منذ تأسيسها عام 2016، شكّلت حركة «مواطنون ومواطنات في دولة» نموذجاً خارجاً عن أنماط الحركات والتنظيمات السياسية التي تضع نفسها في خانة «المعارضة». حاولت إعادة الاعتبار للعمل السياسي، فحملت مشروعاً ورؤية أتاحا لـ«ممفد» تخطّي عتبة الاعتراض نحو حركة معارضة جدّية تتحدث عن «البديل»، ما سلّط عليها الضوء.في نظامها الداخلي، جعلت الحركة من الفكر النقدي أساساً لها، ومن إنتاج قياداتٍ قادرة على تحمّل المسؤولية السياسية تجاه المجتمع هدفاً. فوضعت هيئة رقابية منتخبة، وقيوداً على إمكانية بقاء الأمين العام المنتخب في مركزه لأكثر من ست سنوات (ولايتين متتاليتين). عكس ذلك حرص المؤسسين على إفساح المجال لنقد قرارات القيادة أولاً من خلفية الإيمان بالأعضاء كقادة مستقبليين ثانياً، وفي العمق تفادي الوقوع في نمط علاقات داخلية تتمحور حول سردية الأب القائد. وهو ما شكّل عاملاً مشجعاً للانتساب إلى حركة «ثورية» من قبل فئة شبابية تبحث عن فسحةٍ لخوض تجربتها.
بعد ست سنوات من العمل في الحقول كافة، يستقيل 10% من أعضاء «ممفد» لأسباب متعلّقة بالنظام الداخلي نفسه. إذ أثارت تعديلات أخيرة عليه الخلاف بين الرفاق الذين تتنازعهم وجهتا نظر: واحدة تعتبر «التعديلات الداخلية غير مشروعة وتكرّس أبوية شربل نحاس» وثانية تعتقد بأن «الحاجة استدعت إعادة تنظيم الحزب وتحصينه في مواجهة المرحلة ومخاطرها».
أخيراً طلبت الأمانة العامة لـ «مواطنون» من مجلس المندوبين المنتخب ديموقراطياً تعديل النظام الداخلي، بحيث أصبح بإمكان الأمين العام تقديم ترشّحه أكثر من مرة، ما يعني أنه بات بمقدور شربل نحاس البقاء أميناً عاماً إلى الأبد، شرط الفوز بالانتخابات في كل مرة بأكثرية أصوات الهيئة العامة. وهذا ما دفع بـ30 عضواً، من بينهم كوادر وأسماء بارزة، إلى الاستقالة. لم تكن التعديلات إلا الخطوة التي أخرجت الخلاف بينهم وبين قيادة الحزب إلى العلن. إذ اتضح أن النقاش حول المشكلات التنظيمية الداخلية بدأ منذ سنتين. ومن النقاط المشتركة في بيانات الاستقالة رفض «إلغاء الرقابة الداخلية، والانتخابات الجدية، والأطر المؤسسية للنقاش». وأن القيادة «لا تثق بأعضاء الحركة»، فجاءت التعديلات الأخيرة «لتكرّس نهجاً سياسياً قائماً على الخوف، وتمنح سلطة مطلقة لمنصب واحد داخل الحزب باستخدام أدوات أبوية للحفاظ على التماسك الداخلي»، ما اعتبره هؤلاء «انقلاباً على نهج الفكر النقدي وإرادة بناء قدرات أعضاء الحزب، لأنه يحجّم من مساحة مراجعة قرارات القيادة». في الواقع يقارن المستقيلون بين «ما وصلت إليه الحركة» والسردية السياسية السائدة في المجتمع عن القائد الأب، مستخلصين أن «التماثل مع الواقع الموجود في أحزاب السلطة، هو بحدّ ذاته تماه مع السلطة من قبل حزب يمارس القطيعة معها».
في المقابل، يردّ المسؤولون في القيادة، بأن نظرة الحزب مبنية على قراءة واقع المجتمع وسلوك ناسه. التقدير أن الخلاف «سياسي وليس تنظيمياً»، بحسب أحمد عاصي، مفوّض العلاقات السياسية في «ممفد». إذ إن من غادر الحركة «فقد القدرة على الاستمرار في المعركة نتيجة اليأس من إمكانية تحقيق الحركة لطرحها القائم على كسر النظام كلياً، وبدأ يُدخِل أفكاراً تتناقض ونظرة الحزب لمعنى القطيعة مع النظام. وبقي من هو حاسم خياره بالقطيعة الكاملة».
تُدرك «ممفد» أن نسبة نجاح طرحها ضئيلة، لكن قياداتها تؤكد أن «الأمر لا يزال ممكناً». يرتكز عاصي على تحليل يقول إنه في «لحظة 17 تشرين وما تلاها كان النظام السياسي في حالة دفاع عن نفسه، أما في لحظة الانتخابات النيابية الأخيرة وما بعدها فأصبح في موقع المهاجم. وهنا يشتد الكباش ويبدأ تعب البعض من طول أمد المعركة». ويضيف: «المرحلة تستدعي من أي حزب جدي في مقاومته للنظام إعادة تنظيم نفسه بالشكل الأنسب لمواجهة الظرف، بخاصة أن لا عقيدة أيديولوجية ولا عصب ديني يرتكز عليه الحزب. إنما العصب الحقيقي هو الرهان على المشروع». بمعنى أوضح اختارت «مواطنون» تصويب التنظيم الداخلي للتأقلم ومتطلبات المرحلة في وجه المخاطر التي تراها تزداد على كسر النظام كلياً. وغايتها «استغلال مقدرات الأعضاء في كل مرة يكون فيها العضو - أيًّا يكن - حاملاً مشروعاً لتنفيذه كأمينٍ عامٍ، لذلك ألغيت الحدود على الترشح. ومن لا يتلاقى والمشروع لن يصوّت لحامله، وقد يخرج من الحركة في حال لم يعد يجد لنفسه مكاناً داخلها».
تعديلات النظام الداخلي لم تقتصر على فتح المجال للترشح عدة مرات لمنصب الأمين العام، بل طالت إمكانية طرح الثقة به، بحيث لم تعد محصورة بمجلس المندوبين، بل صارت متاحة لكل «الرفاق». «مواطنون» تصرّ: لم يمدّد شربل نحاس لنفسه. لم تفرّط «ممفد».