لندن | تجاوزت فضيحة التحرش المتسلسل التي تنسب إلى منتج هوليوود المعروف هارفي وينستين، مسألة أن تكون انحرافاً فردياً لشخصيّة سايكوباثيّة صودف أنها تولت موقع التأثير والسلطة في هوليوود. إذ أنّها تحولت إلى علامة على الأزمة البنيويّة المعقدة التي تعيشها عاصمة صناعة السينما الأميركيّة، وذروة صغيرة ظاهرة من جبل جليد ضخم لتراكم حتمي لأعراض مرضيّة ترافق الرأسماليّة المتأخرة في مجالات الاقتصاد كافة.
ما يعرف الآن بـ «وينستين غيت» ترافقت مع تراجع غير مسبوق في قدرة إنتاجات هوليوود على استقطاب الجمهور إلى شباك التذاكر، ليتحدّث بعضهم عن أسوأ موسم صيف منذ عقود، في حين بدت السينما الأوروبيّة والكنديّة وحتى الأميركيّة - خارج عاصمة السينما - أفضل حالاً بكثير. ليس على سبيل الأرقام فحسب، بل خاصة على قيمة المحتوى الفكري والفنّي للأعمال المقدّمة. بنية الصناعة في هوليوود القائمة على تركز هائل للقوة في أيدي استيديوهات إنتاج قليلة مُنح فيها أصحاب العمل والتنفيذيون الكبار سلطات غير محدودة تسببت في إفساد صيغة الإنتاج الفنّي ذاتها من خلال فرض المحسوبيّات القائمة على شبكات علاقات مشبوهة ــــ سينتولوجيا وغيرها ــــ والمحاباة في تقديم الأدوار مقابل الخدمات الجنسيّة وتسهيل تداولها، والاستعداد الذّليل لتقبّل توجيهات المؤسسة الأمنيّة الأميركيّة في ما يتعلق بالمحتوى الأيديولوجي للأعمال المقدّمة.

فوق هذا كلّه، فإن منظومة العمل الاقتصادي الرأسمالي القائمة على النتائج القصيرة المدى وتحديثات أرقام شباك بيع التذاكر اليوميّة، دفعت المُنتجين الذين ينفقون أموالاً طائلة لإدامة نظام العيش الباذخ والمكلف في عاصمة المظاهر والاستعراضات، إلى التركيز على عناوين يُفترض بها أن تكون مضمونة النجاح تجاريّاً، من دون إعطاء فرص حقيقيّة لأعمال يمكن أن تستكشف إمكانات السينما في اتجاهات جديدة. وهكذا انتهينا إلى سلاسل سرمديّة من أفلام الخيال العلمي، أو استدعاءات باهتة لأرواح أعمال قديمة، أو بالكثير إنتاجات استعراضيّة تقوم على الرقص والألوان وفنون التصوير تترافق مع فقر حاد في المضمون.
السلطات الهائلة لصناعة الأضواء وإنفاق الملايين وفرض الوجوه على الجمهور العالمي، والتي هي بحكم بنية هوليوود تركزت في أيدي أفراد قلة ــــ كما في حالة هارفي وينستين وغيره بالطبع ــــ جعلت من مسألة الانطلاق في مغامرات جنسيّة متعددة وشاذة أحياناً، أمراً لا يمكن تجنّبه، لا سيما أنّ عقوداً من أجواء التحرر الجنسي في مدينة لا تشتهر بالفضيلة عموماً، دفعت بكثيرات (وكثيرين) من الطامحين بالشهرة والثروة والأضواء إلى تقبّل فكرة تقديم أجسادهم - وأرواحهم حتى - على مذبح الصعود إلى القمّة.

أعراض مرضيّة ترافق الرأسماليّة المتأخرة في مجالات الاقتصاد
كما أنّ عقوداً من التمييز الجندري والطبقي والعنصري المتجذّر في روح المجتمع الأميركي، تجعل لقاء وحش بشري من أمثال وينستين – وعشرات غيره ليس في عالم السينما وإنما كذلك في جلّ صناعات المنظومة الرأسماليّة – مع مراهقين صغار أو نساء في مقتبل العمر لديهم استعداد نفسي لتقبل الاستغلال بوصفه طريق النجاح الممكن، مناخاً جاهزاً لتردي كل الأطراف في أجواء الابتذال الجنسي – أقلّه نظريّاً. الأمر لا يفسّر امتداد قائمة اتهامات التحرش الموجه لوينستين عبر العقود والمدن فحسب، بل كذلك تغاضي المنظومة بمجموعها عن سلوكياته ـــ المعروفة على نطاق واسع ـــ وإشاحتها النظر عن جرائمه.
وينستين إذن ليس وحده وحشاً بشريّاً مكانه السجن أو مستشفى الأمراض العقليّة. بل ربّما هو بدوره صنيعة نظام كلّي يسمح لأبشع نوازع النّوع البشري بالتعايش مع الجشع المتصاعد لمزيد من الأرباح، والتمكين لهيمنة النخبة على عقول الجماهير. ولذا، فإن رمي هارفي وينستين بالحجارة لا يعني بالضرورة أن رماة الأحجار من رفاقه بريئون من الخطيئة.
«وينستين غيت» لهوليوود ستكون مثل «ووتر غيت» في السياسة الأميركيّة. فسادٌ في القمة، فتساقط لأفراد، وتعديلات شكليّة تنتج مسوخاً من طراز آخر من دون أي أمل في تغيير نوعي على مستوى المنظومة. ألم يسقط نيكسون، لننتهي اليوم مع ترامب؟