بعض المدارس تخشى انخراط التلاميذ في نقاشات في ظل الواقع السياسي والمناطقي والطائفي
الأهل، من جهتهم، وهم مصدر الثقة الأساسي لأطفالهم، تتفاوت طريقة تعاطيهم مع أبنائهم. منهم من يبدو مقتنعاً بأنه يستطيع إبعاد أطفاله عن أجواء الحرب الدائرة هناك والخشية من الحرب هنا، عبر الاكتفاء بالعموميات، مثل أن الفلسطينيين يدافعون عن أرضهم التي يحتلها الإسرائيليون، ويتهرّبون من الإجابة عن الأسئلة التفصيلية. تحرص إحدى الأمهات على ألا تكون ابنتاها، وهما في السادسة والسابعة، موجودتين أثناء النقاشات السياسية في المنزل، وتمنعهما من مشاهدة التلفزيون واستخدام الهاتف. وتقرّ بأن «المهمة صعبة، خصوصاً أنهما تسمعان عما يجري من رفاقهما في المدرسة، ولكن أحاول أن أسيطر على الوضع حماية لأطفالي». في المقابل، لا يمانع آخرون أن يشاهد أبناؤهم، خصوصاً في عمر المراهقة، صور المجازر «ليعوا وحشية العدو»، بحسب أحد الآباء، مشيراً إلى «أنني أحرص أمامهم على تسمية الأمور بأسمائها من مثل أن صراعنا مع الصهاينة وجودي، وشرح الخلفيات التاريخية لما يجري لهم».
الخبيرة الدولية في حماية الطفل، زينة علوش، تقول إن «ما يحصل في غزة هو سابقة على المستوى الإنساني العالمي، والأطفال حكماً مستهدفون لأنهم أمل التغيير». وتشير إلى أن هناك مبادئ أساسية للتعاطي مع الأطفال المعرّضين للعنف غير المباشر كما في لبنان، مثل الخوف والقلق على المصير المترافق مع قلق الأهل على حمايتهم. ومن هذه المبادئ أن يسعى الأهل إلى «حماية الأطفال من التعرّض المباشر لمشاهد العنف والقتل المجاني وصور الأطفال المشوّهين والمرتعبين والخائفين». والمبدأ الثاني هو «فتح حوار ونقاش وتخصيص وقت إفساحاً في المجال للأطفال لطرح أسئلتهم ومخاوفهم حتى لو كانت تتعارض مع قناعات الأهل الأيديولوجية، وتفكيك الصور التي يرونها». بمعنى آخر «أن لا يكون الحوار فرصة لغسل دماغ أيديولوجي من الكبار ضد أشخاص وهويات وجنسيات، وأن يكون حول قيمة الفعل وإدانته وسؤال الأطفال: هل القتل قيمة وهل التنكيل بالأطفال قيمة، وهل الاعتداء على ممتلكات ليست لنا هو قيمة أيضاً؟ ونكون بذلك قد فتحنا المجال للتفكير النقدي للولد». لكن هل معنى ذلك أن نغيّب الفاعل الحقيقي وأن لا نقول للطفل إن إسرائيل عدو؟ تجيب علوش: «طبعاً يجب أن نقول لهم إن إسرائيل عدو، ولكن يجب التركيز على إدانة فعل القتل والاحتلال وأخذ شيء ليس من حقهم». وتدعو علوش إلى «عقلنة ما يحدث وربطه بيوميات الطفل كتأكيد الأهل والمسؤولين عن رعاية الطفل أنهم موجودون إلى جانبه للاعتناء به، والتركيز على اللحمة والاتحاد العائليَّيْن اللذيْن يستطيعان أن يحميا الأطفال من الأيام الصعبة المقبلة، والأهم عدم قتل الأمل لديهم».