حظي أكثر من عشرة أشخاص من أبناء المخيمات الفلسطينية بفرصة الخروج من جحيم الحرب في السودان، والدخول إلى نعيم باخرة الإجلاء اللبنانية التي أبحرت من مدينة بورتسودان الواقعة على البحر الأحمر باتجاه السعودية، ومنها يعودون تباعاً بالطائرة إلى مطار بيروت. التهاني بسلامتهم لم تبدّد الخوف على عشرات الفلسطينيين الآخرين الذين لا يزالون عالقين في السودان. هؤلاء لا ينتظرون دورهم للصعود في باخرة أو طائرة، إنما ينتظرون وساطة عليا مع الدول المجاورة للسماح لهم بالعبور الآمن إليها بعدما مُنعوا من اللجوء إليها عبر الحدود... لأنهم يحوزون وثائق لبنانية. بعض الدول تشترط الحصول على موافقة أمنية مسبقة للسماح لحامليها بالدخول إليها، وهو التدبير المتّبع في أيام السّلم، لكنه بقي شرطاً قائماً أيضاً في زمن الحرب. الفلسطينيون الذين شملتهم عملية الإجلاء اللبنانية (معهم أربعة سوريين) يعتبرهم إخوانهم «من المحظيين من رجال الأعمال أو الموظفين لديهم، ممن يملكون علاقات نافذة جعلت السفارة اللبنانية في الخرطوم تدرجهم ضمن الكشوفات اللبنانية». لكن ماذا عمّن بقوا هناك؟في العراء عند معبر قساطل البري بين السودان ومصر، ينتظر عبد الله الخطيب الفرج. ابن عين الحلوة غادر قبل أقلّ من سنة للعمل في الخرطوم، هارباً من ضيق المخيمات والأزمة الاقتصادية اللبنانية. عندما اندلعت الحرب قبل أقلّ من أسبوعين، لم يكن الخطيب قد كوّن معرفة كافية بأفراد الجاليتين الفلسطينية واللبنانية «ربما لهذا السبب، لم أجد من يصطحبني معه من الخرطوم إلى الحدود مع مصر أو السعودية. لكن أصدقاء لي من جنسيات أخرى تعاطفوا معي ولم يتركوني بين النيران في الخرطوم. انتقلنا معاً باتجاه الحدود مع مصر عن طريق حلفا». يشير الخطيب إلى أنه تواصل بداية مع السفارة اللبنانية لتشمله بخطة الإجلاء «فرفض طلبي رغم أني لبناني المولد والنشأة. أحالوني إلى سفارة السلطة الفلسطينية التي لم تكن قد قرّرت إجلاء رعاياها بعد لدواع أمنية». عندما وصل الخطيب إلى معبر قساطل البري، رفض حرس الحدود المصرية عبوره لأنه يملك وثيقة لبنانية وليس جواز سفر صادراً عن السلطة على غرار فلسطينيّي قطاع غزة والضفة أو الأردن أو سوريا. ينتظر الخطيب إشارة من القنصلية المصرية في حلفا لبت مصيره ومنحه تأشيرة استثنائية للعبور. في الوقت نفسه، يجري اتصالات مع مسؤولين في الفصائل الفلسطينية لمساعدته.
الفلسطينيون العالقون ينتظرون وساطة مع الدول المجاورة لعبور الحدود


في المقلب الآخر على الحدود مع السعودية، اجتاز أحمد يوسف مع زوجته وابنه ذي الثلاث سنوات، 12 ساعة براً من الخرطوم للوصول إلى بورتسودان. مع عائلة أخرى من عين الحلوة، استقل الباص الذي وفرته السفارة الفلسطينية لرعاياها. يوسف وآخرون من فلسطينيي مخيمات لبنان، تواصلوا مع السفارة اللبنانية «ظناً منّا أننا من رعاياها، لكنها أبلغتنا بأن لا نية لديها بالإجلاء. فتواصلنا مع السفارة الفلسطينية. الأخيرة أبلغتنا أنها ستخصّص باصات لإجلاء الطلاب المتحدّرين من قطاع غزة عبر مصر. بذلنا جهوداً فردية للبحث عن باصات تقلّنا إلى بورتسودان. بعض الجهات اشترطت علينا أن ندفع مئات الدولارات لنتمكن من الصعود، وقد استقللنا الباص على نفقتنا الخاصة». يوسف تحدّث عن صوبة الصمود في الخرطوم في ظل الحرب «عدا عن الخطر، بدأت المواد الغذائية بالنفاد. وانقطعت خدمات الكهرباء والماء بشكل شبه دائم».
منع فلسطينيّي لبنان من دخول مصر والسعودية لحيازتهم وثائق لبنانية، وتخلّي السفارة اللبنانية عنهم، أثارا غضباً في المخيمات. رئيس الحركة المجاهدة في عين الحلوة جمال خطاب أصدر بياناً انتقد فيه السفارتين «لأنهما تخلّتا عن النساء والأطفال وكلّ ذنبهم أنهم فلسطينيون، والذنب الأكبر أنهم يحملون وثيقة وليس جواز السلطة».
وعلمت «الأخبار» من مصادر مطّلعة بأن «السفارة الفلسطينية في بيروت وعدداً من القوى الفلسطينية تجري اتصالات مع السفارتين الفلسطينيّتين في الرياض والخرطوم. واستثمر القيادي السابق في حركة فتح محمد دحلان علاقاته مع مصر والسعودية لتسهيل عبور فلسطينيي لبنان إليهما». وللغاية، طلبت السعودية ومصر كشوفات اسمية للراغبين بالدخول للتدقيق بها.