«أوافيكم بالخبر فور اتضاح الصورة»، كتبت الزميلة شيرين أبو عاقلة لدى وصولها الى جنين صباح الأربعاء.الرصاصة التي استهدفتها في الرأس لن تمنع «اتضاح الصورة» بل على العكس. فبعد سنوات من نقل اخبار فلسطين المحتلة بالصوت والصورة، نقلت شيرين الأربعاء الأخبار من جنين بالدمّ.
الصحافية المقدسية التي تميزت بمهنية عملها ودقة تقاريرها، استشهدت خلال تغطيتها اعتداء جيش الاحتلال الإسرائيلي على جنين. كانت تجمع اخباراً عن الجريمة الدولية المتمثلة بالهجوم العسكري المتكرّر على الضفة الغربية. وبلحظة، توسّع نطاق الجريمة ليشملها، فأصبحت هي الخبر. لم تحتج «الجزيرة» الى مراسل بديل ليستمر في نقل الخبر، بل بقيت شيرين وسط الشاشة على جنب الطريق مغمضة العينين، بينما استمر إطلاق النار باتجاهها وباتجاه زملائها. وكأن العدو كان يريد ان يتأكد من انها لم تعد على قيد الحياة، وان زملاءها لن يجرؤوا على متابعة عملهم، ليباشر في انتهاك القانون الدولي من دون ان يتمكن أحد من نقل وقائع الجريمة.
بعد انتشار خبر استشهاد أبو عاقلة، ادّعت قيادات العدو الإسرائيلي انها تعرضت لإطلاق نار من مسلحين فلسطينيين. ونشرت فيديو يظهر فيه فدائي فلسطيني يطلق النار في أحد شوارع جنين. لكن تبين سريعاً ان الفيديو التقط في مكان بعيد عن مسرح الجريمة.
لا عجب في ان السلطات الإسرائيلية كانت أول من استبق التحقيق في جريمة اغتيال الزميلة أبو عاقلة عبر توزيع الفيديو المضلّل. لكن اللافت هو مطالبة الاسرائيليين بتحقيق جنائي لمعرفة ملابسات الجريمة، بعد ساعات قليلة على انكشاف حقيقة الفيديو المضلل الذي عملوا على تعميمه بشكل واسع، خصوصاً لدى وسائل الاعلام الغربية والخليجية.
نشير، اولاً، الى ان أي تحقيق مهني في جريمة اغتيال أبو عاقلة يفترض ان يشمل الظرف الذي وقعت خلاله الجريمة، أي انها اغتيلت فيما كان جيش الاحتلال الإسرائيلي يشنّ هجوماً عسكرياً على الضفة الغربية.
ثانياً، ان نظام الابارتايد الذي ينتهجه العدو الإسرائيلي لا يسمح بإجراء تحقيق جنائي مهني في فلسطين المحتلة، لأن الابارتايد مبني على أساس عنصري يعدّ فئة من البشر (اليهود) أكثر قيمة من بقية البشر. ولا يمكن، بالتالي، ان ينظر المحقق او قاضي التحقيق الإسرائيلي الى المشتبه فيهم على قدم المساواة، وستكون الشبهة مضاعفة بحق الفدائيين الفلسطينيين، ومحصورة بالنسبة للجنود الإسرائيليين، بغض النظر عن القرائن والدلائل الجنائية المتوفرة.
قد يقتصر التحقيق على أفراد من جيش العدو ارتكبوا جريمة بحق مواطنة أميركية بينما لا يمكن فصل جريمة اغتيال أبو عاقلة عن الجرائم التي يرتكبها الإسرائيلي بحق مئات آلاف الفلسطينيين من كل الاطياف والاجناس والاعما


ثالثاً، لا بد من الإشارة الى ان نظام الابارتايد الإسرائيلي يمنع قيام تحقيق دولي في فلسطين المحتلة. وقد اثبتت التجارب السابقة عجز المجتمع الدولي ومنظمة الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي عن التحقيق في العديد من الجرائم التي تبين أن مرتكبيها إسرائيليون وملاحقتهم قضائياً. وبالتالي، فإن تعليق الآمال على المحكمة الجنائية الدولية يفترض ان يأتي فقط بعد ادانة نظام الابارتايد الإسرائيلي من قبل الدول الغربية، وكل ما هو غير ذلك مضيعة للوقت.
لكن، هل يمكن أن تدين المجتمعات والدول الغربية التي يتفشى فيها التمييز العنصري والاسلاموفوبيا، خصوصاً بعد تزايد اعداد اللاجئين في أوروبا، سلوكاً ونهجاً ليس غريبين عنها؟
رابعاً، كان لافتاً في الايام الماضية تركيز بعض وسائل الاعلام وبعض الأصدقاء على ان الشهيدة شيرين أبو عاقلة مسيحية وتحمل الجنسية الاميركية. يشكل ذلك تسليماً عفوياً بالتمييز العنصري المتنامي في العالم الغربي اليوم. اذ يعتقد البعض ان الانتماء المسيحي والجنسية الاميركية سيجذبان اهتماماً عالمياً جدياً بجريمة اغتيال أبو عاقلة، وتشديداً على وجوب ملاحقة الجناة ومحاكمتهم. وقد يصح ذلك، غير ان التحقيق والمحاسبة قد يقتصران على افراد من جيش العدو ارتكبوا «خطأ» أدى الى وقوع جريمة بحق مواطنة أميركية، فيما لا يمكن، مهنياً وقانونياً وأخلاقياً، فصل جريمة اغتيال أبو عاقلة عن الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق مئات آلاف الفلسطينيين، من كل الاطياف والاجناس والاعمار، بغض النظر عن اوراقهم الثبوتية وجوازات سفرهم.