انا أتابع أخبار حفلات السمر بين ضباط لبنانيّين وإسرائيليّين. وكما المفاوضات البحريّة، ينحو لبنان الرسمي — وإن بخطى مريبة وغير صريحة — نحو نوع من التمهيد للتطبيع. يحظى هذا المسار بموافقة ميشال عون ونبيه بري وكلّ الأفرقاء الآخرين، وسط صمت الحزب حفاظاً على التحالف الثنائي الحديدي. قد لا يعلم الشعب اللبناني أنّه عُقد منذ حرب تمّوز 150 اجتماعاً. وهذه الاجتماعات مباشرة، وإن حاولت قيادة الجيش خداعنا عبر القول إنّ شكل الطاولة يجعلها غير مباشرة. فالاجتماعات غير المباشرة تكون عبر وجود كلّ وفد في غرفة منفصلة. الطاولة والكراسي لا تحدّد نوع المحادثات، ومواجهة الطرفيْن لبعضهما البعض في غرفة واحدة وتناول المرطّبات هو تفاوض مباشر. والارتياب من هذه الاجتماعات مُبرّر جداً لأنّ للبنان تاريخ مشين جداً في هذا الصدد. تروي كريستين شولتز في كتاب «ديبلوماسيّة إسرائيل السريّة في لبنان» (ص. 28، معتمدةً على المحضر الإسرائيلي) ما جرى في أوّل اجتماع للجنة الهدنة بين لبنان وإسرائيل. دخل الوفد اللبناني (بقيادة المقدّم توفيق سالم — له شارع باسمه في رأس النبع)، وصاح: «نحن لسنا عرباً. جُررنا إلى المغامرة الفلسطينيّة رغماً عنّا». وكان الوفد اللبناني يتحدّث بصورة غير رسميّة ويطلب بشطب الكلام من المحضر الرسمي. في آخر اجتماع في الناقورة قبل أيّام، طالب رئيس بعثة اليونيفيل، ستيفانو ديل كول، الذي ترأس الاجتماع الثلاثي، بـ «رفع الهدف من اللقاءات من المستوى التقني إلى الهدف الأسمى المتمثّل بتحقيق سلام مستدام». وهذا ما يخالف الهدف والغرض من هذه الاجتماعات. السلام المستدام هو أجندة تطبيع مع إسرائيل، ولم أقرأ أي اعتراض على كلامه حتى الساعة. الحلقة الأخيرة من المفاوضات البحرية التي أعلنها نبيه بري في آخر عهد ترمب، كانت مرتبطة بـ «اتفاقيات أبراهام». هذه الحلقة يجب أن تتوقّف إذا كان لبنان الرسمي صادقاً في رفض التطبيع، وفي رفض وساطة إسرائيلي وقح.