يدخل إضراب الثانويات الأسبوع الثالث عشر على التوالي، في ظلّ تهاوي رواتب الأساتذة، والتأجيلات المتكرّرة للوعود بربط بدلات النقل بليترات البنزين، والانكشاف الصحي التام للموظفين والأساتذة بسبب غياب التغطية الصحية لتعاونية الموظفين. حتى بات أجمل اللحظات التي يمكن أن ينتظرها الفرد عبئاً عليه، مثل المعلّمة التي تشكو من أن «عملية الولادة ستكلفني 2500 دولار، بينما راتبي على سنتين لا يصل إلى هذا المبلغ!». أمام هذا المشهد، لا تتوانى وزارة التربية وأجهزتها عن تحميل الأساتذة مسؤولية العام الدراسي، وهم الذين تخسر رواتبهم الثابتة بالليرة من قيمتها خلال وعند نهاية كلّ شهر، إذ تُصرف اليوم على سعر 60 ألف ليرة وفقاً لمنصة صيرفة، ما يعني خسارةً قدرها 24% عن الشهر الماضي فقط، و37% عن اليوم الأول من الإضراب عندما كان سعر الدولار على صيرفة حينها 38 ألف ليرة.
«رداً على الظلم، والسّياسة القائمة على كلمة سوف»، ينفّذ أساتذة «الثانوي» اليوم عند السّاعة 11 صباحاً تظاهرةً أمام وزارة التربية، «رفضاً لسياسة الوعود المعتمدة في وزارة التربية، التي تمعن في إفقار الأساتذة، وكأنّ المطلوب إما دفعهم نحو الاستقالة وترك الوظيفة العامة، أو تسيير العام الدراسي على حسابهم الشخصي». ويريد الأساتذة من تحرّكهم، بالإضافة إلى ما سبق، توجيه رسالة تحدٍّ للتهديدات الصادرة عن «أجهزة الوزارة البوليسية، التي تشيع أنّها ستستقدم متعاقدين بالسّاعة، ومتقاعدين، للتعليم بدل أساتذة الملاك الملتزمين بالإضراب وإعادة تسيير التعليم في الثانويات الرّسمية»، بحسب أحد المنظّمين.

التعليم بالحبّة
إلا أنّ الإشارة الأساسية التي يمكن فهمها من تحرّكات وتهديدات دارسي المناطق في وزارة التربية لإدارات الثانويات والأساتذة، هي «عدم الانتظام التام في العملية التعليمية، على الرّغم من إشاعة أخبار مفادها أنّ العملية التعليمية على خير ما يرام، ونسبة المضربين لا تتجاوز الـ10%»، بينما يدلّ مشهد الثانويات كافة على نجاح تحرّك الأساتذة خارج مظلة روابطهم، إذ لم يتمكّن سوى عدد قليل من الثانويات، «لا يتجاوز عدد الأصابع»، من فتح أبوابه بشكل شبه تام، فيما الثانويات الأخرى إمّا في إضراب تام، أو «تعليم فوضوي»، حيث توضع برامج لأستاذ أو اثنين، أو لا يحضر الطلاب أصلاً كون المواد التي تُدرّس «غير أساسية، كالرّسم والرياضة». في إحدى ثانويات جبل لبنان، تقوم مديرة بجمع عدد من الصفوف المختلفة، وتعلّم تلامذتها بنفسها إحدى المواد الأدبية، في مشهد تصفه أستاذة بـ«المسرحية»، وتسأل عن «مدى تحقّق الأهداف التعليميّة فعلاً»، مشيرةً إلى «أنّ الهدف الذي تبتغيه هو إقناع الوزارة أنّ الأمور تمام، وبدورها تريد الأخيرة إقناع الجهات المانحة بالأمر ذاته».
خسرت رواتب الأساتذة 24% من قيمتها خلال شهر آذار و37% منذ بداية 2023


الضغط والتطمين
«لن نحصل على شيء إلّا بالضغط»، يقول عضو لجنة الأساتذة المنتفضين صادق الحجيري، ويحسم بـ«استحالة العودة قبل إعادة الاعتبار إلى تقديمات تعاونية الموظفين، والوصول إلى راتب ثابت من دون مكرمات، وبالعملة الأجنبية لتأمين معيشة الأساتذة، وبدل نقل عادل يؤمّن الوصول إلى مراكز العمل»، وفي رسالة يوجهها إلى الأساتذة الثابتين على إضرابهم، يشدّد على «عدم إمكانية إقالة الأساتذة من وظيفتهم، فهم مثبتون بمراسيم جمهورية». وعن تحويل الحصص التعليمية إلى أساتذة متعاقدين، يجيب بأنّ «الأنصبة حق لأساتذة الملاك»، ويصف التهديدات بـ«الخزعبلات غير القانونية، فهناك أصلاً نقص في عدد الأساتذة الملاك والمتعاقدين، ولا يمكن لأحد تغطية حصص إضافية بشكل عام»، ويختم الحجيري بالتأكيد أنّ «زيادة الضغط والترهيب والترغيب تعني قرب الرضوخ لمطالب الأساتذة، فالأموال موجودة في الدولة اللبنانية، ولكنّها موزّعة بشكل سيّئ، بحسب أحد النواب الذين زارتهم اللجنة الذي طالب الأساتذة بالضغط للوصول إلى نتيجة».

الحقّ في الإضراب
«حماية الحق في الإضراب تأتي من الاتفاقات الدولية، والتي تبدأ في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وآخر معاهدة وقّعها لبنان وتحفظ الحق في الإضراب للموظف، هي الميثاق العربي لحقوق الإنسان عام 2008»، يقول منسّق اللجنة القانونية في المرصد الشعبي جاد طعمة. أمّا القانون اللبناني، فـ«يحظر الإضراب، ويعتبر الموظف مستقيلاً، ولكن أحكام المعاهدات تسمو على القوانين، وعند التعارض بين القانون
والمعاهدة تسري نصوص الأخيرة».
وعن قدرة وزارة التربية على احتجاز رواتب الأساتذة المضربين، يجيب طعمة: «لا يمكن للإدارة الاقتطاع من الرواتب في حال الإضراب، لأنّ المعاهدات كما أسلفنا تسمح به، ولكن عند مخالفة الموظف للقانون يُقتطع جزء من راتبه لا كلّه»، ويضيف: «الراتب لا يمكن احتجازه بالكامل، لأنّه يتضمن أساسيات العيش للإنسان، والصفر في الراتب غير متاح قانوناً». وفي حال التحرّك من خارج الغطاء النقابي، كما حال الأساتذة اليوم، يعيد طعمة شرح أهداف النقابات بـ«التنظيم والدفاع عن الجسم المهني، وفي حال التقاعس عن القيام بهذه الواجبات، لا يعني عدم تحرّك المهنيين، والتحرّك الشامل يُعدّ غطاءً».