لا ريب في أنّ السعودية باتت، بالنسبة إلى بعض المسؤولين في لبنان، بمثابة «الفزّاعة»، فلا يكاد طرف ينبس ببنت شفة لانتقادها، حتى يُسارع رئيسا الجمهورية والحكومة، وآخرون، إلى التبرّؤ من موقفه.
فبعد خطاب الأمين العام لحزب الله، السيّد حسن نصر الله، ذي السقف العالي تجاه السعودية أمس، والذي اتهمها فيه بالإرهاب، سارع رئيس الحكومة، نجيب ميقاتي، إلى إصدار بيان تنصّل فيه مما قاله السيّد نصر الله بحق المملكة معتبراً أنّه «لا يمثل موقف الحكومة اللبنانية والشريحة الأوسع من اللبنانيّين»، ليلاقيه، اليوم، رئيس الجمهورية، ميشال عون، بموقف مماثل عبّر فيه عن «تمسّكه بموقف لبنان الرسمي الذي عبّر عنه في رسالته الأخيرة إلى اللبنانيّين لجهة الحرص على علاقات لبنان العربية والدولية، لاسيّما منها دول الخليج العربي وفي مقدمها السعودية»، قائلاً إنّ «هذا الحرص يجب أن يكون متبادلاً لأنّه من مصلحة لبنان والدول الخليجية على حد سواء».

إلا أنّ عون تمايز عن ميقاتي بتفاديه تسمية السيّد نصر الله أو حزب الله، ما يؤشّر إلى نية لديه ولدى تياره بعدم التصعيد في وجه «حليفه»، لا سيّما بعد الإيجابية التي أبداها السيّد نصر الله أمس وكلامه حول تمسّكه بتفاهم «مار مخايل» وتجاوبه مع دعوة رئيس التيار الوطني، جبران باسيل، إلى «تطويره» عبر إبداء الاستعداد لذلك.

ويلتحق عون وميقاتي، بموقفهما هذا، بمن اعتبرهم السيّد نصر الله، في خطابه أمس، «يخافون أن يفتحوا أفواههم في هذا البلد»، فيما «نحن لسنا خائفين لأنّ لنا كرامتنا».

وقد استدعى موقف ميقاتي رداً من النائب حسن فضل الله الذي اتهمه بالارتداد ضدّ الداخل اللبناني معتبراً أنّه يستجدي رضى من يصرّ على الإساءة إلى اللبنانيّين، فيما لم يحظ حتى اليوم بمجرّد اتصال من السفير السعودي لدى لبنان.

وقال فضل الله، في بيان، إنّه كان يُنتظر من ميقاتي «أن يعلي من شأن الانتماء الوطني وينتفض لكرامة وطنه في وجه الإساءات المتكرِّرة من المملكة العربية السعودية ضد الشعب اللبناني، وآخرها تصريحات ملكها ضد شريحة واسعة من اللبنانيّين باتهامها بالإرهاب»، معتبراً أنّه بدل أن يسارع ميقاتي، «الذي يُفترض أنه وفق الدستور رئيس حكومة جميع اللبنانيين، إلى الدفاع عن من يمثل دستورياً، فإنه ارتدّ ضدّ الداخل اللبناني، وأطلق عبارات التشكيك بولاءات جزء كبير من هذا الشعب بكلّ ما يمثله تاريخياً وحاضراً ومستقبلاً، وهو ما كنَّا نربأ بدولته أن يرتكب مثل هذا الخطأ الفادح استجداء لرضى من يصرّ على الاستمرار في الإساءة إلى اللبنانيين جميعاً وفي طليعتهم الرئيس ميقاتي نفسه الذي رغم كل التنازلات التي قدّمها بما فيها: استقالة وزير الاعلام، وإطلاق المواقف والتصريحات التي تخالف حتى ادعاء النأي بالنفس، والمحاولات الدؤوبة التي بذلها هو ووزير خارجيته منذ توليهما المسؤولية، فإنه لم يحظ بمجرد اتصال من سفير المملكة في بيروت خلافاً لكل الأعراف الديبلوماسية والأصول وأدب العلاقة والتخاطب».

وشدّد على أنّ «انتماء المقاومة إلى وطنيتها اللبنانية لا يحتاج إلى مناداة من أحد، أو شهادات بلبنانيتها»، معتبراً أنّ «أكثر ما يسيء إلى لبنان ودوره ونديَّة علاقاته الخارجية تخلّي بعض مسؤوليه عن واجبهم الوطني في الدفاع عن دولتهم ومصالح شعبهم، وعدم الإقلاع عن مهاتراتهم، وتسجيل المواقف في حساب ممالك لن ترضى عنهم مهما قدموا من تنازلات وهدروا من ماء وجههم».