القاهرة | رغم أن تيمة «قهر المرأة» مطروقة باستمرار إبداعياً، إلا أنّ الحيوية واللياقة الفنية والجسدية للممثلة ريم حجاب، بطلة مونودراما «بارانويا»، منحت العرض الذي قدِّم أخيراً على خشبة «مسرح الهناجر» في دار الأوبرا المصرية، جدةً وطزاجة، رغم تفاوت المشاعر والانفعالات طوال مدته. 60 دقيقة تقريباً ملأت فيها ريم فراغ المسرح، قابضة بمهارة ووعي على الحالات المختلفة لشخصية تعاني من وسواس الارتياب بالآخرين.
هي حصيلة تراكمات من التجارب التي فقدت فيها جدار الأمان الحامي بدءاً من فقدان الجدة الأحب إليها، ورعب تركها وحيدة، وهي ابنة 4 سنوات، مع جسد الراحلة، ليتداخل الشعوران الحب والرعب، وصولاً إلى قسوة أول تجربة تحرش بها من خالها الذي اعتبرته صديقاً وكشفت له أسرار خفقان قلبها، ببراءة، لصديق المراهقة.
أداء ريم حلّق مع رؤية إخراجية للمخضرم محسن حلمي الذي ساعدها في الإمساك ب/ وتفكيك مفاتيح شخصية بطلة النص الذي كتبته رشا فلتس في أولى تجاربها لخشبة المسرح. عكس حلمي العالم الداخلي لبطلته في صورة المشهد المسرحي، مقسماً فراغ الخشبة على مستويين: الأول مواجه للجمهور، عالم الشخصية الحميم، مركزه أريكة حمراء ومقعد مجاور لها. وفي مواجهتهما كرسي تقليدي فوقه ملابس واكسسوارات في حالة فوضي، كأنها تجلس علي الكرسي لتواجه المرأة، وتتابع تداعي أفكارها.
المستوى الأعلى، شاشتان شفافتان تغطيان جانبي المسرح، وفي كل منهما تصميمان لكيانين غريبي الشكل، لدميتين تتحركان آلياً بحركة غرائبية، مثيرة للخوف والهيبة، تمثلان الصوت العلوي للسلطة، بتنوعاتها، في عقل بطلتنا. وبين الشاشتين ممر طويل صاعد الى عمق المسرح، تتحرك فيه البطلة، ويعكس توترها وعدم استقرارها وتأرجحها بين الافكار والهواجس. ديكور مميز صممه محمد العبد، دعمته اضاءة ابوبكر الشريف، التي ساعدت في ابراز مناطق القوة والضعف في عالم الشخصية المضطرب وكوابيسها. وتفصل بين المشاهد موسيقى عمرو سليم الرتيبة وغير المتجانسة مع الحالة الكابوسية والاضطراب النفسي.
يتصاعد البناء الدرامي لرحلة الشخصية في التعبير عن نفسها والمواقف المفصلية والتجارب المؤلمة في عالمها. تبدأ مرتدية طبقات من الملابس فوق بعضها بعضاً، وأخرى فوق كتفيها، كأنها أعباء تثقلها، تتحرر منها، تدريجاً مع رحلة تكشف الذات والبوح بالآلام.
هكذا تتواجه انفعالات المرأة، وتتداعى تجارب الإيذاء الجسدي والنفسي التي أوصلتها إلى التماهي مع جلاديها، لنرى مشهداً لجلد الذات، فعلياً، وهي تصرخ: «مرفوضة، مرفوضة، الجميع يرفضونك من ساسك لراسك، مرفوضة»، حتى تصل إلى التمرد: «كل واحد عايز ياخد حتة مني. يتكلمون في رأسي.. يحاولون تشويهي»، ناهرة الصوت: «اخرج من داخلي، اخرج من حياتي». الأداء المبهر لريم، والرؤية الإخراجية، خفّفا من أثر ارتباكات النص الذي كان معظمه بالعربية الفصحى، وعابته استطرادات مطولة وتكرار لمعان تلاحق مريضة نفسياً.