لا جلسة لمجلس الوزراء اليوم، ولا قبل أن يفرج الوزير جبران باسيل عنه. فمطلب تسليم المطلوبين هو الحد الفاصل بين انعقاد المجلس وعدم انعقاده. توجهٌ فرضه باسيل كأبسط ردّ اعتبار على محاولة لكسره في الجبل، هو الذي اعتاد منذ بداية العهد الرئاسي عدمَ الانكسار. لذلك، بالرغم من السعي المشترك من قبل جميع الأطراف لاستيعاب ما حصل في عاليه وضبط تداعياته، لا يزال باسيل مصراً على زيارة طرابلس، انطلاقاً من أن التراجع عن الزيارة، بعد التراجع عن زيارة كفرمتى، تحت الضغط الشعبي والمسلح للحزب الاشتراكي، ستكون أضراره كبيرة على صورته مرشحاً لرئاسة الجهمورية.يدرك باسيل أنه المستهدف الأول من كل ما حصل في قبرشمون، ويدرك أيضاً أن وليد جنبلاط تمكن من فرض معادلته بالقوة العسكرية، التي أعلن جاهزيتها للدفاع عن الوجود الجنبلاطي في وجه من يريد القضاء على دوره. أمس أيضاً، ثبّت جنبلاط المعادلة بالتأكيد أن مفاصل الطائفة في يده، وأن المثالثة في الجبل مجرد وهم، لكن من دون أن يلغي الوجود السياسي لخصميه طلال أرسلان ووئام وهّاب. بقي أمامه تصويب العلاقة مع حليفه القديم سعد الحريري، فكان له ذلك بمبادرة من الرئيس نبيه بري، الذي جمع الطرفين في عين التينة، أمس، ونجح في «تبديد الشوائب التي اعترت العلاقة بينهما». والترميم هنا إنما ظهر على شكل حرص من الرئاسة الثانية على إعادة إحياء «حلف الطائف»، أكثر منه سعياً إلى ترميم العلاقة بين حليفيه. علماً أن ذلك لن يكون سهلاً في ظل الأولوية التي يوليها الحريري للتسوية الرئاسية وحلفه المتين مع باسيل.
بالنتيجة، أدرك جميع الأطراف أن تحويل جريمة البساتين إلى المجلس العدلي لن يتحقق. الحد الأقصى تسليم المطلوبين الأساسيين، بعدما أُوقِف ما يزيد على 30 مشاركاً في أحداث الأحد الماضي. لكن في المقابل، فإن لوليد جنبلاط شروطه التي نقلها إلى اللواء عباس إبراهيم: ليس الاشتراكيون وحدهم من أطلق النار، وبالتالي على النائب طلال أرسلان أن يسلّم بدوره من أطلق النار من ناحيته.
تلك خطوة يتوقع أن تكون مفتاح الحل، الذي يعمل إبراهيم على إنضاجه. لكن جنبلاط قرنها بالاستعداد للانفتاح والحوار، وبتأكيد أن أبواب الجبل عديدة، ومنها «بوابة خلدة التي أحترمها بالرغم من كل شتائمه لي، وليته احترم فقط اسم ومقام آل أرسلان ماشي الحال، وكذلك وئام وهاب وصالح الغريب يوجد الكثير من الأبواب، لكن ثمة أبواب صحيحة وطرق مقبولة وموضوعية». كذلك أكد أن الجبل ليس ممنوعاً على أحد، وخاصة على الوزير جبران باسيل، لكنه سأله: «لماذا لا يذهب وحده من دون الخطاب الاستفزازي وهذه المواكبات الأمنية الهائلة من الجيش والوحدات الخاصة؟».
لم يقدم جنبلاط على خطوته إلا بعدما رسم خطاً أحمر بالدم والتوتر والاستنفار العسكري، ثم بالتفاف المرجعية الدرزية حوله، إن كان عبر اجتماع المجلس المذهبي الدرزي بحضوره، أو عبر حرص مشايخ الطائفة على وحدة الجبل. وكل ذلك ارتبط بثقة جنبلاط بأن حزب الله لا يريد الفتنة في الجبل. فقد أيقن سريعاً أن ما صدر عن الوزير محمود قماطي لا يعبّر عمّا دار في اجتماعه مع أرسلان، الذي عكس رغبة في التهدئة، وهو ما تأكد منه بعد تواصل مقربين منه مع مسؤولين في الحزب.
بخطواته هذه، تمكّن جنبلاط من قلب الآية. فأرسلان لم يعد كما في اليوم الأول قادراً على رفع الصوت وفرض شروطه، بالرغم من أن الدم لا يزال على الأرض، وبالرغم من أن الضحايا لم يدفنوا بعد. صار بحاجة إلى مخرج لا يكسره ولا يعلي خصومه. أما مطلب إحالة القضية على المجلس العدلي، فقد رفضها الحريري، قبل لقائه جنبلاط، وهو حكماً سيتمسك بقراره بعد اللقاء، وإن سأله أرسلان، بعد لقائه وزير الدفاع الياس بو صعب، أمس، «بأيّ مبرر سيقف رئيس الحكومة للقول إن هذا الكمين وهذا التعرض للوزير لا يحتاج إلى مجلس عدلي»، داعياً إلى عدم مقاربة الموضوع بخلفية سياسية.
تسليم المطلوبين من كل الأطراف مخرج لأزمة الجبل؟


أكثر من عبّر عن واقعية سياسية كان الوزير السابق وئام وهّاب، الذي التقى الوزير جبران باسيل أمس. وهّاب شدّد منذ اللحظة الأولى على مطلب تسليم المطلوبين من دون أن يتبنى مطلب إحالة القضية على المجلس العدلي. وأمس أيضاً عمد إلى تنفيس هذا المطلب عبر الإشارة إلى أن الأمر سيُبحَث في داخل الحكومة تحت سقف عدم تفجيرها. منطلقه أن استمرار الحكومة أولوية قصوى، خاصة بعد تقرير صندوق النقد الدولي، الذي اعتبر أن الموازنة ستؤدي إلى تخفيض العجز إلى 9.75 في المئة من الناتج المحلي، وليس إلى 7.5 كما أعلنت الحكومة. وذكر الصندوق أيضاً أن شراء السندات الحكومية اللبنانية المقترحة ذات الفائدة المنخفضة سيؤدي إلى تدهور ميزانية المصرف المركزي وتقويض صدقيته، معتبراً أنه «لا ينبغي فرض أي ضغوط على البنوك الخاصة لشراء السندات».
بالتوازي مع المساعي السياسية لتخطي أحداث الجبل، فرض الخلاف الكبير بين أرسلان ومدير المخابرات طوني منصور نفسه على الأزمة. علماً أن علاقة الاشتراكي بالجيش لم تكن أقل توتراً، خاصة بعد المداهمات التي جرت عقب الجريمة التي قابلها الأهالي باستنفار ملحوظ، واعتبرها جنبلاط أمس «غير لائقة بحق مجتمعنا». لكن المحصلة كانت سعي الطرفين، أي جنبلاط وأرسلان، إلى تأكيد الحرص على المؤسسة العسكرية وهيبتها. وأشار أرسلان إلى أنه «إذا أخطأ ضابط أو عسكري، فلا يعني اتهام المؤسسة كمؤسسة».
رسائل بالجملة وزعها جنبلاط عبر المجلس المذهبي الدرزي، فحذّر من «المسّ بوحدة طائفة الموحدين الدروز ضمن التنوع، تحت أي شكل من الأشكال»، ودعا كل القيادات السياسية إلى ملاقاته، «انطلاقاً من حرص الزعيم الوطني وليد جنبلاط، لوأد الفتنة وحقن الدماء ومنع المتربصين بنا من تحقيق مآربهم». وفي رسالته إلى باسيل، رفض المجلس «الخطاب المشحون ولغة الاستقواء ونبش القبور التي طوتها طائفة الموحدين الدروز بالمصالحات التاريخية إلى غير رجعة، مؤكداً أن حرية العمل السياسي تبقى تحت سقف التوازنات الوطنية التي رعاها ميثاق العيش المشترك الذي نص عليه اتفاق الطائف».
لم يكتفِ جنبلاط بذلك، بل وجّه عبر بيان المجلس المذهبي رسالة واضحة إلى كل من رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش عنوانها: لم يعد مقبولاً انعقاد المجلس الأعلى للدفاع من دون وجود ممثل للدروز فيه. وإلى ذلك الحين، فإن المجلس سيكون مجرداً من وسام الميثاقية!