تعدُّ عقوبة الإعدام موروثاً قديماً منذ بدء الخليقة، حين قرّر البشر إما الانتقام من القاتل أو إنزال القصاص القاسي به. ومع تطور البشريّة، انقسمت المجتمعات الحديثة بين من ترى في قتل المجرم جريمة مقوننة يرتكبها مجتمع قاتل، وبين أنصار الإعدام الذين يرونه رادعاً للجريمة. ويبدو ان المجتمع اللبناني بشكل عام يميل الى الفريق الأخير. لكنه، كالعادة، يتّبع طريقاً ملتبساً عبر النصّ على ضرورة توقيع الحكم بالإعدام مع إرجاء تنفيذه إلى أجل غير مسمّى. وتبرز أهمية بحث مسألة الإعدام انطلاقاً من أن من يقرره محكمة يرأسها قاض بينما يمكن ان تعطله جهات سياسية. وبالتالي، فان صلاحية انهاء حياة انسان بيد القضاء وحده بينما صلاحية العفو عنه وتجميد عقوبة الإعدام بيد اهل السياسة، بمرسوم عفو رئاسي او بقانون عفو يصدر عن مجلس النواب. أضف الى ذلك قوننة التمييز بين جنسيات المحكومين. فالمجرم إذا كان يحمل فرنسياً أو يونانياً، مثلاً، لن ينفّذ هذا الحكم في حقه.
منذ عام 1943، وضع قانون العقوبات اللبناني الإعدام على رأس العقوبات الجنائية العادية في مادته الرقم 37، وذلك كعقوبة على الجنايات البالغة الخطورة. لكن، في العام 1958، قرّر مجلس النواب تطبيق عقوبة أيضاً على الاعتداء أو محاولة الاعتداء التي تستهدف إما إثارة الحرب الأهلية أو الاقتتال الطائفي بتسليح اللبنانيين أو بحملهم على التسلح بعضهم ضد بعض، وإما بالحضّ على التقتيل والنهب والتخريب.
عام 1994، قرّر البرلمان اللبناني تطبيق عقوبة الإعدام في القتل قصداً أو بدافع سياسي أو إذا كان له طابع سياسي، خلافاً لقانون العفو العام الذي صدر بعد انتهاء الحرب الأهلية وتعليق بعض أحكام قانون العقوبات بموجب القانون 30. لكن، بموجب القانون الرقم 338 تاريخ 2/8/2001، ألغيت أحكام هذا القانون وأعيد العمل بأحكام مواد قانون العقوبات التي كانت نافذة قبل صدوره.
وبسبب خطورة هذه العقوبة، لا يجوز أن تصدر عن المحكمة المختصة إلا في حالات محدّدة، عدّدها قانون العقوبات في حالات القتل قصداً أو جنايات الخطر الشامل أو الإرهاب، أو تلك الواردة في قانون القضاء العسكري، أو قوانين مختلفة كقانون سلامة المواد الغذائية الذي نصّ على الإعدام في حال التسبب في موت إنسان عند طرح مواد غذائية ملوثة أو فاسدة أو منتهية مدة استعمالها (م. ا. 71/1983)، أو قانون المحافظة على البيئة ضد التلوث من النفايات الضارة والمواد الخطرة (64/1988) اذا ثبت قيام الفاعل عن قصد بنشر مرض وبائي نجم عنه وفاة إنسان أو أكثر.

إجراءات تنفيذ حكم الإعدام
خلافاً لما يعتقد كثر من اللبنانيين، فإن عقوبة الإعدام منصوص عنها في قانون العقوبات اللبناني ومعمول بها، بغضّ النّظر عما إذا كانت تنفّذ أم لا. فالأحكام الصادرة عن المجالس العدلية وعن محاكم الجنايات الجزائية والعسكرية لا تزال تتضمّن أحكاماً تنص على الإعدام، لكنها لا تنفّذ لسبب يرتبط بالإجراءات المنصوص عنها لتنفيذها.
وقد نظّم قانون العقوبات أصول تنفيذ حكم الإعدام، فنصّ في مادته الرقم 43 على عدم جواز التنفيذ قبل استطلاع رأي لجنة العفو وموافقة رئيس الدولة الذي يصدر مرسوماً يوقّعه مع رئيس الحكومة ووزير العدل بتنفيذ الحكم ومكان ووسيلة التنفيذ. وفي آلية التنفيذ، ينص القانون على شنق المحكوم عليه بالاعدام داخل بناية السجن او في أي محل آخر يعيّنه المرسوم، أما إذا كان الحكم صادرا عن القضاء العسكري فتنفذ الاحكام القاضية بالاعدام رميا بالرصاص. ويحظر تنفيذ الإعدام أيام الآحاد والجمع والأعياد الوطنية أو الدينية.
وتتضمن إجراءات تنفيذ الحكم ما يلي:
1. بموجب المادة 420 وما يليها من قانون أصول المحاكمات الجزائية، يجري إنفاذ الحكم بالإعدام بحضور الأشخاص الآتي ذكرهم:
• رئيس الهيئة التي أصدرت الحكم، وعند تعذر حضوره يكلف الرئيس الأول لمحكمة التمييز قاضياً لهذا الغرض.
• النائب العام لدى المحكمة التي أصدرت الحكم أو أحد معاونيه.
• قاض من محكمة الدرجة الأولى المدنية التابع لها مكان التنفيذ.
• كاتب المحكمة التي أصدرت الحكم.
• محامي المحكوم عليه.
• أحد رجال الدين من الطائفة التي ينتمي إليها المحكوم عليه.
• مدير السجن.
• قائد الشرطة القضائية في بيروت أو من ينتدبه أو قائد سرية الدرك التابع له مكان التنفيذ أو من ينتدبه.
• طبيب السجن أو الطبيب الشرعي في المنطقة.
2. قبل إنفاذ الحكم، يسأل القاضي المدني المحكوم عليه عما إذا كان لديه ما يريد قوله أو بيانه قبل إعدامه، ويُدوَّن ذلك في محضر خاص يوقعه مع كاتبه.
3. ينظّم كاتب المحكمة التي أصدرت الحكم محضراً بانفاذ الإعدام يوقّعه الحاضرون، وتعلق صورة عن المحضر مدة أربع وعشرين ساعة في مكان تنفيذ الحكم، وتحفظ عنه نسخة مع أصل الحكم المحفوظ لدى المحكمة.
4. يحظر نشر أي بيان في الصحف يتعلق بتنفيذ الإعدام ما عدا المحضر. وكل مخالفة لهذا الحظر تعرض مرتكبها لعقوبة الغرامة المنصوص عليها في المادة 420 من قانون العقوبات.
5. ينظّم المدعي العام أو نائبه وثيقة الوفاة المفروضة في هذا القانون ويرسلها في خلال اسبوع الى قلم الاحوال الشخصية الكائن في الجهة التي وقع فيها الاعدام، وتُدوَّن هذه الوثيقة في سجل قيود الوفيات. ولا يجوز ان يدرج في سجل الاحوال الشخصية أي شيء عن الإعدام او ظروف الوفاة بموجب المادة 37 من قانون قيد وثائق الاحوال الشخصية الصادر في 7/12/1951.
6. اذا نفذ حكم الاعدام في يوم واحد بعدة اشخاص يرث كل منهم الآخر، على المحكمة ان تعيّن مواقيت إعدام كل منهم تباعاً بالاستناد الى الظروف، واذا تعذّر تحديد مواقيت الوفيات اعتبر جميع الهالكين في الحادث الواحد متوفين في وقت واحد وانتقل ارث كل منهم الى ورثته الاحياء عملا بالمادة 7 من قانون الارث لغير المحمديين الصادر في 23/6/1959.

إعدام الحامل والأطفال ممنوع
يؤجل تنفيذ الاعدام بالحامل الى ان تضع حملها وهو ما يتوافق مع البروتوكولين الاضافيين إلى اتفاقيات جنيف لحماية ضحايا الحرب المبرم بالقانون 613/1997 الذي ينص في مادته 76 على تجنب، قدر المستطاع، اصدار حكم بالاعدام على أولات الأحمال أو أمهات صغار الأطفال اللواتي يعتمد عليهن أطفالهن، بسبب جريمة تتعلق بالنزاع المسلح. ونص قانون اصول المحاكمات الجزائية في المادة 420 على عدم تنفيذ حكم الإعدام بالحامل إلا بعد انصرام مدة عشرة أسابيع على وضع حملها.
ينص القانون على شنق المحكوم عليه بالاعدام داخل بناية السجن


عام 1990 انضم لبنان الى اتفاقية هيئة الأمم المتحدة لحقوق الطفل بموجب القانون 20/1990 التي تنص في المادة 37 على كفالة الدول الأطراف بعدم جواز فرض عقوبة الإعدام أو السجن مدى الحياة بسبب جرائم يرتكبها أشخاص تقل أعمارهم عن ثماني عشرة سنة من دون وجود إمكانية للإفراج عنهم.
وانسجاما مع هذه الاتفاقية، صدر عام 2002 قانون حماية الاحداث المخالفين للقانون أو المعرّضين للخطر (قانون رقم 422 - صادر في 6/6/2002) الذي نص في مادته 15 على تخفيض عقوبة الإعدام للحدث الى الحبس من خمس إلى خمس عشرة سنة.

دول ألغت الإعدام تحمي مواطنيها من العقوبة
عام 1970، وقع لبنان الاتفاقية القضائية مع إيطاليا وقد نصت مادتها السابعة عشرة على عدم منح طلب استرداد المجرمين إذا كان الفعل الذي من أجله طلب الاسترداد معاقباً عليه بالإعدام بموجب قانون الفريق صاحب الطلب. وإذا كانت هذه العقوبة غير ملحوظة في حالة كهذه في تشريع الفريق المطلوب منه الاسترداد، فإن الاسترداد يمكن أن لا يمنح إلا بشرط أن يعطي الفريق صاحب الطلب تأكيدات يعتبرها الفريق الثاني كافية بأن الإعدام لن ينفذ (مبرمة بموجب المرسوم 3257/1972)
عام 1975، وقع لبنان اتفاق تعاون قضائي مع اليونان تضمنت مادته السابعة عشرة النص ذاته (مبرم بموجب القانون 6/1985). وفي عام 2002 ورد نص مشابه في المادة 5 من اتفاقية الاسترداد بين لبنان وبلغاريا (مبرم بموجب قانون رقم 468/2002).
عام 2006، أبرم لبنان مع المجلس الفدرالي السويسري اتفاقاً حول اعادة قبول الاشخاص ذوي الوضع غير النظامي بموجب المرسوم رقم 16103/2006، وينص على أنه في حالة عبور الأشخاص يتم رفض طلب عبور رعايا الدول الثالثة اذا وجد الادلة الكافية بأن الشخص المعني مهدد في بلد المقصد أو في دولة عبور محتملة، بمعاملة غير انسانية أو بالاعدام.

لا إعدام أو سجن مدى الحياة بسبب جرائم يرتكبها أشخاص تقل أعمارهم عن ثماني عشرة سنة


وأعربت الحكومة البريطانية في مذكرة وجّهتها إلى الحكومة اللبنانية عن معارضتها اللجوء إلى عقوبة الاعدام في كافة الظروف وأنها لن تعمل على ترحيل اي شخص الى لبنان اذا كان سيواجه لدى عودته خطراً جدياً بتطبيق عقوبة الاعدام بحقه. واذا ما تم الحكم بالاعدام على اي شخص في وقت لاحق لاعادته الى لبنان، فان الحكومة البريطانية ستنظر في الطلب الى الحكومة اللبنانية تخفيف العقوبة. وقد أوردت هذا النص في ملحق مذكرة تفاهم بين حكومة المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وايرلنده الشمالية وحكومة الجمهورية اللبنانية بشأن توفير ضمانات في ما يتعلق بأفراد معرّضين للترحيل المبرم بالمرسوم رقم 16536/2006.
عام 2016، وقعت الجمهورية اللبنانية اتفاق تعاون في مجال الدفاع مع الجمهورية الفرنسية، نصت المادة السابعة منه على أنه يتعهد الفريق اللبناني أنه في حال استحق عنصر من الفريق الفرنسي حكم الإعدام، لا يتم طلب هذا الحكم أو لفظه، وإذا تم ذلك فيتم الحرص على ان لا تنفذ هذه العقوبة.



العفو السياسي
يمكن للسياسيين اتخاذ القرار بالعفو عن المحكوم بالإعدام ، حيث يبرز دور السياسة في محو هذه العقوبة والعفو عنها. ويكون العفو العام إما بقانون عن مجلس النواب ، أو بمرسوم خاص. إذ يمكن أن يمنح العفو الخاص بمرسوم رئاسي وفق أحكام المادة 53 من الدستور، كما يمكن ابدال عقوبة الاعدام بحق المحكوم عليه، بعقوبة الاشغال المؤبدة بعد أن يُرفع طلب العفو الخاص عن عقوبة الإعدام إلى رئيس الجمهورية مباشرة أو بواسطة وزير العدل بموجب المادة 391 وما يليها من قانون اصول المحاكمات الجزائية، وذلك بعد الاطلاع على رأي لجنة العفو التي يؤلفها مجلس القضاء الأعلى.


المادة 6: الميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي أبرمه لبنان بموجب القانون رقم 1/2008
لا يجوز الحكم بعقوبة الإعدام إلا في الجنايات البالغة الخطورة وفقاً للتشريعات النافذة وقت ارتكاب الجريمة وبمقتضى حكم نهائي صادر من محكمة مختصة، ولكل محكوم عليه بعقوبة الإعدام الحق في طلب العفو أو استبدالها بعقوبة أخف


المادة 6: العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي انضم اليه لبنان بموجب المرسوم 3855/1972
لكل إنسان حق أصيل في الحياة، ويتمتع هذا الحق وجوباً بحماية القانون، ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفاً.
لا يجوز، في البلدان التي لم تقم بإلغاء عقوبة الإعدام، إن يحكم بهذه العقوبة إلا عن أشد الجرائم خطورة ووفقاً للقوانين السارية عند ارتكاب الجريمة وغير المخالفة لأحكام هذا العهد ولاتفاقية منع جريمة إبادة الأجناس وقمعها، ولا يجوز توقيع هذه العقوبة إلا تنفيذاً لحكم نهائي صادر عن محكمة مختصة.