إن فشل السجون في إصلاح أو ردع السلوك الجرمي يؤدّي إلى حلقة مفرغة من الظلم والهدر والفساد، إذ إن الهدف الأساسي من عقوبة المنع من الحرية والاحتجاز في مؤسسة سجنية هو حماية المجتمع والناس وأرزاقهم والحق العام. فإذا فشلت السجون في الحماية وعاد الشخص المعاقب إلى ارتكاب الجرم بعد اكتسابه مهارات إضافية خلال مدة السجن، وبعد تعرّفه إلى عدد من المجرمين المحترفين خلف القضبان، ستزيد صعوبات الشرطة في التعامل معه من جديد، وستعود المحكمة إلى الانعقاد بقضاتها ومحاميها وموظّفيها. وبما أن السجون ما زالت على حالها، فقد يكرر الشخص الجريمة للمرة الثانية والثالثة والرابعة... فهل يستدعي إصلاح السجون توجيهاً دستورياً؟صحيح أن وزارة الداخلية والمديرية العامّة لقوى الأمن الداخلي تمكّنتا، بمساعدة وزارة الصحة العامة وبعض المنظمات الدولية، من التعامل باحتراف ومهنية عالية مع مخاطر انتشار وباء كوفيد 19 في السجون ولم تسجّل وفيات كما كانت الحال في بعض الدول الأوروبية (ويدل ذلك على قدرة قوى الأمن على تخطي الصعوبات لدى تأمين الموارد اللازمة وإذا توفّرت الإرادة السياسية من قبل الحكومة ومجلس النواب). لكنّ الإرادة السياسية التي تشكل الشرط الأساسي لوضع السجون على سكة الإصلاح غائبة. فلا يكفي أن يتخذ مجلس الوزراء قراراً بتكليف وزير العدل التنسيق مع وزير الداخلية لوضع آلية لنقل صلاحية الإشراف على السجون إلى وزارة العدل (القرار رقم 56 تاريخ 2-8-2011)، كما لا يكفي أن يوافق المجلس على استحداث المؤسسة العقابية (منذ عشر سنوات كما بيّنّا في «القوس»، 8-10-2022)، بل يفترض أن يكون مجلس الوزراء مقتنعاً بأن المشكلة الأساسية ليست في تحديد صلاحية الإشراف على السجون أو في إنشاء مؤسسة عقابية، وأن السبب الأساسي لعدم إصلاح السجون هو غياب الإرادة والتصميم الجدّي. إذ لم يتكوّن لدى معظم المسؤولين في الدولة مفهوم واضح للسياسة العقابية الحديثة ولم يقتنعوا، على ما يبدو، بأن السلوك الجنائي وليد خلل في البيئة الاجتماعية. كما لا يتفق معظم الرؤساء والنواب والوزراء والمدراء والقضاة والضباط والموظفين على أن العقوبة التي يفرضها القانون لا يجوز أن تكون غير إنسانية. والجزء الأكبر منهم لا يبدو مقتنعاً بأهمية إعادة التأهيل وإصلاح السلوك الجنائي، ربما لأنهم على يقين بأن من يرتكب جناية إنما يرتكبها بسبب «طبيعته» وخياره، ولا علاقة حاسمة للبيئة التي نشأ فيها أو الظروف التي يمر بها بسلوكه وأفعاله.
بعد مراجعة أوضاع السجون وبرامج إعادة التأهيل في عدد من دول حوض البحر المتوسط، تبين أن السجون في إيطاليا، مثلاً، تعاني من مشاكل عديدة. غير أن المساعي الحكومية لإصلاح السجون وتحسين أوضاع السجناء لا يفترض أن تتوقف، وعلى الحكومات القيام بما يلزم لتطوير عمل السجون، وأن ذلك يكون في إطار توجيه دستوري. فبحسب المادة السابعة والعشرين من الدستور الإيطالي، «لا يجوز أن تكون العقوبات غير إنسانية، ويجب أن تهدف إلى إعادة تربية المدانين». وبالتالي، فإن أيّ عقوبة سجنية أو غير سجنية لا تهدف إلى «إعادة تربية» مرتكبي الجرائم، تُعد مخالفة للدستور. وبناءً عليه، يمكن لمجلس النواب محاسبة الحكومة بموجبه. والمقصود بإعادة التربية هو تصحيح السلوك الجنائي من خلال البرامج التربوية وبرامج إعادة التأهيل والبرامج العلاجية لمدمني المخدّرات ولمرتكبي الجرائم الذين يعانون من أمراض أو اضطرابات نفسية.
الدستور الإيطالي: لا يجوز أن تكون العقوبات غير إنسانية ويجب أن تهدف إلى إعادة تربية المدانين


صحيح أن الدستور اللبناني يشير إلى أن لبنان يلتزم بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وبالتالي لا يجوز أن تكون العقوبات «غير إنسانية»، وصحيح أن المادة الثامنة من الدستور تذكر أن «الحرية الشخصية مصونة وفي حمى القانون ولا یمكن أن یُقبض على أحد أو یُحبس أو یوقف إلا وفاقاً لأحكام القانون، ولا یمكن تحدید جرم أو تعیین عقوبة إلا بمقتضى القانون»، إلا أن مرسوم تنظيم السجون (المرسوم 14310/49) لا يشير بشكل واضح إلى الهدف الأساسي من عقوبة السجن، ولا يضع إعادة تربية وتأهيل السجناء المحكومين في أعلى سلّم الأولويات. أضف إلى ذلك أن المادة الثامنة ترد تحت الفصل الثاني من الدستور، وهي بعنوان «في اللبنانيين وحقوقهم وواجباتهم»، فقد يُفهم من ذلك أنها تخص المواطنين اللبنانيين وحدهم ولا تعني الأجانب.
إن إضافة جملة مقتضبة إلى نص الدستور اللبناني تكون بمثابة توجيه دستوري واضح بأن الهدف من العقوبة السجنية هو إصلاح سلوك السجين الجنائي وإعادة تأهيله تمهيداً لإعادته إلى المجتمع مواطناً صالحاً، قد تلزم الحكومات المقبلة بتنفيذ القرارات التي قرّرتها الحكومات السابقة لإصلاح السجون، فيكون استحداث المؤسسة العقابية بداية الطريق لإصلاح الخلل المستمر منذ عشرات السنين.



آمرو السجون يتولون مهام النيابات العامة
صدر عن النائب العام لدى محكمة التمييز القاضي غسان عويدات قرار بـ«تعليق العمل بأذونات مواجهة الموقوفين في السجون والنظارات كافة التي تصدرها النيابات العامة وذلك خلال مدة اعتكاف القضاة».
وكلف عويدات «كل آمر سجن أو نظارة بتخصيص يومين في الأسبوع على الأقل لمواجهة الموقوفين»، كما أجاز لهم «إعطاء إذن مواجهة لوكيل الموقوف أو لأنسبائه من دون مراجعة النيابة العامة المختصة، باستثناء الموقوفين الممنوعين من الاتصال بقرار قضائي من المرجع الواضع يده على الدعوى». (القرار رقم 197/ص/2022 في تاريخ 13/10/2022)
وجاء قرار القاضي عويدات بهدف التخفيف من الضغط ولتسهيل معاملات المحامين وذوي السجناء. علماً أن منح ضباط قوى الأمن صلاحيات تعود الى السلطة القضائية لا يتناسب مع الأصول في التعامل مع السجناء وفي إدارة التحقيقات، وقد تكون له نتائج سلبية على المدى الطويل.