توفي أخيراً المستشرق والمؤرخ البريطاني – الأميركي الشهير برنارد لويس عن عمر 102 عام، بعدما قضى عمراً في العمل الأكاديمي والتنظيري المثير للجدل. وقد أسهمت أعماله في تشكيل وجهة النظر الغربية تجاه قضايا الشرق الأوسط.ولد لويس عام 1916 في لندن لأسرة يهودية من الطبقة الوسطى. اهتم باللغات والتاريخ باكراً، فدرس العبرية والآرامية والعربية واللاتينية واليونانية والفارسية والتركية. نال الدكتوراه عام 1939 من كلية الدراسات الشرقية والأفريقية (SOAS) في جامعة لندن، في تاريخ الإسلام (موضوع أطروحته «أصول الإسماعيلية»). خلال الحرب العالمية الثانية، خدم في الجيش البريطاني وهيئة الاستخبارات، ثم في وزارة الخارجية. بعد الحرب، عيّن عام 1949، أستاذاً لكرسي جديد في الشرق الأدنى والأوسط. ثم انتقل عام 1974 إلى الولايات المتحدة حيث عمل أستاذاً في جامعاتها وحصل على الجنسية عام 1982. عيّن لويس أستاذاً فخرياً لدراسات الشرق الأوسط في «جامعة برنستون». نشر نحو 30 كتاباً ومئات المقالات عن الإسلام والشرق الأوسط، وخصوصاً في التاريخ الاجتماعي والاقتصادي للعرب والمسلمين، وتحديداً الدولة العثمانية، استناداً إلى الأرشيف العثماني.
قدم لويس توصيات مهمة لعدد من الحكومات الأميركية والأوروبية على مدى نصف القرن الماضي، اتخذت على أساسها بعض السياسات التي أثرت في تاريخ الشرق الأوسط، وخاصة إدارة جورج بوش الابن، إذ يعتبر لويس أحد المنظّرين لغزو العراق. فقد أطلق مقولته «كن قاسياً أو أخرج»، التي سماها بعضهم «عقيدة لويس» لتبرير التدخل في الدول العربية والإسلامية تحت ذريعة إحلال الديموقراطية فيها.
بعد غزو العراق عام 2003، رأى لويس أن من المهم أن يحكمه الشيعة من خلال نظام ديموقراطي حر، مع إمكانية تطوير المؤسسات الديموقراطية في بلد عربي مسلم. وكان يعتقد بأن العراق نموذج يثبت ذلك، ما يسبب القلق لجميع الطغاة الذين يحكمون دول المنطقة، لأنه إذا نجحت التجربة في العراق فقد تنتقل إلى الدول المجاورة.
لويس، الذي قضى حياته في دراسة تاريخ الحضارة، يُعتبر واضع نظرية «صدام الحضارات» بين الإسلام والغرب (الذي يسميه العالم المسيحي) التي أخذها عنه صموئيل هنتغتون. هو يعتقد بأن صراع الإسلام والمسيحية لم يكن بسبب الاختلافات بينهما بقدر تشابههما، فهما الديانتان الوحيدتان اللتان تدعيان الحقيقة الكونية، وأنهما رسالة الله النهائية للبشرية. لذا، لدينا ديانتان لهما تصور ذاتي مماثل، وخلفية تاريخية مشابهة، فيصبح الصراع حتمياً عندما يعيشان جنباً إلى جنب.
وقد أسهم لويس في نشر الإسلاموفوبيا والإيرانوفوبيا (رهاب إيران) في المراكز العلمية والأوساط السياسية في الغرب. أضحت إحدى توصياته القائلة بأن إيران هي التهديد الأكبر في الشرق الأوسط للولايات المتحدة وحلفائها، أحد مبادئ الولايات المتحدة. كما يقف لويس خلف فكرة شيطنة إيران من أجل تخويف العرب والمسلمين السنّة منها وجعلهم ينظرون إلى الغرب وإسرائيل كملاذ آمن. شجع لويس بصراحة الدول الإسلامية والغربية على مواجهة إيران من أجل أن تنعم إسرائيل بالسلام والاستقرار. وقال في إحدى المقابلات: «عندما تنظر إلى المنطقة، من هم الأعداء المحتملون؟ في المقام الأول الثورة الإيرانية، الإمبريالية الإيرانية والثورة الشيعية الإيرانية».
لم يخفِ لويس دعمه المطلق للدولة الصهيونية. كان يعتقد بأن خلق تفاهم أفضل بين العرب وإسرائيل، سيكون في الوقت الذي يشعر فيه العرب بأنهم «يواجهون خطراً أكبر. السادات لم يصنع السلام لأنه كان مقتنعاً فجأة بمزايا القضية الصهيونية، لقد اختار السادات لأن مصر أصبحت مستعمرة سوفياتية. حدث الشيء نفسه في عدد من المناسبات. الآن يرون إسرائيل حاجزاً ضد التهديد الإيراني».
وعن رأيه بالإسلام وإن كان يدعو إلى العنف والإرهاب، قال لويس إنّ هناك رأياً سلبياً يرى المسلمين كمجموعة من المتعطشين للدماء الذين يخيرونك بين القرآن والسيف، وأن المسلمين جلبوا معهم الطغيان والقمع. والرأي الآخر يقدم الإسلام كدين للحب والسلام. يرى لويس أن الحقيقة هي في مكان بين هذين الرأيين المتطرفين. وقد استعمل مصطلح «الفاشية الإسلامية» للحديث عن الأصولية الإسلامية، ما أثار انتقادات من مسلمين لتشبيههم بالحركات الفاشية الأوروبية السيئة الذكر، فجعله يستخدم مصطلح الإسلام المتطرف.
يقول لويس «إن الإسلام جلب على مدى القرون الأربعة عشر الأخيرة الكرامة والمعنى لملايين من الأرواح المظلمة والمفقرة. لقد خلق حضارة عظيمة مرت بمراحل مختلفة في بلدان عدة. إنها تمر الآن بأزمة كبيرة، ويمكن أن تذهب في أي اتجاه. يمكن أن تتحول إلى طغيان متعصب، سيكون مدمراً للمسلمين ويهدد بقية العالم. لكن بإمكانهم النجاح في تطوير علامتهم التجارية الخاصة بالديموقراطية... والتي أعني بها حكومة محدودة ومتحضرة ومسؤولة».
وحول علاقة الإسلام بالإرهاب وكون الإرهاب نتيجة للسياسات الاستعمارية الغربية والإسرائيلية ضد العالم الإسلامي، يحاجج لويس أنه «عندما كان جزء كبير من العالم الإسلامي تحت حكم أجنبي، قد تقول إن الإرهاب كان نتيجة للإمبريالية والحكم الإمبريالي والاحتلال. لكن في الوقت الحالي، حقق العالم الإسلامي كله تقريباً استقلاله. لم يعد بإمكانهم إلقاء اللوم على الآخرين بسبب الخطأ. عليهم أن يواجهوا واقع حياتهم في بلادهم. تبقى بعض الأماكن محل نزاع، مثل الشيشان وإسرائيل وبعض الدول الأخرى، لكن هذه الأماكن قليلة نسبياً إذا كنت تتحدث عن العالم الإسلامي ككل».
يعتبر المؤرخ المختص في التاريخ العثماني أحد أبرز منكري مذابح الأرمن، إذ رفض تسمية ما حدث بالمجزرة واعتبرها «أعمالاً مؤسفة أودت بحياة أتراك وأرمن على حد سواء»، ما أدى إلى محاكمته في فرنسا وعدّ مذنباً وتغريمه بمبلغ رمزي قدره فرنك فرنسي واحد.
* باحث في الفكر العربي والإسلامي والاستشراق