تتحدث مؤسِسَة «الحملة الوطنية لإلغاء عقوبة الإعدام في لبنان» الدكتورة أوغاريت يونان لـ«القوس» عن مدى أهمية الحملة لتشكيل وعي اجتماعي لمناهضة الإعدام. «تأسست الحملة عام 1997، ومنذ ذلك الحين نحن ماضون لإلغاء عقوبة الإعدام والاستمرار في العمل ضمن نشاطات تضمّ كل أفراد المجتمع من قضاة ومحامين وطلاب جامعات وحقوقيين وحتى نوّاب. ولو ألغيت العقوبة، لا ينتهي دورنا هنا. فما هي الضمانات ألا يُعاد تشريع الإعدام؟ لذلك من واجبنا العمل للحفاظ على هذا الوعي ونشره على نطاق واسع ولأجيال متعددة». وتضيف أن للحملة إنجازات عديدة. أولها إلغاء القانون الرقم 94/302 الذي عُرف بـ«قانون القاتل»، ثم الضغط لتجميد تنفيذ أحكام الإعدام عام 2004، والتصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح قرار «وقف تنفيذ الإعدام» عام 2020، بفضل جهود مؤسّسي الحملة وشركاء عالميّين.تقدم الحملة الوطنية، وفق يونان، مساعدات قانونية لدراسات ملفات محكومين أو متهمين بعقوبة الإعدام لتخفيض العقوبة أمام لجنة تنفيذ العقوبات أو للدفاع عن متهم وعدم إنزال الإعدام بحقه.



العدالة ضربة حظ
عرض ممثّل الهيئة اللبنانية للحقوق المدنية، المحامي رفيق زخريا، أثناء الندوة حالتين أنزلت فيهما عقوبة الإعدام بحق متهمّين. وسأل: «هل هناك حكم مبرم لا تشوبه شائبة؟».
الملف الأول لشخص يحمل الجنسية البنغلادشية. ألقي القبض عليه في 16/08/1997 بتهمة قتل زميله البنغلادشي عبر كسر عنقه وتحطيم أضلاعه وكسر ساقه وفق ما جاء في تقرير الطبيب الشرعي. وفي 18/12/1998 قضت محكمة الجنايات بتجريم المشتبه فيه وإنزال عقوبة الإعدام بحقه نتيجة محاكمة لم يعترف خلالها بارتكاب الجريمة. تقدّم المحكوم عليه بطلب نقض، قوبِل شكلاً وأساساً بتاريخ 26/06/2006 أي بعد ثماني سنوات من صدور الحكم. وبعد إعادة استجوابه بحضور مترجم مكلّف من قنصلية بلاده، ختمت المحاكمة بتاريخ 12/02/2009. لكن محكمة التمييز قررت إعادة فتح القضية في 30/04/2009 وأعادت استجواب المتهم بحضور مترجم مكلّف من القنصلية أيضاً، وقد أصرّ كما كل مرة على براءته. واستمعت المحكمة إلى الطبيب الشرعي الذي أكد أن الضرر الذي لحق بالمجني عليه في النخاع الشوكي ناتج عن خلع رقبة الضحية باليد. أما الأضرار اللاحقة في الصدر فسببها تعرض الضحية للضرب بآلة حادة. في جلسة، بتاريخ 02/02/2012، قال المتهم إنه أصيب منذ 20 سنة بالشلل في جانبه الأيسر أدى إلى شلل كامل في يده، وبعد تعيين طبيب للتأكد من حالته، جزم الطبيب أن السجين يعاني شللاً في الطرف الأيسر الأعلى منذ زمن طويل لا يسمح له باستعمال يده لأي عمل كان، كارتداء ثيابه مثلاً أو حمل أشياء ثقيلة أو لخنق أحدهم بالقوة.
في 18/04/2013 صدر قرار محكمة التمييز وورد فيه حرفياً: «إن المحكمة وسنداً للوقائع المعروضة والثابتة من قبلها مقتنعة أن المتهم هو من قام بقتل المغدور عمداً وترى المحكمة عدم التوقف عند ما جاء في تقرير الطبيب عن حالة المتهم، لأن ظروف القضية كانت تدل أن المتهم خلع رقبة المغدور بيد واحدة، خاصةً أنه أجاب أمام محكمة الجنايات بأن عمله في لبنان كان في خياطة الألبسة. وهو أصلاً خلال المحاكمة لم يذكر أنه يعاني من شلل». وقضت المحكمة بتجريمه والحكم عليه بالإعدام وخفض العقوبة تقديرياً لمدة 20 سنة وترحيله من الأراضي اللبنانية.

يتساءل زخريا، هل كان المتهم مدركاً للأسئلة التي توجّه إليه في كل مراحل التحقيق؟ وهل أمّنت المحكمة له مترجماً في كل مراحل الدعوى والتحقيق؟ وهل كان هذا المترجم يتقن اللهجة ذاتها، خصوصاً أنه تبيّن لاحقاً أن المترجم الذي حضر التحقيق لم يكن يتقن اللغة التي يتقنها المتهم لوجود لهجات بنغلادشية عدة. وهل يمكن الأخذ بعدم ذكر المتهم لشلله أثناء المحاكمة؟ وكيف يمكن للمتهم أن يعي ضرورة ذكر حالته الجسدية أثناء المحاكمة؟ يجيب زخريا أن من الواضح استشعار محكمة التمييز بالتناقضات في الوقائع. فهي أولاً قبلت النقض شكلاً وأساساً ونقضت الحكم المطعون فيه، وقررت النظر في الدعوى وفق الأصول ولم تعده لمحكمة الجنايات، وافتتحت مجدداً المحكمة لاستكمال قناعتها. وفي الوقت نفسه هل من المقبول أن تبني المحكمة قناعتها رغم تأكيد الطبيب وجزمه أنه لا يستطيع إتمام فعل الخنق فيما الضحية مات بكسر في الرقبة؟ في النهاية، قضت محكمة التمييز بالاكتفاء بالمدة التي قضاها المحكوم عليه في السجن وأخرج بسبب وضعه الصحي ورُحّل إلى بلده.
الملف الثاني يدور حول قضية طبرجا حيث كان آخر تنفيذ علني لعقوبة الإعدام. عام 1995، وأثناء عملية سرقة، فوجئ المجرمون المسلحون بعودة أصحاب المنزل الواقع في طبرجا، فأطلق أحدهم ثلاث رصاصات أدت إلى قتل المجني عليه وشقيقته. لم يستطع المتهمان توكيل محام، فبادرت نقابة المحامين إلى تعيين محام للدفاع عن كل منهما عبر لجنة المعونة القضائية. في 03/11/1997 صدر عن محكمة الجنايات حكم قضى بإعدام المتهمين، فتقدم المحامي بطلب نقض، لكنه رُدّ لأنه كان موجهاً ضد المدعيين الشخصيين وليس ضد الحق العام. فصدر القرار التمييزي بتاريخ 17/02/1998، ثم صدر مرسوم التنفيذ لقرار الإعدام وتحدد في فجر 19/05/1998 في ساحة طبرجا أمام الرأي العام. ووُثّق الإعدام.
توجه زخريا للحديث مع القاضي الذي كان ممثل المحكمة أثناء تنفيذ مرسوم الإعدام والمستشار في محكمة جنايات بعبدا التي حكمت، قبل الانضمام إليها، بعقوبة الإعدام بحق المتهمين. فأخبره القاضي أن أحد المحكوم عليهما توفي قبل تعليق حبل المشنقة حول عنقه، من شدة الخوف ربما. لكن المسؤول الأمني الذي كان موجوداً وقتذاك أصرّ على تعليقه ولم يأخذ برأي القاضي المشرف. يضيف زخريا أن الوضع السياسي في ذلك الوقت فرض إعدام المتهمين، «ما دام المجني عليهم من طائفة معيّنة وقُتلوا على يد أشخاص من طائفة أخرى، فيفترض أن يموت مقابلهما نفس العدد ليكتمل التوازن الطائفي». علماً أن مُطلق النار أثناء عملية السرقة كان أحد المحكوم عليهما وليس الاثنين، أي من مسدس واحد، وبالتالي «القاتل هو شخص واحد فقط». رغم ذلك، طبّقت محكمة الجنايات القانون الرقم 302/94 على المتهمين. ولفت زخريا إلى عدم خبرة الوكيلين القانونيين اللذين مثّلا المتهمين، لأن عملهما أدى إلى تسريع إجراء الإعدام وليس إلى محاولة إنقاذ المتهمين. فالخطأ الجوهري بتقديم النقض في وجه المدعي الشخصي دون الحق العام أدى إلى ردّ التنفيذ.

لجنة تخفيض العقوبات ليست إعادة محاكمة
تحدثت رئيسة لجنة تنفيذ العقوبات في محافظات البقاع وبيروت ولبنان الجنوبي، القاضية ماري ليّوس، لـ«القوس» عن وجود 38 سجيناً محكومين بالإعدام تقدّموا بطلبات لتخفيض العقوبة، واستفاد منهم اثنان أطلق سراح أحدهما.
وتوضح ليّوس أن طريقة مقاربة المحامين للجنة تنفيذ العقوبات خاطئة. فالتركيز يفترض أن يكون على سلوك السجين ونشاطاته في السجن وإمكانية إعادة اندماجه في المجتمع. والشرط الأساسي هو التأكد من أن المجرم الذي سيستفيد من تخفيض العقوبة لن يشكل خطراً على المجتمع.
ليّوس: نحن في لجنة تنفيذ العقوبات لا نعيد محاكمة السجين


تقول ليّوس إن لجنة تنفيذ العقوبات ليست محكمة «الحكم مبرم ونحن لا نعيد النظر بالحكم أو إعادة المحاكمة، نحن لسنا بمرجع للطعن بالحكم». وتضيف أن اللجنة لا تنظر في أي ملف إلا للتأكد من أن الجرم كان مستثنى من تخفيض العقوبة، وتنظر في الظروف التي ارتكبت أثناءها الجريمة للتأكد من مدى خطورة المحكوم عليه في حال قررت اللجنة إخراجه من السجن.
كما أشارت ليّوس أثناء الندوة إلى جهل كثيرين بوجود اللجنة، ولفتت إلى أن «مشكلة السجون معروفة ولا يمكن أن تلام اللجنة على المساهمة بالاكتظاظ، دورنا محدد ونحن نطبّق القانون». وتناولت التعديل الذي أُدخل عام 2011 لكي تشمل لجنة التنفيذ عقوبة الإعدام. لكن وُضعت شروط تعجيزية، من ضمنها البقاء لمدة 30 سنة داخل السجن مع حسن سلوك، ومع إسقاط الحق الشخصي. تثير تلك الشروط تساؤلات عدة بحسب ليّوس: أليست 30 سنة مدة طويلة للاستفادة من تخفيض العقوبة؟ وكيف يمكن البحث عن المدعي الشخصي وتبليغه بعد مرور ثلاثة عقود على ارتكاب الجريمة؟ وهل من المنطق إعادة تذكير ذوي الضحية بجريمة القتل بعد كل تلك المدة الزمنية؟
وتخلص ليّوس إلى أن القانون بحاجة إلى تعديل، والجهد يفترض أن يكون على أكثر من صعيد ويترجم عبر تثقيف وتوعية القضاة عن دور لجنة تخفيض العقوبات، كي لا يقوم القاضي بإصدار حكم يقضي بسجن المتهم لمدة إضافية خوفاً من استفادته من قانون تخفيض العقوبات.