«حطونا بعكار، طلبت موظفة في إحدى الوزارات لدى فرز رؤساء الأقلام على الدوائر الانتخابية. للوهلة الأولى يخطر لك أنها من سكان عكار وتريد أن توفر كلفة النقل ومشقّة السفر، إلا أنها تسكن في حي السلم. واستطاعت هذه السيدة أن «تزبطها»، فجاء اسمها وأسماء أصدقائها في عكار. لماذا؟ «لنتعرّف إلى هذه المنطقة التي لم تتسنّ لنا زيارتها من قبل». يرى بعض رؤساء الأقلام في مهامهم فرصة للنقاهة والتعرّف إلى مناطق جديدة. الحفاوة التي يستقبل بها أبناء البلدات والمناطق «مبعوثي الدولة إليهم» غالباً ما تغطّي على مشقة الوصول إلى الأقلام وضغط العمل. فيؤمّن رؤساء البلديات والمخاتير والمرشحون كافة احتياجات رؤساء الأقلام من المأوى إلى الطعام والشراب وثياب النوم أحياناً، ذلك أن مهامهم تبدأ من اليوم الذي يسبق اليوم الانتخابي وتتمثل بتسلّم صناديق الاقتراع وتجهيز الأقلام، ما يحتّم عليهم المبيت في «مكان الخدمة» إذا أتوا من مكان بعيد.وكما يخوض البعض أول تجربة رئاسة قلم بحماسة، هناك من ينتظرها بقلق. «صُعقتُ»، تقول إحداهم عندما علمت أن اسمها جاء في بعلبك. فهي تقطن في قضاء بعبدا. لم تقلق من مهام توكل إليها للمرة الأولى بقدر ما قلقت من «مكان أزوره لأول مرة، وأجهله، وكل ما أسمعه عنه أن أبناءه يحوّلون أي حدث صغير فيه إلى اشتباك عنيف». بحثت في الجداول التي وزّعت رؤساء الأقلام على الدوائر الانتخابية عن أحد تعرفه وتكون وجهته بعلبك أيضاً، فكان ابن قريتها. اتفقا أن يترافقا بسيارة واحدة ويتقاسما ثمن صفيحة البنزين. لكن لسوء الحظ هو أيضاً لا يعرف الطريق إلى هناك. كيف سيصلان؟ «سنجرّب في الغوغل ماب». وأين سيقضيان ليلة السبت قبل اليوم الانتخابي؟ «سؤال صعب»، تجيب.

تحدّيات مادية ومعنوية
سابقاً، كان رؤساء الأقلام يتقاضون 570 ألفاً بدل مهامهم، أي ما يعادل 350 دولاراً، وكان مردوداً مالياً جيداً. اليوم ارتفعت مخصّصاتهم إلى 3 ملايين و600 ألف، لكن قيمتها بالدولار لا تعادل الـ150 دولاراً. منهم من سيستخدمها لتسديد الأقساط المدرسية عن الأولاد، ومنهم من سيعوّض النواقص التي رتّبها الراتب المتآكل، في حين يرى آخرون أنها غير كافية لتسديد كلفة النقل وحجز غرفة في فندق مع مصاريف الأكل والشرب في حال لم يتلقوا عروض استضافة. وهنا يُطرح السؤال: هل ستستطيع البلديات المتعثرة والمرشحون الذين لم ينفقوا بغالبيتهم على حملاتهم الانتخابية إلا «من الجمل أذنه»، أن يحتفوا برؤساء الأقلام هذا العام؟ سؤال من شأنه أن يعيد حسابات رؤساء الأقلام بشأن المكاسب المادية والمعنوية التي لطالما حصلوا عليها.
الفوضى عند تسلّم صناديق الاقتراع وتسليمها تتكرّر عند كل دورة انتخابية


ظروف عمل سيئة تاريخياً
يتحدّث الأستاذ الثانوي المتقاعد منذ عشر سنوات والمناضل التربوي في هيئة التنسيق النقابية، محمد قاسم، عن ظروف عمل سيئة عاناها رؤساء الأقلام تاريخياً، «أوّلها انتهاك كراماتهم في وزارة الداخلية والسراي بسبب الآليات التنفيذية البدائية، خاصة لجهة حمل صناديق الاقتراع من محل إلى آخر والانتظار في طوابير عند التسلّم والتسليم، عدا الإهانات وسوء معاملة القوى الأمنية لهم. وليس آخرها تعرّضهم للضغوطات عند فرز الأصوات لتزوير النتائج جرّاء غياب وسائل الرقابة على العملية الانتخابية». لهذه الأسباب رفض قاسم أن يكون رئيساً لقلم طوال مسيرته المهنية. لكنّ الأمانة تقتضي القول إن «ظروف عمل رؤساء الأقلام تحسّنت كثيراً مع استخدام التلفزيونات داخل أقلام الاقتراع ووجود جمعيات رقابية مثل لادي ولجنة الإشراف على الانتخابات».
من جهته، يرى الأستاذ الثانوي المتقاعد جورج سعادة أن أوضاع رؤساء الأقلام مرهونة بوجود جسم نقابي متماسك يدافع عنهم، ويتحسّر على أيام حنا غريب عندما «كان لنا ظهر يحمينا». يروي باندفاع، كما لو أنها قصة لعنترة بن شداد، «كيف أوقف غريب عمل رؤساء الأقلام في الانتخابات البلدية لعام 2010، ودعاهم إلى الامتناع عن تسلّم الصناديق على خلفية تعاطٍ سيّئ لعنصر في قوى الأمن الداخلي مع رئيس قلم، ولم تُستأنف العملية إلا بعد اعتذار وزير الداخلية آنذاك زياد بارود من رؤساء الأقلام على الهواء وتوقيف العنصر المعتدي». نسأله عن عدد المرات التي كان فيها رئيس قلم، فيجيب: «شاركت في حوالي 5 دورات». يعدّها: «مرة في عكار، مرتين في بيروت، زحلة، البقاع الغربي، صيدا، بيروت»… ثم يصحح لنفسه: «يبدو أنها أكثر بكثير».

إذلال رؤساء الأقلام
في الاستحقاق الأخير عام 2018 «لعنت الساعة» يقول سعادة، معبّراً عن «خيبة أمل» مني بها في ظل وجود «جسم نقابي مهترئ ومملوك من أزلام السلطة». يومها «وقفنا في صفوف وتعرّضنا للتدفيش والإهانة من القوى الأمنية التي عاملتنا كما لو أننا أجراء». حاول هذا الرجل الستيني أن يحفظ كرامته فوقف جانباً لعلّ الطوابير تنتهي. لكنّ الوقت تأخر، وبدا له أن الانتظار غير مُجد، فاستسلم للأمر الواقع.
الفوضى في السرايات والقائمّقاميات عند تسلّم صناديق الاقتراع وتسليمها هي سوء تصرف تكرّره وزارة الداخلية في كل دورة انتخابية. المشهد يشبه «معركة يقودها الإسكندر المقدوني»، كما يصفه الأستاذ ناجي ياسين، الذي شارك في رئاسة أقلام منذ التسعينيات حتى الاستحقاق الانتخابي الأخير. ورغم «الإذلال»، لا ينكر «المتعة في التلاقي مع الناخبين والاستمتاع بقصصهم السريعة ونهفات بعضهم». يذكر ذات مرة عندما خرجت سيدة من وراء العازل وهي لا تحمل ورقة الاقتراع، وعندما سألها عن السبب أجابته أنها «أسقطتها في فتحة الكرسي المجاور للعازل».