كشفت صحيفة الغارديان البريطانية أن العدو الإسرائيلي شنّ حملة سرّية ضد المحكمة الجنائية الدولية لمنعها من ملاحقته استمرت نحو عقد من الزمن. وبحسب ما ورد في تقرير موسع نشر هذا الأسبوع، تحدثت الغارديان، من خلال مقابلات مع أكثر من عشرين ضابط مخابرات إسرائيلي ومسؤولين حكوميين وشخصيات بارزة في المحكمة الجنائية الدولية ودبلوماسيين ومحامين، عن تفاصيل حملة شنتها «إسرائيل» لإحباط تحقيق المحكمة الجنائية الدولية.وتضمنت الحملة استخدام وكالات الاستخبارات «للمراقبة والاختراق والضغط وتشويه سمعة كبار موظفي المحكمة الجنائية الدولية وتهديدهم في محاولة لعرقلة التحقيقات». وتنصّتت المخابرات الإسرائيلية على اتصالات عدد من مسؤولي المحكمة، بما في ذلك المدعي العام الحالي كريم خان وسلفه فاتو بنسودا، وحصلت على معلومات من مكالمات هاتفية ورسائل بريد إلكتروني ورسائل نصية. وذكر التقرير أن «المراقبة كانت مستمرة خلال الفترة الأخيرة، وسمح ذلك لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بمعرفة مسبقة بنوايا المدعي العام». وأشار أحد الاتصالات التي تم اعتراضها إلى أن خان أراد إصدار أوامر اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين لكنه واجه «ضغوطًا هائلة من الولايات المتحدة». وذكرت الصحيفة البريطانية أن «بنسودا، التي افتتحت بصفتها المدعي العام تحقيق المحكمة الجنائية الدولية عام 2021، تعرضت أيضًا للتجسس والتهديد».
ووفقا للتقرير، تابع نتنياهو عن كثب هذه العمليات الاستخباراتية ضد المحكمة الجنائية الدولية. وكشفت الغارديان أن «العملية السرية» ضد بنسودا أدارها شخصيًا حليف نتنياهو ومدير الموساد يوسي كوهين الذي طلب مساعدة رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية جوزيف كابيلا للضغط على بنسودا.
المتحدث باسم المحكمة الجنائية الدولية أكد وجود «أنشطة استباقية لجمع المعلومات الاستخبارية يقوم بها عدد من الوكالات المعادية للمحكمة». ووفقاً لصحيفة الغارديان، نفى متحدث باسم مكتب نتنياهو ذلك قائلاً: «الأسئلة المقدمة إلينا مليئة بالعديد من الادعاءات الكاذبة التي لا أساس لها من الصحة والتي تهدف إلى إيذاء دولة إسرائيل».
في كانون الثاني 2015، بعد انضمام فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية عقب اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بها كدولة، قال مسؤولون إسرائيليون إن ذلك يمثل شكلا من أشكال «الإرهاب الدبلوماسي». لكن ذلك لم يمنع بنسودا من فتح تحقيق أولي عن «الوضع في فلسطين». وبالتالي تحرّكت الاستخبارات الإسرائيلية على ما يبدو لترهيبها حيث ذكرت الغارديان ان في شباط 2015 «حضر رجلان الى منزلها بعدما تمكنا من الحصول على عنوانها الخاص في لاهاي». أراد الرجلان تسليم بنسودا مغلّفاً يحتوي على مبلغ من المال لم تتمكن من تحديد هويتهما. ووفقا لمصادر الغارديان، فإن المخابرات الإسرائيلية «كانت تتجسس بشكل روتيني على المكالمات الهاتفية التي أجرتها بنسودا وموظفوها مع الفلسطينيين».
مع ذلك، في كانون الأول 2019، اختتمت بنسودا تحقيقاتها الأولية، ووجدت «أساسا معقولا» للاعتقاد بأن «إسرائيل» والجماعات المسلحة الفلسطينية «ارتكبت جرائم حرب». وطلبت الحصول على قرار من قضاة المحكمة الجنائية الدولية بشأن اختصاص المحكمة على الأراضي الفلسطينية، استعدادًا لبدء تحقيق جنائي كامل. وبين أواخر 2019 وأوائل 2021، خلال بحث الدائرة التمهيدية في المسائل القضائية، كثف مدير الموساد، يوسي كوهين، جهوده لإقناع بنسودا بعدم المضي قدما في التحقيق. وبموازاة ذلك، اطلق الموساد على ما يبدو حملة تشهير شملت عائلة بنسودا. وتم توزيع المواد التي حصل عليها الموساد بين الدبلوماسيين لتشويه سمعتها، لكن هذا الجهد لم يلق سوى القليل من الاهتمام.
وفي آذار 2020، التقى وفد إسرائيلي بمسؤولين أميركيين لتنسيق«النضال الإسرائيلي الأميركي المشترك» ضد المحكمة الجنائية الدولية. وفرضت حينها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عقوبات على بنسودا. لكن رغم الضغوط، أعلنت بنسودا إجراء تحقيق كامل في قضية فلسطين في آذار 2021، قبل وقت قصير من انتهاء ولايتها.
نقلت الغارديان عن مصدر استخباراتي قوله إن موضوع المحكمة الجنائية الدولية «تسلق سلم أولويات المخابرات الإسرائيلية»


«عندما تولى كريم خان منصبه في حزيران 2021 (خلفاً لبنسودا)، تنافست تحقيقات أخرى (...) لجذب انتباهه». لكن يوم 7 تشرين الأول 2023 غيّر الوضع. زار خان معبر رفح والضفة الغربية المحتلة وجنوب فلسطين المحتلة، وأصدر بيانات تحذر «إسرائيل» من الأعمال العسكرية. وفي شباط 2024، أعلن خان أنه يسعى للحصول على أوامر اعتقال بحق نتنياهو و(وزير دفاع العدو) يواف غالانت إلى جانب ثلاثة من قادة حماس بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وكشفت الغارديان أن «المخاوف في إسرائيل بشأن نوايا خان تصاعدت الشهر الماضي عندما أطلعت الحكومة ووسائل الإعلام على أنها تعتقد أن المدعي العام يفكر في إصدار أوامر اعتقال ضد نتنياهو ومسؤولين كبار آخرين مثل غالانت».
ونقل عن مصدر استخباراتي قوله «إن موضوع المحكمة الجنائية الدولية تسلق سلم أولويات المخابرات الإسرائيلية».
و«من خلال الاتصالات التي تم اعتراضها، أثبتت إسرائيل أن خان كان يفكر في مرحلة ما في دخول غزة عبر مصر ويريد مساعدة عاجلة للقيام بذلك دون إذن إسرائيل». وبحسب ما ورد، كان خان «تحت ضغط هائل من الولايات المتحدة».
ووفقاً للتقرير، فإن المحكمة الجنائية الدولية «عززت أمنها من خلال عمليات تفتيش منتظمة لمكاتب المدعي العام، وعمليات فحص أمني للأجهزة، ومناطق خالية من الهواتف، وتقييمات أسبوعية للتهديدات، وإدخال معدات متخصصة».
وخلص التقرير إلى أن «متحدثًا باسم المحكمة الجنائية الدولية قال إن مكتب خان تعرض لعدة أشكال من التهديدات والاتصالات التي يمكن اعتبارها محاولات للتأثير بشكل غير مبرر على أنشطته».
(القوس)