بعد أشهر على احتضانه الأمسيات الموسيقية والشعرية ذات النكهة السورية في قلب بيروت، انتقل «يا مال الشام» (شعر وخمر) من «زيكو هاوس» إلى شوارع دمشق القديمة. هناك، صار له أثر أعمق، وتزايد جمهوره المتعطش لأجواء الشعر والموسيقى التي حُرمتها عاصمة الأمويين بسبب الحرب الأهلية. وبدأ جمهور الثقافة يجد ضالته عند الرابعة مساءً من كل ثلاثاء في «شام محل» الواقع في شارع الأمين المعروف سابقاً باسم «شارع اليهود» في العاصمة السورية. هكذا، خبا ألق السوريين في «زيكو هاوس» واشتعل الحنين إلى العاصمة السورية من أحيائها القديمة. هناك يمرّ ممثلون شباب يلقون القصائد ويستمعون إلى الموسيقى ويشربون نخب مدينتهم التي تحارب الموت ليل نهار.
لكن في بيروت أيضاً، هناك مَن استوحى من تجربة «يا مال الشام»، لكن بنسخة لبنانية معدلة؛ إذ تنطلق اليوم مبادرة جديدة من قبل مجموعة شعراء وكتاب لبنانيين منهم: رامي كنعان، ومحمد نصر الدين، وربيع شلهوب، والزميل معمر عطوي، وزاهر العريضي، ومهدي منصور (الصورة) ونسرين الأشقر. الأخيران سيكونان ضيفي الأمسية التي تنطلق اليوم من «بار عرمرم» (مقابل بارومتر في شارع المكحول ــ الحمرا). وستكون الأمسية دورية تقام كل يوم ثلاثاء، وسيرافقهما عازف العود تميم هلال والرسامة تانيا سمعان. على أن ترسم هذه الأخيرة لوحة من وحي السهرة الأدبية، وتعلق في المكان المملوك لشكيب عبود الذي قدم كل المستلزمات لهذه الأمسية، وفق ما صرّح الشاعر اللبناني رامي كنعان لـ«الأخبار» وأضاف: «صاحب المكان ينتمي إلى الأجواء الثقافية ويودّ أن تكون سمة هذا المكان على هذا الشكل من خلال اللقاء الذي اخترنا له اسم «شهريات»، وهو مزج بين شهريار وشهرزاد». يشرح كنعان مضيفاً: «لن يكون المنبر حصراً على الشعر فحسب، بل سيكون متاحاً لمختلف الفنون والآداب؛ إذ يمكن أن يحلّ في الأسبوع المقبل ضيوف من المخرجين الشباب ليعرضوا أفلامهم القصيرة مثلاً، على أن يتخلّل الأمسية بنحو دائم عزف يكون بمثابة فسحة للجمهور كي يستمع للموسيقى كأنه في سهرة طبيعية». من جانب آخر، يشدد كنعان على أنّ التجربة ستكون طقساً مختلفاً عن الانقسام الثقافي الذي تشهده بيروت وأجواء الشللية وإغلاق كل مجموعة على نفسها بتجاربها. في «شهريات» سيكون المنبر مفتوحاً للجميع، لكن من دون حالات ارتجال أو فوضى. سيطلب المنظمون من أي مشارك أن يملك ديواناً واحداً مطبوعاً على الأقل، باعتبار أن العالم الافتراضي أرسى قواعد لعبة جديدة سمتها الفوضى العارمة، فصار القاصي والداني يعتبر نفسه شاعراً وكفوءاً لاعتلاء المنابر. لكن ألا يكرَّس هذا الملتقى واحداً من أجواء الشللية التي ينتقدها الشاعر الشاب؟ ينفي كنعان ذلك، مشيراً إلى أنّ في هذه الأمسيات لن يكون هناك أي «فيتو» على أي مشارك مهما كان انتماؤه السياسي أو توجّهه الثقافي؛ فالمنظمون بأنفسهم مختلفون سياسياً في الكثير من القضايا ويكتبون بأساليب وطرق مختلفة.