لبّى عدد كبير من الأكاديميين والطلاب والمناضلين القوميّين دعوة «مؤسّسة سعاده للثقافة» للقاء مع الدكتور عادل بشارة (الصورة)، أستاذ العلوم السياسيّة في «جامعة ملبورن» في استراليا، تحت عنوان «سعاده في ذهن الغرب». كلمة نديم محسن الترحيبيّة أكّدت أنّ «من حقّ أيّ مفكّر في العالم أن يصل فكره غير مشوّه وأن يتمّ مناقشته في مقولاته الأساسيّة لا في اجتزائها»، وأنّ « أنطون سعاده (الصورة) بنى في فكره وفلسفته على العلوم الناشئة في القرن التاسع عشر في أوروبا من علوم إجتماع وسياسة إلى علم البيولوجيا وغيرها، ومن المؤسف أن يردّ الغرب حتّى الآن بتشويه الفكرة أو تجاهلها».
وأضاف أنّ «موقف الغرب السلبيّ بشكل عام من سعاده يمثّل الموقف تجاه سورية الطبيعيّة وقضيّتها وكلّ بارقة أمل أو نبض فيها منذ سايكس ــ بيكو ووعد بلفور». ثمّ قدّم سليمان بختي المُحاضِر، ذاكراً كتبه وترجماته التي يدور العديد منها حول سعاده، وموضحاً أنّ بشارة جمع «بين تجربة أكاديمية والتزامية فكرية حضارية»، كما أكّد أنّه في كل مرة التقى فيها بشارة في بيروت، كان «يشغله البحث في قضية أو في مشروع كتاب أو في إستجلاء غوامض في القضايا الفكرية القومية. هذه القابلية والاستعداد الدائم للبحث لا مثيل لهما في بلادنا، واننا نحيي عادل بشارة على مساهمته وعلى إنجازاته في مجال الفكر القومي».
بعدها، قال بشارة إنّ ما دفعه للكتابة عن سعاده بالإنكليزية هو «تشويه صورة سعاده على نطاق واسع في الغرب وكثرة المفاهيم الخاطئة وغير الحقيقية المنتشرة عنه وعن أفكاره». وحدّد خمس صور للغرب عن سعاده. صورة تربطه بالفاشيّة «كزعامته والانضباط الحزبيّ والأشكال الخارجيّة كالعلم والتحيّة»، وهذه فشلت بسبب «عدم وجود أي دليل في المحفوظات النازية أو الفاشية عن تورط سعاده معها ولأن وجهات نظر سعاده بشأن العرق والعنصرية والقوميّة كانت على نقيض تام مع النازيّة»، والصورة الثانية الخاطئة أنه «مفكر قومي يميني متطرف وصاحب برنامج وطني توسعي»، استنادا إلى مشروع سوريا الكبرى للملك عبدالله، والثالثة أنّه معاد للعرب، وغالباً ما مرّ مفهوم سعاده عن «الجبهة العربية»، من دون أن يلاحظه أحد. أما الرابعة فهي أنّه متعامل مع البلدان المختلفة، فالحلفاء اتهموه بالتعامل مع دول المحور وهذه اتهمته بتلك، من دون أي دليل موثّق، والخامسة أنّه «معاد للسامية». و«هذا التصوير هو عبارة عن تحريف خطير جدا لأنه احبط العديد من العلماء من التأمل في أفكاره أو من دراسته بشكل أكثر عمقا». ثمّ حدّد بشارة ثلاثة أسباب لطغيان هذا الانطباع السلبيّ في الغرب، مشيراً إلى أنّ السبب الأوّل هو «غياب أي من كتابات سعاده الرئيسية في التواجد باللغات الأجنبيّة»، ممّا أفسد على المفكرين الغربيين إمكانيّة «دراسة سعاده أو تحديد صحة الآراء والتصورات القائمة بشأنه». والثاني هو أنّ «لسنوات عديدة بالكاد اعترض أي شخص على هذه الصور، حتى أنصار سعادة الموالين له، الذين أصبحوا مفكرين غربيين بحد ذاتهم ظلوا غير مبالين، وفضلوا عدم الرد ممّا ساعد على تعزيز الصور النمطية الموضوعة عنه». والسبب الثالث هو «ندرة الدراسات الأكاديمية عن سعاده، على الأقل حتى وقت قريب». وتابع بشارة قائلة إنّه بسبب بدء حركة الترجمة وتوفّر كتب جديدة وأكثر تفصيلا عن سعاده، باللغة الإنكليزية، «فإنّ بعض المفكرين تحدثوا عن حياة سعاده كناشط سياسي، وعن روح التفاؤل الثوري لديه وعداءه الذي لا هوادة فيه ضدّ الطائفية والتعصب والسياسات التقليدية. وهناك من أعطاه حقه في تأسيس أوّل حزب سياسي ذي بعد ايديولوجي في الشرق، واعتبره مناهضاً حقيقياً للاستعمار والاستغلال السياسي المحلي». ثمّ كان حوار بين الحاضرين.