الرباط | تصل أُم (1978) إلى بيروت لتنقل خلاصة تجربة فنية يمكن تسميتها بكل بساطة «العودة إلى الجذور». المغنية المغربية المعروفة التي تركت الهندسة المعمارية وانجذبت إلى الموسيقى البديلة، عاشت حياة موزعة بين الدار البيضاء ومراكش والرباط وباريس، وجربت أشكالاً غنائية موسيقية متنوعة، إلى أن استقرّت فور عودتها من فرنسا عام 2004 على اللون الغنائي الذي كانت تبحث عنه، إذ استوحت فنها من الثقافة الجنوبية، مستثمرة بذلك موسيقى الصحراء بلاد أجدادها، فأصولها تعود إلى منطقة شنقيط الصحراوية.
تشكل الإيقاعات الإفريقية قاعدة أساسية في تجربة أُم، مع مسحة من التحديث تتقاطع فيها الألوان الموسيقية الأميركية التي كانت تعبر عن الفئات المهمشة من الشعب، وعن النداءات الروحية، خصوصاً موسيقى «السول» التي ظهرت في الخمسينيات بين الأميركيين ذوي الأصول الإفريقية، والتي يلتقي فيها البلوز مع الأغاني الكنسية والإيقاعية. وقد كان التأثر بالسول الأميركي واضحاً في ألبومها «ليكُم» (2009)، لكنها ستسعى مع تعاقب السنوات واختمار التجربة لأن تمنح هذا الفن نكهة مغربية حيث ستصدر ألبومها Soul of Morocco سنة 2013. في عامها الرابع عشر، وصل أحد المنشغلين بالموسيقى إلى مراكش، وكان أميركياً من أصل جمايكي. انتبه إلى صوت طفلة اسمها أم الغيث بن الصحراوي (سيصير لاحقاً اسمها الفني أُم) كانت معجبة كبيرة بويتني هيوستن وأريتا فرانكلي، ودعاها إلى المشاركة في فرقة غنائية كانت تؤدي «الغوسبل». أتاحت الأغاني الدينية المسيحية لها أن تجرب صوتها في مساحات شاسعة، وتركز على المهارات الصوتية أكثر من تركيزها على الموسيقى. في الآن ذاته، كانت مولعة بترديد أغاني أم كلثوم وفيروز. انجذاب أُم إلى الثقافة الإفريقية ليس مردّه فقط التواجد الجغرافي للمغرب على رأس القارة السمراء، أو الأصول الصحراوية لهذه الفنانة، بل هناك عامل آخر أيضاً، فمربيتها كانت سيدة من جنوب إفريقيا. وهذا العامل سينعكس على ذوق الطفلة الفني والثقافي. تحاول أُم في حضورها على الخشبة أن تشير إلى مسألة الهوية المغربية، فهي ترتدي في الغالب عمامة الصحراويين، وفي الآن ذاته تتزين بالحلي الأمازيغية الفضية، مؤكدة بذلك على البعدين الإفريقي والأمازيغي في تركيبة المجتمع المغربي.
مسألة الهوية حاضرة في مختلف أغانيها، لكنها ليست تلك الهوية الضيقة التي تحدّها اعتبارات إثنية ودينية ولغوية. إنها هوية تنتصر للقيم السامية التي تجعل الإنسان متشبثاً بإنسانيته، فهي بقدر ما تؤكد على انتمائها الإفريقي، بقدر ما تنفتح على أشكال التقاطع مع الانتماءات الأخرى. لقد بدأت مسارها الفني كفتاة مسلمة بترديد الأغاني المسيحية، ثم تعتمد اللغتين العربية والإنكليزية وأحياناً الإسبانية في تركيبة كلمات أغانيها، وقد يكون انحيازها لموسيقى الصحراء رمزاً للامتداد والشساعة.
في هذا السياق، تغنت بالحرية وبالإنسان، وقدمت أغنية تنتقد العولمة ألفتها مع والدها، كما أدّت مع «الرابر» الأميركي من أصول غانية بليتز ذي أمبسادور أغنية «حارقين» عن المهاجرين الأفارقة الذين يركبون قوارب الموت عابرين البحر الأبيض المتوسط باتجاه أوروبا. و«حارقين» تعني في الدارجة المغربية أولئك المهاجرين السريين الذين يغامرون بحياتهم ويعبرون البحر بشكل سري وبدون وثيقة تثبت هويتهم. كما كان البعد الروحي حاضراً في أعمالها، تجسد في أغنيات مثل «الدايم الله»، «الحمد لله».
في ألبوم «زرابي» (2015)، لجأت إلى منطقة محاميد الغزلان في الصحراء المغربية وسجلت الأغاني بدون مؤثرات صوتية وبأقل ميكساج ممكن. اختارت وضع الميكروفونات مباشرة على الكثبان الرملية وتسجيل الأصوات والإيقاعات. عموماً، هي تسعى للاقتصاد في الآلات الموسيقية، والتركيز على ما سينقل المستمع إلى الحالة الروحية: العود، الترومبيت، الكونترباص والإيقاع. وهذه التجربة كانت امتداداً لألبوم «سويرتي- حظ» (2012) الذي تفادت فيه التأثير الالكتروني على أصوات الآلات حيث عملت على تسجيل أصواتها الأصلية.
في حواراتها الصحافية سواء مع وسائل الإعلام في العالم العربي أو أوروبا، تبدو المرجعية الثقافية عند أُم واضحة. هي من الفنانات القليلات اللواتي يؤطرن عملهن بوعي معرفي، ويملكن بالتالي القدرة على الحديث عن فلسفتهن وتصورهن للفن الذي يمارسنه.

* حفلة أُم: س:21:00 مساء غد الأحد ــ «ميوزكهول» ـ libanjazz.com