من المستبعد أن يُبلّغ عن جرائم تحدث أثناء "الإغاثة" في حالة الكارثة الطبيعية بالحجم الذي تواجهه سوريا وتركيا في الوقت الحاضر. الجميع -الشرطة والجيش والمستشفيات والعاملون الصحيون ووسائل الإعلام وحتى السياسيين- في حالة تأهب قصوى ويركزون على الإنقاذ. كما أن الجميع منشغلون بجمع التبرعات المادية والعينية لتوزيعها على الأشخاص الذين تم إنقاذهم. تعرض وسائل الإعلام كل أنواع المشاهد التي تؤلم القلوب وتنتهك الخصوصية وتستبيح الأعراض. الكوارث هي أفضل الأوقات التي ينتهزها المجرمين، إذ من السهل عليهم الاندماج في الفوضى لارتكاب الجرائم، خاصة عندما يكون هناك الكثير من الأطفال والنساء المنكوبين. قد تفكر: هل يُعقل أن يكون الإنسان قاسياً لدرجة إقدامه على الاغتصاب أو الاختطاف أو القتل بعد زلزال مدمّر؟ في الحقيقة، يتربّص المجرمون هناك، في انتظار الوقت المناسب. لذلك، من المهم فهم هذه الظواهر في سبيل تطوير استراتيجيات فعّالة لمنع الأعمال المعادية للمجتمع عند وقوع الكوارث في المستقبل.


علمًا، أن تعزيز التعاون بين الأفراد يأتي في أعقاب الأحداث المدمّرة، مثل الزلازل أو الحرائق الكبيرة أو الأعاصير، بحيث يتّحد الناس إلى حد كبير ويبحثون عن طرق لدعم بعضهم البعض وحماية ما تبقى منهم وإعادة إحساسهم بالحياة الطبيعية. في المقابل، هناك بعض الاستثناءات، إذ يقدم بعض الأفراد في مناطق الكوارث على سلوكيات إجرامية كالنهب، والاعتداءات الجنسية، وأعمال العنف، والاحتيال.
لذلك، لا بد من التذكير بالقضايا الأخلاقية والسلوكيات المهنية التي تنطوي عليها الخدمات الإنسانية وأنشطة الإغاثة المقدمة خلال الكوارث، لا سيّما في ما يتعلق باحترام خصوصية الضحايا والناجين، وعدم الإساءة لهم وصون حرمتهم وكرامتهم الإنسانية.

جرائم الممتلكات
قد تتعرض المنازل والمباني المدمّرة وغيرها من الممتلكات إلى عمليات نهب في أعقاب الكوارث، التي تجبر العديد من الناجين ترك منازلهم وأعمالهم، كنهب الأموال والمجوهرات وغيرها. ومن المنطقي، أنه كلما كانت الظروف الاجتماعية والاقتصادية أسوأ، زادت عمليات السطو التي تحدث في أعقاب الكارثة. ومن الصعب حينها تحديد إذا كان النهب قد حدث بالفعل، لأن الضرر المادي الناجم عن الكارثة نفسها يعطي مظهرًا خاطئًا لحدوث النهب. لذلك، ينبغي على أجهزة إنفاذ القانون مراقبة المناطق المتضررة بشكل دائم، وحمايتها من جرائم الممتلكات.

لحظة إلقاء القبض على شخص مشتبه به بانتحال صفة فريق إنقاذ أثناء سرقة منزل في تركيا


العنف الجنسي
مع زيادة عدد الغرباء في المناطق المنكوبة، يمكن لأي شخص أن يتظاهر بأنه أحد الوالدين أو الأقرباء أو مقدم رعاية أو متطوع، ليسهل عليه الوصول إلى الضحايا. لذلك، يمكن لعمليات الاغتصاب والاعتداءات الجنسية والقتل أن تصيب المجتمعات بعد الكوارث. لكن، كما هو الحال مع جرائم النهب، هناك صعوبات في قياس مؤشر تلك الجرائم، وخاصة عندما يؤدي الدمار الشامل إلى تعطيل عمل وكالات العدالة الجنائية.
من المفترض أن يلتزم القائمون بأعمال الإغاثة والوسائل الإعلامية بمدونة أخلاقيات إلى جانب مدونة قواعد السلوك المهني


فالنساء معرّضات للعنف الجنسي بشكل خاص، لا سيّما إذا كُلّفنَ برعاية الأطفال أو الأقارب الآخرين، مع انعدام توفّر أي وسيلة لمغادرة المنطقة المتأثرة بالكارثة. وقد تُجبر بعضهنّ على مواقف مسيئة، أثناء بحثهن عن الطعام والضروريات الأخرى لأسرِهن، أو بحثهن عن مأوى، أوعن وسيلة نقل إلى خارج المنطقة المنكوبة. كما أنه ليس مألوفًا أن تُغتصب النساء في ظروف مضطربة، أو يُعتدى عليهنّ جنسيًا من قِبل أشخاص يعرفهُنّ.
وقد تلعب الروابط الاجتماعية بجميع أنواعها، دورًا مهمًا في مساعدة الأشخاص المتضررين من الكوارث على تخطّي الأزمة والتعافي، وخاصة النساء اللواتي يسعين إلى رعاية أحبائهن.

تطبيق الأخلاق أثناء الاستجابة للكوارث
عقب الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا، اجتاحت صور وفيديوهات الضحايا والناجين مواقع التواصل الاجتماعي. إذ ظهر في إحدى الفيديوهات عشرات المسنين في الشوارع التركية، مجردين من ملابسهم، وبعضهم قد تبوّل على نفسه. وفي مقاطع أخرى ظهر بعض الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة في حالة هلع. أما في سوريا، جرى تداول فيديوهات لنساء محجبات ناجيات انتهكت حرمتهن، وتسجيلات صوتية لأطفال تُسيء لهم ولكرامتهم الإنسانية. يشكل هذا "الترند" السائد انتهاكاً لخصوصية الأفراد واستباحة لأعراضهم. لذلك لا بد من التذكير بضرورة التزام المتخصصين في إدارة الطوارئ بمجموعة من المبادئ الأساسية التي توجه الممارسات الأخلاقية والسلوكيات المهنية.
ومن المفترض، أن يلتزم القائمون بأعمال الإغاثة والوسائل الإعلامية بمدونة أخلاقيات Ethics في سبيل المساعدة في تأطير التفكير الأخلاقي حول السلوكيات والقرارات إلى جانب مدونة قواعد السلوك المهني Code of conduct.