجتمع المصري. وهذا التفاوت الذي أدى الى الانفجار ليس في مصر فقط، بل في تونس أيضاً، وكذلك الانفجار في البلاد الأخرى وإن بأشكال مختلفة. وهو جزء من الأزمة العامة، وهذا هو التناقض في العولمة. لا أريد أن أعمم، ولكن أتصور أن أغلبية الشبان، وأغلبية الشعب المصري الذين اشتركوا فعلاً في الإندفاعة الأولى في الثورة المصرية، بمن فيهم الإسلاميون، لا يمتلكون هذا النوع من النظرة التي تسمح لهم بتحليل هذه العلاقة بين أزمة الرأسمالية على صعيد عالمي، وانعكاسها على أزمتهم المحلية، وهذا يشير إلى أهمية دور اليسار الجذري، وخاصة المثقفين ومسؤوليتهم الكبيرة في إظهار هذه العلاقة.

أردت أن أكمل السؤال عن الارتباط بين الأزمة المصرية، ولا سيما مع الانفجار الثوري الراهن، وأزمة النظام الرأسمالي في مركزه الكبير أو في مراكزه الكبرى. هل يمكن أن نقول، إذاً، وبناء على ما تفضلتم به، إن الثورة المصرية البازغة هي دليل من دلائل نهاية الموجة النيوليبرالية؟
ــــ قطعاً، هي بداية نهاية الموجة النيوليبرالية. فهذه الموجة ليست في أزمة، بل في مرحلة نهايتها، وليس في بلدان الجنوب فقط، بل في دول الشمال أيضاً. والأزمة نفسها موجودة في فرنسا وفي ألمانيا وإيطاليا، وهي بدرجات أسوأ في اليونان وفي الدول الضعيفة مثل إيرلندا وإسبانيا وإلى حد ما في البرتغال. الأزمة موجودة في كل دول العالم الرأسمالي، وتعبيراتها واحدة، فالتفاوت في توزيع الدخل هو ظاهرة عالمية موجودة في جميع دول العالم الحديث منذ 30 سنة على الأقل.

هنا يطرح سؤال آخر، طالما أن النيوليبرالية اندحرت وتراجعت لأسباب شتى، فما هو النموذج الاجتماعي الاقتصادي الذي ستسوقه الولايات المتحدة والصهيونية العالمية في مصر أو في دول أخرى؟
ــــ إنه خليط من الرأسمالية والاشتراكية.

علي نصار: هل الولايات المتحدة الأميركية ستفعل ذلك؟ أنا أسأل عن الولايات المتحدة باعتبارها المركز القوي في النظام العالمي الحديث، وقد قامت مع الموجة النيوليبرالية بتسويق نموذج السوق وصناديق الاقتراع، أي اقتصاد السوق والانتخابات الحرة، وظلوا طويلاً يتحدثون عن ديموقراطية اقتصاد السوق، وإذا كان في رأيكم أن هذا النموذج الليبرالي قد انتهى، وقد أشرتم سابقاً إلى وجود خطة أميركية لمصر وواضح أن هناك خطة بالفعل، فما هي هذه الخطة وكيف سيتم تنفيذها؟
ــــ لا تُبالغ في قوة الولايات المتحدة. الولايات المتحدة في أزمة. وهيمنتها في أزمة. فهي ترتكز الآن على القوة العسكرية. يعني الولايات المتحدة فقدت القوة الاقتصادية إلى حد كبير، وفقدت أيضاً القدرة المعنوية للنموذج الديموقراطي الخ... والتركيز الآن على القوة العسكرية، وهنا الخطر. في عام 1992 كتبت كتاباً عنوانه «عسكرة العولمة» والتحليل فيه قائم على أن الولايات المتحدة دخلت في أزمة الهيمنة، ولا تستطيع أن تستمر فيها إلا بمزيد من التدخل العسكري. وهذا ما نراه الآن.
بالعودة إلى مصر، لا بد لمن يريد أن يحلل هذا الواقع ويفهمه، سواء كان مصرياً أو أجنبياً، عربياً أو غير عربي، أن يعي أن الاستعمار والمتمثل بالقوى المهيمنة عالمياً لا تستطيع أن تسمح لمصر بأن تبقى دولة قوية. هذا تم تنفيذه مع تجربة محمد علي. وقد كان الهدف الوحيد للإنكليز خلال القرن التاسع عشر كله ضرب مصر. والآن تتكرر الحكاية نفسها. أميركا وقوى الاستعمار بشكل عام، يمكن أن تقبل بـ«النموذج التركي» في تركيا لأنه في النهاية سيكون حليفاً لهم. لكن مصر لا. مصر إذا كانت قوية، وحصل فيها تغيير سياسي سيتغير الموقف المصري. ولذلك، هم لا يسمحون بأن تكون مصر قوية. والأوضاع لا يمكن أن تتغير في الوطن العربي، إلا إذا بدأت مصر بالتغيير، ولذلك تمثل مصر خطراً كبيراً على هيمنتهم، ولا يسمحون بذلك، وسيبذلون أقصى جهدهم لمنع هذا التغيير.

هل تعتقد أن هناك ارتباطاً بين نشاط المقاومة المسلح ضد الصهيونية في فلسطين وفي لبنان وضد الاحتلال الأميركي في العراق، وبين ما يجري وسيجري في مصر وفي عدد من الدول العربية؟
ــــ قطعاً، قطعاً، قطعاً. وهذه نقطة ضعف عند الحركة الثورية المصرية حالياً، لأنها لا تدرك ذلك تماماً، ما خلا عدد قليل من عناصر اليسار الجذري. فالجماهير الشعبية بمن فيها الشبان المسيسون ليسوا مدركين تماماً. العلاقة قوية جداً بين ما يحدث في فلسطين (الانتفاضة الفلسطينية المستمرة)، وفي العراق وأفغانستان من مواجهة الاحتلال الأطلسي، وبين ما يحدث في مصر. ونقطة الضعف هذه انعكست في الحديث [الشعارات] عن «الشرق الأوسط» بشكل عام، وغياب الحديث [الشعارات] عن فلسطين إلى حد كبير، أثناء الاندفاعة الأولى لجمهور الثورة.

على هدي ما حققته الثورة المصرية حتى الآن، وما تتوقعون أن تحقق في المستقبل، كيف ستكون صورة الصراع المصري ــــ الصهيوني، والصراع العربي ــــ الصهيوني، وما هي الأشكال التي سيتخذها هذا الصراع؟
ــــ أنت تسأل سؤالاً صعباً جداً. أنا أتصور في نهاية الأمر، أن الشعوب العربية بمن فيهم الشعب المصري، ستدرك أكثر فأكثر أن الانتصارات المحلية/ الوطنية مستحيلة، من دون أن تكون مساندة بانتصارات وطنية أخرى في البلاد العربية، وخاصة في فلسطين.

هل الروائح المقرفة لـ«المسألة الطائفية» في مصر هي من ضمن أدوات/ «عدة شغل»، فرض أو تطبيق «النموذج الباكستاني» في مصر؟
ــــ كلا. «النموذح الباكستاني» مختلف لأن الظروف التاريخية لمصر مختلفة تماماً عن باكستان. لكن «الإخوان المسلمين» سوف يغطون خيانتهم واستسلامهم للأميركان وللصهيونية بمزيد من المعاداة للأقباط المصريين. هذه هي خطتهم. وهي الخطة نفسها التي اتبعها نظام مبارك في السابق من خلال ظاهرة الاعتداءات التي وقعت ضد الأقباط. وهي جزء من استراتيجية الأميركان ونظام مبارك. والإخوان كانوا جزءاً منها أيضاً. لكن الثورة المصرية أثبتت إدراك الجماهير الشعبية المصرية أن الأقباط هم مواطنون مصريون مثلهم مثل المسلمين.

سؤال أخير، كيف ترى ظاهرة العولمة بعد الأزمة الرأسمالية الأخيرة والمستمرة، ولا سيما بعد الزلزال الاقتصادي الذي حصل في اليابان؟
ــــ العولمة دخلت في أزمة طويلة. وهذه الأزمة الطويلة لا بد من أن تؤدي إلى مزيد من الفوضى على الصعيد العالمي. ونتيجة هذه الفوضى، هي ثورات حقيقية هنا وانتفاضات هناك، وقد يكون بعضها بدون خطة أو استراتيجية كما يحصل عادة في التاريخ.

هل توافقون مع إيمانويل فاليرشاتين على أن العولمة الرأسمالية بدأت مع بدايات نظام الميركنتيلية؟
ــــ آه طبعاً، أنا موافق مع إيمانويل فاليرشاتين في هذه المسألة، ولكن تحليلي مختلف عن تحليله، ويمكن أن تراجع مقالات كتبتها حول هذا الموضوع.

السؤال الأخير من حلمي شعراوي: بشأن الوضع الدولي. في فترة كنا نتحدث عن دور أوروبا، ولم يكن هناك إجابة واضحة حولها. والسؤال الذي يطرح الآن، لماذا لا تستطيع أوروبا في كل هذا الصراع العالمي، أن تواجه الهيمنة الأميركية ولو قليلاً؟ لقد أقامت اتحادها، ولكن موقفها لا يزال تابعاً. والبورجوازية المصرية عموماً تميل إلى التعامل مع أوروبا، لأنها تدرك أن النمط الأميركي هو نمط استهلاكي، فما هو التفسير بأن أوروبا تبقى غير قادرة حتى على الاقتراب من العرب؟
ــــ الرأسمالية دخلت منذ 40 سنة في مرحلة جديدة من رأسمالية الاحتكار. المرحلة الأولى من رأسمالية الاحتكار كانت في أواخر القرن التاسع عشر لغاية ما بعد الحرب العالمية الثانية، في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. ثم دخلت في مرحلة ثانية، هي مرحلة أعلى، من تركيز رؤوس الأموال، وعبرت عن تغير كيفي وليس كمياً فحسب، وسمّيتها مرحلة رأسمالية الاحتكارات المعممة. بمعنى أنه لا يوجد حالياً قطاع إنتاج رأسمالي في الغرب مستقل عن بنية الرأسمالية الاحتكارية. وهذا يسري على أوروبا كما هو سارٍ على الولايات المتحدة. وبالتالي، المصلحة الأميركية ــــ الأوروبية هي مصلحة مشتركة في إدارة العولمة. أي أنه مهما كانت التناقضات بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة، فهي تناقضات ثانوية فقط، بمعنى أنهم مشتركون تماماً في المصالح، ويمكن أن ترى ذلك في ليبيا والعراق ولبنان.

* مدير موقع «الحقول»