«ما بهمني إحكي مع حدا، يا طبّقوا الإعدام يا طلّعوني. صرلي خمس وعشرين سنة بالحبس»، قال أحد السجناء المحكومين بالإعدام لـ«القوس» لدى سؤاله عن حاله.بلال محكوم آخر بالإعدام. شارك في جرائم قتل ومحاولة قتل خلال معارك مخيم نهر البارد مع تنظيم «فتح الإسلام»، والمعاقب عليها بحسب المواد 270 و271 و339 و316 و335 و337 و549 من قانون العقوبات. أوقف عام 2016 وصدر حكم إعدام بحقه عام 2020. يقول ابن الخامسة والثلاثين إنه نادم على ما فعله: «ما كنت بعرف اديش يلي عملته خطير... ما كنت عارف انو حأوصل لهون». لم يتقدم بلال بطلب أمام لجنة العفو لأن «ملفاتي صعبة كتير وما بعتقد اللجنة حتعفينا». خلال الفترة التي قضاها في السجن تحدث عن «نصائح» يقدمها لزملائه غير المحكومين بالاعدام في المبنى باء بالابتعاد عن الجرائم وعدم تكرارها وفتح صفحة جديدة في حياتهم كون الحياة أمامهم. ويقول: «الإحساس بالموت كل يوم منحسه بالسجن. البعض تعودوا وناطرين الإعدام. وفي منن بتبقى الفكرة برأسهم طوال الوقت إنو بكرا بدو يجي يوم بدهن يعدموني وينهوا حياتي».

Katie Micklos


المؤبد كبديل
نور، الذي أقدم على ارتكاب جريمة قتل المعاقب عليها بحسب المادة 549 من قانون العقوبات، وصدر حكم إعدام بحقه عام 2009، يقول: «ما بدي أتذكر لعملتو ولا احكي عنه. ندمان أي. وأكيد ما حدا حيسامحني. حتى أهلي اتبرّوا مني». وعن تقديم طلب إلى لجنة العفو، يجيب: «قدمت وناطر يقبلوا. يمكن ما بستحق فرصة ثانية برات السجن. بس ما بدي موت. يخلوني مؤبد هون». ويقول: «لما توقف بوجه الموت شي صعب... فكرة انه الموت ناطرك بأي لحظة، يمكن تعودت على الفكرة بس ما بنكر انه بتخنقني». كثيراً ما يطلب ابن الواحدة والأربعين من زملائه المحكومين بترويج المخدرات في السجن بتزويده بمسكنات إذا وجدت لـ«إبعاد الفكرة». ويختم: « قبلان عيش بالسجن لموت موتة ربنا».

اعدام من نوع آخر
يقول يزن (44 عاماً) إن وفاة والده في سن مبكرة دفعته إلى «عالم الجريمة». أوقف عام 2005 وصدر حكم إعدام بحقه عام 2007 بموجب المادة 549 من قانون العقوبات. «ما كان عندي بي ليساعدني ويدلني على الطريق الصح، تربيت بالشارع وكانت السرقة والقتل شي عادي بالنسبة إلي. مرة انا وعم اسرق قتلت واحد لأنه حاول يقتلني ... كنت متهور. طبعاً ندمان. بس يلي صار صار وما بقا بقدر غيّر شي». وعن رأيه بعقوبة الإعدام إذا ما أقدم شخص على قتل أحد أفراد اسرته، يجيب: «فيك تقنع يلي انقتلو ابنه أو إمه أو بيه انه يكون ضد الإعدام؟ ما بعتقد. بس بالسجن هون كيف ما برمت إذا ما اعدموك، الأمراض والنقص بالطبابة بتقتلك... دخول السجن بلبنان هو اعدام في حد ذاته».
51% من المحكومين بالإعدام لم يحصلوا على أكثر من التعليم الابتدائي و15٪ التحقوا بالتعليم العالي


لا تمييز في السجون
في لبنان لا تمييز بين سجين وآخر. المحكوم بالإعدام يتشارك الزنزانة مع موقوفين بجرائم مختلفة، من تعاطي المخدرات والاتجار بها إلى السرقة والاحتيال. وهناك محكومون يقضون في السجن عشرين سنة في انتظار تنفيذ الحكم، ويقول أحد الضباط لـ«القوس»: «تعوّدوا، بما إنه الإعدام ما عم يتنفذ فالسجين ما عنده حل إلا بالتأقلم».

خدمة الطب النفسية أكثر من ضرورية
يمر المحكوم بالإعدام في واحدة من مرحلتين، إما التقرب إلى الدين والله للتكفير عن ذنبه، أو النقمة على المجتمع والدولة والقانون. وفي حال قبول العفو عن الإعدام، تؤكد أخصائية العلوم النفسية علا البيطار أن غالبية المعفى عنهم يبدأون مرحلة جديدة في حياتهم للتعويض عن خطأهم. ولكن، في حالات استثنائية، قد يقوم المعفى عنه بالانتقام من المجتمع والدولة. لذلك، يفترض أن تتابع الضابطة العدلية المعفى عنهم لعدم ارتكاب أي رد فعل جرمي، كما يفترض تقديم الخدمات الطبية النفسية لهم، كما لكل محكوم بالإعدام داخل السجون لتجنب ارتكابه فعلاً جرمياً إضافياً، كتعاطي المخدرات مثلاً.

43.4% من المحكومين بالإعدام قضوا بين 16 و25 عاماً في السجن


يبلغ عدد المحكومين بالإعدام في لبنان اليوم 82 شخصاً، أصغرهم في الثامنة عشرة وأكبرهم في الثالثة والسبعين، من بينهم أربع نساء (ثلاث منهن يحملن الجنسية السريلانكية). 51% من المحكومين بالإعدام لم يحصلوا على أكثر من التعليم الابتدائي، و15٪ التحقوا بالتعليم العالي. كما أن من بينهم 5 أميين، و7 لم يذهبوا إلى المدرسة مطلقًا لكن يمكنهم القراءة قليلاً، و15 وصلوا إلى المدرسة الابتدائية فقط. معظم المحكوم عليهم بالإعدام عملوا قبل اعتقالهم أجراء أو عمال، لا سيما في قطاع البناء، وثلاثة منهم كانوا من قوى إنفاذ القوانين (الشرطة والجيش). كما أن 44% ممن استجوبوا متزوجون ولديهم طفل. أما النساء فهن ربة منزل وثلاث عاملات منزليات. (دراسة أجرتها جمعية عدل ورحمة عام 2020 عن 53 سجيناً محكوماً بالإعدام).
62,3% من المحكومين بالإعدام لبنانيون، و24.5% سوريون، و5.7% سريلانكيون، و3,8% فلسطينيون، و1,9% مصريون، و1.9% عراقيون. وهم يتوزعون على الشكل التالي: 83% في سجن رومية، 14% في سجن القبة، 2% في سجن بربر خازن، و1% في سجن جزين. 88.7% حُكموا لارتكابهم جرائم قتل، و9.4% بسبب التعامل مع العدو، و1.9% لارتكابهم جرائم إرهابية. 43.4% من السجناء المحكومين بالإعدام قضوا بين 16 و25 عاماً، في السجن و39.6% أمضوا ما بين 6 و15 عاماً، و13.2% أقل من خمس سنوات، و3,8% أكثر من 25 عاماً (المصدر: تحقيق نشر عام 2021 من قبل منظمة عدل ورحمة).

عقوبة الإعدام تردع؟
العقوبة هي ردة فعل اجتماعية في وجه الجريمة والمجرم. فمن تثبت مسؤوليته عن جريمة يفترض أن يعاقب لأن ارتكاب أي جريمة يثير في المجتمع شعوراً بالاستنكار وينشأ خطر تكرارها. للعقوبة هدف واضح، وهو «مكافحة الجرائم». وكانت العقوبة في التشريعات القديمة شديدة القسوة وكان التنكيل عنصراً أساسياً فيها، أما اليوم فتأخذ منحى يجرّدها من طابعها الانتقامي والارهابي إلى وسيلة اصلاح أو استئصال. وتهدف قوانين العقوبات الجزائية إلى الردع لعدم تكرار الفعل الجرمي من قبل الفاعل وحماية المجتمع عبر حجز حرية مرتكبي الجرائم، وبالتالي ابعادهم عن ضحاياهم الاضافيين في حال تكرار الجرم، وإعادة التأهيل لإعادة اندماج المرتكب في المجتمع بعد اصلاح سلوكه الجنائي.
الإعدام عقوبة نص عليها القانون اللبناني، لا تحتلف في هدفها وخصائصها عن مفهوم العقوبة العام كما أشرنا سابقاً، والتي تهدف إلى الردع. لكن، منذ عام 1943 إلى يومنا، أُعدم 53 شخصاً لارتكابهم جرائم القتل والإرهاب والعمالة، فيما هناك اليوم 82 محكوماً بالإعدام للأسباب ذاتها، بينما ارتفع معدل القتل اليوم في لبنان منذ مطلع هذه السنة، مثلاً، بنسبة 15% مقارنة بالأشهر الثلاثة الأولى من عام 2021 (المصدر: الدولية للمعلومات)، فهل تحقق هدف العقوبة، أي الردع، لعدم تكرار الفعل الجرمي المعاقب عليه؟
أما بالنسبة إلى إعادة تأهيل السجين فكيف يمكن تحقيق هذا الهدف، وهو الهدف الأهم للعقوبة، لدى ازهاق روح مرتكب الجريمة عبر إعدامه؟ بعيداً من العاطفة التي تسيطر على أغلبية قراراتنا، يفترض ان يتم دراسة عقوبة الإعدام من وجهة نظر علمية (علم العقاب) وجنائية لتحديد مدى تأثير هذه العقوبة بشكل عام على مجتمعنا وعلى السلوك الجنائي للمجرمين. ويبقى التساؤل المطروح عند تنفيذ عقوبة اعدام بحق مجرم تثبت في ما بعد براءته: أين هو مبدأ العدالة والانصاف، وما هي مسؤولية القاضي في اعدام متهم لم تثبت إلا بعد تعليقه على حبل المشنقة؟



53 إعداماً منذ 1943
53 هو عدد السجناء الذين أُعدموا في لبنان منذ عام 1943 (الدولية للمعلومات)، 14 سجيناً أعدموا بالرصاص والباقون شنقاً.
بعض أبرز الأسماء:
■ سعيد متري لطيف أعدم شنقاً عام 1947
■ علي حسن عمار أعدم شنقاً عام 1948
■ شارل الباشا أعدم بالرصاص عام 1949
■ معروف محمد موفق أعدم بالرصاص عام 1949
■ موسى موسى أعدم شنقاً عام 1951
■ رمزي فياض أعدم شنقاً عام 1957
■ جرجس حنا لولش أعدم شنقاً عام 1970
■ إبراهيم طراف طراف أعدم شنقاً عام 1983
■ ريمي زعتر أعدم بالرصاص عام 2004
■ أحمد منصور أعدم شنقاً عام 2004

المصدر: دراسة من أوغاريت يونان كاتبة وباحثة، متخصصة في علم الاجتماع وفي التربية السياسية