هو الهروب الكبير... هروب بعض كبار تجار المخدرات من الشرطة في ظل النقص في عديد العناصر والضباط والضغط الذي يعانون منه بسبب الازمة المعيشية الخانقة، وقلّة الموارد وتراجع صيانة المخافر والآليات والعتاد، وبسبب تعطل القضاء واضراب القضاة الذين يفترض ان يشرفوا على التحقيقات؛ هروب العديد من الأشخاص من هموم الدنيا والمشكلات المتراكمة من خلال تعاطي المواد الممنوعة والمؤثرات العقلية؛ هروب جزء كبير من المجتمع من تحمل مسؤولية انتشار المخدرات وانحسار المعالجات ببعض برامج الوعظ والإرشاد التي لم تؤثر يوماً بشكل جدي وحاسم على سلوك الشباب؛ هروب عدد لم يتم تحديده من الأشخاص من الحياة بسبب جرعة زائدة من المخدرات ولفلفة الامر هرباً من الفضيحة والعار... نعرض في هذا التقرير كمية المضبوطات في إطار مكافحة المخدرات في لبنان منذ عام 2013 وحتى آذار 2022، ونعرّف خصوصيات بعض المواد وتأثيراتها النفسية والجسدية على من يتعاطاها
يستفيد بعض كبار تجار المخدرات احياناً من بث اخبار عن تمكن قوى الامن من ضبط شحنة كوكايين أو من توقيف مروّجين وتجار «صغار». إذ ان ذلك يطمئن بأن مكافحة المخدرات جارية على قدم وساق، ولا داعي للهلع لأن خطر انتشار السموم قد زال ولو جزئياً. وفي ظل جوّ من الطمأنينة، يتمكن كبار تجار المخدرات من تهريب كميات ضخمة من المواد الممنوعة الى أسواق تتعطش للحصول عليها مع تزايد دوافع التعاطي وارتفاع نسب الإدمان والاكتئاب في مجتمع مأزوم.
مصادرة قوى الامن الداخلي ثلاثين كيلوغراماً من الكوكايين وكيلوغراماً ونصف كيلوغرام من الهيرويين و4344 حبة اكستاسي العام الفائت يستحق التنويه، في ظل الظروف الصعبة التي تمرّ بها مؤسسات الدولة والنقص الحاد في العديد والعتاد والموارد وقيمة الرواتب منذ عام 2019. وكذلك تمكنها من توقيف 111 تاجراً و533 مروّج مخدرات (2021) وأكثر من 50 تاجراً و160 مروجاً في النصف الأول من العام الجاري. لكن العدد الأكبر من هؤلاء لا يزالون ينتظرون صدور الاحكام القضائية بحقهم، ولا توجد برامج مخصصة لإعادة تأهيلهم في السجون، وبالتالي فإن عودتهم الى ممارسة نشاطهم الجرمي بعد اخلاء سبيلهم مرجّحة. أضف الى ذلك ان بعضهم يعملون على تطوير مهاراتهم الجنائية وتجنيد مزيد من المروجين وتأسيس عصابات أثناء وجودهم خلف القضبان.





تراجع كمية المضبوطات
تشير الإحصاءات الرسمية الى تراجع كميات الكوكايين المضبوطة بين عام 2019 وعام 2021 بأكثر من 50 في المئة. اذ صادرت قوى الامن 64.2 كلغ من الكوكايين و10.2 كلغ من الهيرويين عام 2019 مقابل 29.19 كلغ من الأولى و1.3 كلغ من الثانية عام 2021. وضبطت قوى الامن 6831 من حبوب الاكستاسي عام 2019 في مقابل 77 حبة عام 2021.
لكن المخدرات الممنوعة لا تقتصر على هذه المواد، بل تشمل بعض الادوية المخصصة بالأساس لمعالجة امراض واضطرابات عصبية ونفسية وأخرى تستخدم عادة كمسكّنات ولمعالجة الآلام الحادة الناتجة عن الجراحة او عن عطب او كسر او نزيف، ويفترض ان لا تباع او توزّع الا بموجب وصفة طبية رسمية.
تشير الإحصاءات الرسمية الى تراجع كميات المضبوطات بين عامي 2019 و2021 بأكثر من 50 في المئة


وتبين الإحصاءات الرسمية تراجعاً كبيراً في الكميات المصادرة من هذه الادوية. فقد تمكنت قوى الامن من ضبط 3863 حبة ريفوتريل عام 2018 بينما تراجع هذا الرقم الى 1655 عام 2021. وصادرت 6831 حبة زاناكس عام 2019 مقابل 77 حبة عام 2021. وتراجعت الكميات المصادرة من دواء البينزاكسول من 8346 حبة عام 2018 إلى 1655 حبة عام 2021، و147 حبة في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري.





بين التاجر والمروج والمتعاطي
عدد متعاطي المخدرات الممنوعة يفوق طبعاً عدد التجار والمروجين بأضعاف. لكن لا بد ان تنشط القوى الأمنية اكثر على خط توقيف التجار والمروجين لا المتعاطين والمدمنين. الإحصاءات الرسمية لا تشير الى ذلك. اذ ان من بين 1994 شخصاً أوقفوا عام 2021 في جرائم المخدرات لا يتجاوز عدد التجار ستة في المئة (111) ولا يتجاوز عدد المروجين للمخدرات 26 في المئة (533). فيما أوقفت قوى الامن 228 متعاطي مخدرات ممنوعة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري بينما لم يزد عدد التجار الموقوفين خلال الفترة نفسها على 26 وعدد المروجين على 120. علماً ان مجموع الأشخاص الموقوفين في جرائم المخدرات يتراجع بشكل مستمرّ منذ عام 2019. إذ ان قوى الامن أوقفت 3990 شخصاً عام 2019، وتقلص هذا الرقم الى 2233 عام 2020، والى 1994 عام 2021. ولا يتجاوز مجموع الموقوفين بجرائم المخدرات خلال الربع الأول من العام الجاري 414 موقوفاً.

دوافع وتبريرات خادعة
المتخصصة في العلوم النفسية الدكتورة علا البيطار توضح ان من يتعاطى المخدرات يسعى من خلالها إلى إيجاد طريقة للتعامل مع مشكلات يتعرض لها والبحث عن شعور افضل مثل الفرح أو النشوة أو الحماسة، أو سعياً للهروب من الوضع القائم. لكن سرعان ما يشاهد نفسه بعيداً كل البعد عن الامور التي يسعى إلى تحقيقها، ويختفي شعور الفرح والنشوة بعد انتهاء مفعول المخدر، فيقدم على تعاطي كميات أكبر ويدخل نفسه في حلقة مفرغة لا تنتهي بينما تتفاقم العوارض الصحية.
وأضافت بيطار أن للأزمة الاقتصادية والمعيشية آثاراً سلبية على نفسية الأفراد، وقد تكون من بين دوافع تعاطي المخدرات. «الأبواب المغلقة» وتراجع الامل بالمستقبل والاكتئاب غالباً ما تساهم بدفع الفرد إلى اللجوء إلى المخدرات. وخلصت البيطار إلى أنه رغم المصاعب التي يمر بها المجتمع اللبناني اليوم لا بد من التفكير بإيجابية، وقد يساعد ذلك على تخطي الاكتئاب ويخفف من دوافع تعاطي المخدرات.






«حشيش» للاستخدام الطبي والصناعي
أقر مجلس النواب قانون ترخيص زراعة القنب (الحشيش) للاستخدام الطبي والصناعي. اذ يتضمن قانون رقم 178 (28/05/2020) تنظيم زراعة نبتة القنب عبر إنشاء الهيئة الناظمة لزراعة نبتة القنب للاستخدام الطبي والصناعي التي تتولى مهام تحديد المناطق المسموح فيها زراعة هذه النبتة وتحديد نسبة المواد الفعالة المسموحة بالمزروعات والمنتوجات الزراعية والصناعية والطبية والصيدلانية (المادة 4). كما نظم القانون منح تراخيص استيراد البذور والشتول وانشاء مشاتل والزراعة والتصنيع والتصدير والنقل والتخزين (المادة 17).


جديد الممنوعات


تظهر الإحصاءات ان قوى الامن بدأت منذ العام الفائت (2021) مصادرة كميات من مادة ممنوعة بدأ الترويج لها في لبنان مؤخراً تعرف باسم «كريستال ميث». وقد بلغت الكمية المضبوطة من هذه المواد خلال العام الفائت 3.280 كلغ.
تصنيع الكريستال ميث في غاية السهولة ويمكن أن يتم في المنزل ولا يحتاج إلى مصانع، وهو يعتمد على أدوية مخدرة وتركيبات كيمائية.