يشكّل الأمن الانتخابي جزءاً أساسياً من العملية الانتخابية. ويأخذ منحى أكثر أهمية هذه السنة، في ضوء حماوة المعركة السياسية وتعامل كل الأطراف معها على أنها مصيرية، إضافة إلى أن سوء الأوضاع المعيشية وتفلّت الأمن الداخلي يشكلان عنصراً ضاغطاً إضافياً.المعضلة الأمنية الأساسية في استحقاق 2022 تكمن في حماية مندوبي المرشحين واللوائح داخل أقلام الاقتراع. فمعلوم أن قوى الأمن مولجة بحماية مراكز الأقلام من الداخل فيما توكل إلى الجيش مهمة حمايتها من الخارج. وكل المعنيين بإجراء الانتخابات عملانياً، يعرفون أن ضبط الأمن وحماية المندوبين منعاً لأي عمليات غير سليمة داخل أقلام الاقتراع مهمة أساسية لسلامة العملية الديموقراطية. ونظراً إلى التوتر السياسي، ووجود لوائح معارضة حزبية ومن المجتمع المدني وقوى تغييرية، فمن المرجح ارتفاع نسبة التوتر داخل الأقلام، لا سيما في مناطق معروفة بحساسيتها. وهذا سيكون أحد التحديات الأساسية أمام قوى الأمن، إضافة إلى تأمين حماية العملية برمتها، وهي من مسؤولية الجيش. علماً أن أمام الأخير مهمتين أمنيتين أساسيتين يحتاج إلى تخصيص جهد مضاعف لمواكبتهما، هما الانتخابات وزيارة البابا فرنسيس المبدئية في حزيران. والمهلة أمام الجيش قصيرة نسبياً، لا تتعدى أسابيع، للاستعداد للحدثين. وهو إذ ينتظر مزيداً من الوقت لتتضح الصورة أكثر في ما يتعلق بالاستعداد لزيارة البابا والتنسيق الأمني فيها، فإنه في المقابل وضع الانتخابات على الطاولة.
بحسب المعلومات، فإن الجيش على «جاهزية تامة» لمواكبة الاستحقاق، وهي جاهزية بدأت ترتسم على الورق في خطة عملانية ليوم الانتخابات. فبعد إطلاق وزارة الداخلية صفارة الانطلاق اللوجستي والأمني للأجهزة التابعة للوزارة، يتولى الجيش من جهته وضع خطته الخاصة قبل عقد اجتماعات تنسيقية مع قوى الأمن والأجهزة الأخرى.
يتولى الجيش عادة حماية مراكز الاقتراع خارجها، وفي انتظار تحديد كامل ونهائي لكل مراكز الاقتراع، تعكف الأجهزة المختصة في المؤسسة العسكرية على التحضير لنشر القوى العسكرية وتحديد رقم العديد ووضع خطة مواكبة لتأمين متطلبات العسكر اللوجستية وتأمين متطلباتهم ليوم كامل. ولذلك تعقد اجتماعات تنسيقية قبل الانطلاق إلى المرحلة الفعلية واستكمال كل عناصر الجاهزية.
ولا شك في أن الوضع المعيشي لعناصر الجيش يطرح علامات استفهام حول القدرة الفعلية للجنود على الحضور الأمني بفعالية في يوم الانتخاب. لا سيما أن هذا الوضع يتفاعل منذ أشهر نتيجة انهيار رواتب العسكريين وتأثير ذلك في وضع المؤسسة العسكرية ومحاولات تأمين مساعدات نقدية وإعانات غذائية وحياتية. لكن هذا المشهد، بحسب مصادر أمنية رفيعة المستوى، رغم قساوته على معنويات العسكر، لم يؤثر في أداء الجيش في كل المناطق، لا بل إن السجل الأمني لا سيما في الأسابيع الأخيرة، يظهر حجم الملاحقات والتوقيفات التي تتم يومياً، وهي تبلغ العشرات من مرتكبي الحوادث الأمنية والجرائم والسرقات وكل ما له علاقة بالإخلال بالأمن. وسيكون الوضع مماثلاً يوم الانتخابات. فالجنود سيكونون على جاهزيتهم، مهما كانت الصعوبات التي يمرون بها. لكن، في المقابل فإن الأمن، كما هي الحال دائماً، أمن سياسي بالدرجة الأولى، ولا يتعلق فقط بالتدابير العسكرية. والقوى السياسية والمرشحون مدعوون للتعاون وتخفيف التشنج وتأمين ظروف العملية الانتخابية كي تمر من دون عوائق.
استعدادات عملانية للجيش ستظهر تباعاً في كل المناطق عبر تعزيز الحضور والحواجز والعمل الأمني


وبما أن الأمن الانتخابي لا يتعلق بيوم الانتخاب فحسب، فسيضيف الجيش قبل شهر من الانتخابات، على خريطة انتشاره الحالي، استعدادات عملانية ستظهر تباعاً في كل المناطق عبر تعزيز الحضور والحواجز والعمل الأمني لمواكبة الانتخابات مسبقاً.
لا يدخل الجيش في فرضيات تأجيل الانتخابات، فهذا الأمر متروك لظروف سياسية وانتخابية، لا يقاربها من قريب أو بعيد. ما يعنيه أمنياً هو أنه «لا ينام على حرير»، ويرصد كل ما يمكن أن يمس الوضع الداخلي من خلايا إرهابية أو مخاوف من انهيار اجتماعي والمس بسعر الصرف. وهو مصرّ على إعطاء رسالة واضحة أنه رغم معاناته سيعمل ما في وسعه لتأمين سلامة العملية الانتخابية، متنبهاً لكل ما يمكن أن يشكل نقاط توتر أو إشكالات، ويحاول مسبقاً تطويقها وعدم تركها تتفاعل. وهو مدرك أن الحساسيات الانتخابية وافتعال مشكلات محلية وتمزيق صور ولافتات من عدة الشغل النيابية العادية، وبدأت تظهر من حين إلى آخر، وتجري معالجتها سريعاً، إلا أنها في مرحلة حساسة يمكن أن تخلق بؤرة توتر أمني. لذا سيكون الجيش محتاطاً لكل ما من شأنه أن يضاعف من هموم الأمن قبل الانتخابات وزيارة البابا. وهما تحديان مهمان بعد مرحلة 17 تشرين وما رافقها من ظروف أمنية صعبة، تمكن من عبورها بأقل الأضرار الممكنة.