لن تغلق دمشق أبوابها ولن يتوقف قلبها عن الخفقان. تاريخياً، عبرها الطغاة وبقيت عاصمة الياسمين حيةً لا تموت. وإذا كانت تغرق في بحر من دماء في هذه الأيام، إلا أنّ هناك مَن قرّر عدم الاستسلام، وممارسة أبهى أشكال الحياة من خلال الفن. على أن تقدم هذه العروض قبل أن يحلّ الظلام وتغلق المدينة أبوابها، لتستسلم لأصوات الرصاص والاشتباكات. صحيح أنّه جرت العادة أن تقام الأنشطة الفنية عند الثامنة مساء على أقل تعديل، إلا أنّ الفرق التي لا تزال متمسّكة بالعمل باتت تقدم عروضها في الخامسة على سبيل المثال، رافعة شعار «الفن في مواجهة الموت» أو «مسرح الحياة» كما فعل الشاعر والكاتب سامر محمد اسماعيل في تجربته الإخراجية الأولى في المسرح من خلال عرض «ليلي داخلي» الذي لا يزال يقدم على خشبة «مسرح القباني» في الخامسة مساء كل يوم. في حديثه مع «الأخبار»، يقول اسماعيل: «من خلال هذا العرض، أردنا أن نقول لا للموت. لا لموت مدينة بعراقة دمشق. دمشق لن تعيش في سوق الحميدية وحده. لطالما بُنيت المدن حول مسارحها. عبر «ليلي داخلي»، يتجلّى إصرارنا كمسرحيين سوريين على مجابهة نشرات الأخبار الدموية. المسرح هو ذلك الاحتجاج العلني على العنف والقتل. هنا، نرفع الصوت عالياً في وجه الموت العمومي، الموت المجاني. أجل هنا نردد جملة للشاعر السوري أدونيس «وليس الموت صالحاً إلا لكي نعيشه». كنّا نتدرب في العتمة على ضوء الشموع، لا يهم. المهم أن نحافظ على كياناتنا الشخصية كبشر يشاهدون يومياً هذا الأرخبيل السوري الباهظ في دمويته».
في مكان آخر، سبق للممثل والمخرج المسرحي أسامة حلال أن أعلن رفضه المطلق لحالة الركود. تحدّى الموت اليومي عندما قدم رؤية جديدة لنص الراحل سعد الله ونوس «جثة على الرصيف» في دار الأوبرا العام الماضي ليترجم رفضه مرة ثانية بعرض مسرحي راقص جاء ثمرة تعاون مع فرقة «سمة للمسرح الراقص» وحمل عنوان «سيلوفان». قُدم هذا العمل على «مسرح الحمراء» في أواخر العام الماضي. وهذه الأيام، تستمر الفرق الموسيقية بالعزف في «دار الأوبرا» كأنّه معادل موضوعي للمشهد الشهير في فيلم «تايتانيك» عندما تعتصم الفرقة الموسيقية بعزف مقطوعة الحياة حتى تطالها المياة وتغرق. هكذا، ستعزف «فرقة جوزيف طرطريان» في مناسبة عيد الأم، بينما أعلنت جمعيتا «لمسة دفا» و«لبلدي» عن تكريم أمهات الشهداء في دار الأوبرا اليوم مع فرقة «بيركومانيا لآلات الإيقاع» وكورال «ألوان» بقيادة المايسترو حسام الدين بريمو والمغنية ميادة بسليس. يعجن السوريون خبز حياتهم بالإصرار على البقاء ويتشبثون بالفن الراقي في مواجهة دعاة الموت والخراب.