تنتمي رواية جورج يرق (1958) «حارس الموتى» (منشورات ضفاف) لتلك النوعية من الروايات ذات المشهدية العالية باهتمامها بالتفاصيل. عين يرق ترصد، وتحلل، وتشخص تلك السنوات التي عاشها لبنان غداة الحرب الأهلية في السبعينيات٬ والفترة التي عاشها بطل الرواية «عابر ليطاني» هائماً على وجهه في البراري إلى أن يصل إلى بيروت. تفتح المدينة ذراعيها له٬ في حين كان قاطنوها يفرون منها على خلفية الاشتباكات المسلحة. تستقبله بيروت، لكن كحارس للموتى حيث يهيئهم لرحلتهم الأخيرة في كامل بهائهم٬ ينظف جراحهم٬ يزيل التقيحات والقروح والجروح التي أصابتهم. تستدعي الرواية أجواء الحرب الأهلية بكل تفاصيلها. يرصد يرق الأحداث كما رآها، وعاش أهوالها وكوابيسها٬ وبوجهة نظر حيادية موضوعية تمقت العنف وحمل السلاح والتعصب والقتل على الهوية والمذابح الوحشية المتبادلة بين الطوائف المتناحرة. إنها أشبه بصورة سينمائية نتابعها عبر فصول الرواية. نرى القذائف، والمدنيين يهرولون داخل الملاجئ، والكر والفر بين المتقاتلين وراء الحواجز والمتاريس.
تنقسم الرواية إلى جزءين. في الأول، نرى عابر ليطاني يمارس حياته العادية في قريته البسيطة٬ إلا أن الجريمة التي تورط فيها بدون علمه تدفعه للهروب إلى بيروت. وفي الجزء الثاني، نرى كيف تدفع حاجة عابر للمأوى إلى التورط من جديد رغم أنفه في نشاط ميليشاوي مسلح، ويلجأ إلى إحدى الثكنات. وهناك نكتشف حقيقة تلك الميليشيات٬ واتخاذها من الحرب ستاراً لممارسات إجرامية أولها الاغتصاب، والسلب، مروراً بالقتل، وقنص المدنيين الأبرياء. لا يقوى عابر على القتل، فيهرب للعمل كعامل مشرحة في المستشفى. يفضل رفقة الموتى، لكن حتى في المستشفى، لن يخلو الأمر من فساد وجرائم تشيعها الحروب في النفس البشرية.
«حارس الموتى» ـ منشورات ضفاف