رغم مضيّ 113 عاماً على صدور قانون الجمعيات، و14 عاماً على صدور قانون الإجراءات الضريبية، و22 عاماً على صدور مرسوم تنظيم وزارة الداخلية، لا تزال الدولة قاصرة عن القيام بواجباتها تجاه ما يُسمّى «الجمعيات»، لجهة المراقبة ومنع استغلال بعض هذه الجمعيات للثقة التي يوليها إياها القانون باعتبارها تهدف إلى تحقيق هدف سام وهو المنفعة العامة والخير العام. جلّ ما تقوم به الدولة هو تكليف القوى الأمنية المراقبة فحسب، وذلك في حال وصلت معلومة ما تستدعي ذلك. وما خلا العمل الأمني، لا تزال الجمعيات سيئة الهدف تفسد سمعة الجمعيات ذات النيات الحسنة. تُعرّف هيئة الاستشارات والتشريع الجمعية، بمقتضى قانون الجمعيات لسنة 1909، بأنها مجموع مؤلف من عدة أشخاص لتوحيد معلوماتهم أو مساعيهم بصورة دائمة ولغرض لا يقصد به اقتسام الربح، وتأليفها لا يحتاج إلى رخصة، بل يجب على مؤسسيها أن يقدّموا إلى وزارة الداخلية بياناً موقّعاً منهم يحتوي على عنوان الجمعية وبيان مقرها ومركز إدارتها وأسماء المكلفين بأمور الإدارة وصفتهم ومقامهم، ويعطى لهم مقابل ذلك العلم والخبر (المواد 1 و2 و6)، وتتولى الإشراف عليها وزارة الداخلية بصفتها الضابطة السياسية.
ولكن، بماذا يمكن أن يجيب أي قانوني حين يسأله ابنه ذو الثلاثة عشر عاماً بعدما يدرس مادة التربية المدنية، عن السبب الذي جعل سن الانتساب إلى الجمعيات الأهلية 20 عاماً، في حين أن سن الرشد هو ثمانية عشر عاماً. وما هي الإجابه التي يمكن أن يجيبها الوالد عن سبب عدم السماح للجمعيات بأن يكون موضوعها الجنسية أو الدين، وهو أمر يدرسه التلامذة في مادة التربية المدنية في الكتاب الرسمي الذي تصدره وزارة التربيه والتعليم العالي.
ما هي الطريقة الأمثل لتشرح لابنك أو ابنتك أن القانون المذكور صدر سنة 1327 هجرية، أي سنة 1909 ميلادية، أي قبل نشأة لبنان الكبير والجمهورية اللبنانية، وقبل الاستقلال ووضع الدستور. وكيف يمكن إقناعهما بأن هذا القانون يسري على الجمعيات الأهلية والمدنية وعلى الأحزاب السياسية في آن واحد؟ وكيف أن قانون الجمعيات الذي يرعى الأحزاب أيضاً هو نفسه مخالف للدستور ولحرية الاجتماع المنصوص عليها دستوراً؟
أما آن لهذه الجمهورية أن تضع قانوناً عصرياً للجمعيات المدنية والأهلية وقانوناً للأحزاب؟ وكيف يمكن التعايش مع كمّ العبارات التي لا يقبلها عاقل أو منطق، وأبسطها أنه ينصّ على عقوبة مقدارها ذهبيتان وأقصاها عشر ذهبات وعقوبة أخرى مقدارها 50 ذهبة؟
في سنة 1939 أصدر المفوّض السامي قراراً ينظّم عمل الجمعيات الأجنبية، نصّ على عدم جواز إنشاء أي جمعية أجنبية ولا أن تقوم بعملها في لبنان أو في سوريا ما لم تحصل على ترخيص مسبق من مندوب المفوّض السامي، ولا يجوز أن تكون لها مؤسسات في لبنان أو سوريا إلا بمقتضى ترخيص خاص لكل مؤسسة من هذه المؤسسات. وعلى أي حال، فإن قانون الجمعيات صدر في 29 رجب سنة 1327 هـ الموافق 3 آب سنة 1909 م، أي أيام الخلافة العثمانية. وفي عام 1943 صدر قانون العقوبات الذي نصّ على حل كل جمعية سرية ومصادرة أموالها.
وفي سنة 1962 أحالت الحكومة على مجلس النواب مشروع قانون معجلاً يمنع على أي كان الإبقاء على جمعية حلّت لارتكابها جرائم تتعلق بأمن الدولة أو مساعدتها على القيام بنشاط ما. وصدر القانون بموجب مرسوم، وقد نصّ على أن الجمعية التي تم حلّها لارتكابها هذه الجرائم لا يجوز أن ترخّص مجدداً إلا بموجب قانون، وذلك خلال السنوات الثماني التي تلي صدور الحل. ويشمل هذا الاحتراز مختلف تفرّعات الجمعية المنحلّة مهما تنوعت الأسماء.
وتنصّ المادة السابعة من المرسوم رقم 10830/ 1962 على ما يأتي:
«في الشهر الأول من كل سنة، على كل جمعية مجازة أن تتقدم من وزارة الداخلية بلائحة تتضمن أسماء أعضائها وبنسخة عن موازنتها السنوية ومن حسابها القطعي السابق. ويخضع هذا الحساب لرقابة الوزارة المختصة».
عند إقرار المرسوم رقم 4082 تاريخ 14/10/2000 (تنظيم وزارة الداخلية والبلديات) وبعد 91 عاماً من صدور قانون الجمعيات نصّت المادة 21 من المرسوم الرقم 4082 (في فقراته 3 - 4 - 5) على ما يلي:
تتولى دائرة الشؤون السياسية والأحزاب والجمعيات:
- تحضير النصوص اللازمة لإعطاء التراخيص بتأليف الجمعيات والأحزاب والأندية.
- مراقبة الجمعيات والأحزاب والأندية المرخّص لها والتأكد من أن نشاطاتها لا تخالف الغاية التي من أجلها أُنشئت وإعداد تقارير دورية سنوية حول هذا الموضوع ورفعه إلى المراجع المختصة.
- السهر على تنفيذ أحكام قانون الجمعيات.
يلزم قانون الإجراءات الضريبية الصادر سنة 2008 الجمعيات بوجوب اعتمادها رقم تسجيلها لدى وزارة المالية على جميع المستندات الصادرة عنها


لا شك أن قانون الإجراءات الضريبية الصادر سنة 2008، أشار إلى وجوب معالجة التهرّب الضريبي الذي تمارسه كيانات عدة ومنها الجمعيات، لذلك نصّت المادة 34 من القانون على وجوب اعتماد هذه الكيانات والجمعيات خصوصاً على رقم تسجيلها لدى وزارة المالية على جميع المستندات الصادرة عنها، وأن تلتزم استعمال أرقام التسجيل المعطاة من وزارة المالية لمستخدميها والمتعاملين معها في مستنداتها كافة. مع العلم أن المادة 113 من القانون نفسه تنصّ على فرض غرامة قدرها 0.5% من قيمة العملية موضوع الفاتورة في حال لم تظهر الجمعية رقمها الضريبي على الفواتير أو المستندات المماثلة، أي على المستندات كافة التي تسلّم للغير وتكون متضمنة مبالغ، وهذا الأمر يؤكد على صلاحية وزارة المالية بالتدقيق في فواتير هذه الكيانات.
وبالتالي فإن تدخّل الدولة في قانون الإجراءات الضريبية كان تدخلاً من الناحية الأمنية والضريبية فقط وبصورة شكلية، من دون ممارسة رقابة فعلية. ولكنها في الوقت نفسه لم تعالج القضية الأساس: حاجة البلاد إلى قانون عصري للأحزاب السياسية، وقانون عصري للجمعيات المدنية والأهلية وجمعيات المناصرة، بشرط أن يقارب القانون المسألة انطلاقاً من الحريات العامة وبعيداً عن الأهداف الأمنية البحتة.



Gazette الرسمية
في العام ١٩٢٦ أصدر المفوض السامي الفرنسي هنري دي جوفنيل قرارا حدد العقوبات على الجمعيات التي يعتبرها القانون تشكل مساسا بالنظام العام ومن العقوبات المحددة فيه عقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة.

انقر على الصورة لتكبيرها