تتكون عين حورس المصريّة الفرعونية الشهيرة من ست قطع، أو ست علامات. وقد قرئت هذه العلامات الهيروغليفية على أنها كسور محددة كما في الصورة أدناه. ومنذ أن جرى التوصل إلى هذا، صار تقسيم العين المفترض إلى كسور لغزاً كبيراً جداً تدور حوله جدالات لا تنتهي، ويُشارك في محاولات حلّه علماء مصريات، وطلاب مصريات، ومؤرّخون، ورياضيون، وعلماء فلك، وهواة من كل نوع. وتُرسم العين أحياناً بشكل معكوس عن الصورة أدناه. بذا، فهناك نموذج يساري ونموذج يميني للعين. أي أننا في الواقع أمام عينين اثنتين لا عيناً واحدة. يؤيّد هذا أن المعبد البطليمي في «كوم امبو»، وفي مشهد لترميم عين حورس، يُجري الحديث عن عينين اثنتين، كما يُجري إضافة الكسر 1/126، أي مضاعفة الرقم 64 مرتين. ومضاعفة الكسر توحي بمضاعفة العين.

تُنسب العين أحياناً إلى حورس (عين حورس)، وأحياناً أخرى إلى رع (عين رع). لكن لها أيضاً علاقة بالقمر. لكن هناك نصوص تشير إلى أنّ عين حورس اليمنى هي الشمس، وأن عينه اليسرى هي القمر. ولأنّ رمزاً مرتبطاً برع وبعدد من الآلهة بهذا الشكل، فقد صار رمز عين حورس يعامل كإله. فهو ينصب كما تنصب تماثيل الآلهة، وتقدم لها التقدمات. وهو في كل حال، مرتبط بعدة آلهة: حورس، رع، أوزيريس، تحوت.

وبدءاً من المملكة الحديثة صار اسم العين «عين وجيت» أو «أوجات»، وتعني: «الكلية» و«المكتملة» و«غير المجروحة». والمعنى الأخير نابع من أسطورة تقول إنّ سيث مزّق هذه العين إلى ستة أجزاء، مثلما كان مزق أوزيريس نفسه. وينسب إلى ثوت (تحوت) الذي له علاقة بالقمر، ترميم العين وربط أجزائها من جديد. والاتجاه العام أنّ الكسور تمثل أجزاء من heqat مكيال القمح والحبوب المصري. ويحدثنا ألن غاردنر، عالم المصريات الشهير، عن حين حورس المقسمة إلى أجزاء على أنها «مكيال الحنطة» في كتابه: النحو المصري: «مكيال الحنطة: الرموز المستعملة هنا، كما يبين الرسم المرافق، مأخوذة من أسطورة قديمة تقول إن عين الإله - الصقر حورس... مزّقها الإله الشرير سيث. لكن إله الطائر إبيس، تحوت، ملأ «العين» أو «أكمل» (مح)، أي العين، لاحقاً، وجمع الأقسام الممزقة معاً، حيث استعادت العين لقبها وجيت «العين السليمة»... ومجموع الكسور معاً تساوي 63/64، وقد افترض أن الكسر المفقود 1/64 أضافه تحوت بطريقة سحرية». وصورة نص غاردنر كاملاً أدناه.

لكن بالطبع هناك الآن من يجادل ضد ارتباط العين بالحنطة ومكيالها. لكن يبدو لي أنّ أقسام عين حورس صارت تستخدم ككسور في المكاييل لاحقاً، أي أنها كانت في الأصل كسوراً لعين حورس، ثم جرى استخدامها ككسور عامة. في كل حال، فإنك إذا جمعت الكسور معاً، فسوف تحصل على الرقم 63/64. أي أنّها أقل من الرقم واحد. بذا فهناك رقم مفقود. وقد رسم أحد الرياضيين الكسور على شكل مستطيل كبير مقسم إلى غرف أو خانات، كما تظهر الصورة أدناه.

وكما نرى في الرسم، فهناك «غرفة» فارغة وغير مشغولة. هذه الغرفة هي التي أحبطت محاولة بعضهم افتراض أنّ العين تمثل الكائن (الواحد الأحد). فهو مقسم على أجزاء، لكنه ينتهي إلى واحد مكتمل. لكنها أيضاً حولت العين إلى لغز تام. وقد استخدمت عين حورس في السحر والطب وفي كل شيء تقريباً. وكانت واحدة من أهم رموز الحضارة المصرية على مدى تاريخها. لكنها تحولت منذ أكثر من قرن إلى لعبة كبرى للرياضيين من كل نوع. فهي مجال مفتوح لكي يجرب فيها الواحد طاقته ومعرفته بالأرقام. وكهاو غريب عن المصريات وعن الرياضيات، لكنه مهتم بالرموز القديمة، فإنني أود أن أدلي بدلوي في عين حورس. وتنهض فرضيتي بشأنها على فكرة أن العين أداة لجمع التوقيتين القمري والشمسي معاً. ومن أجل هذا تتبدى العين كعين مزدوجة. وقد استخدمت تعبير «التوقيت الشمسي» مع أنني لا أفضل استخدام هذا التعبير في الحالة المصرية. فهذا التوقيت لم يكن في الأصل شمسياً، بل كان توقيتاً بالنيل. صحيح أنه توقيت مماثل تقريباً من التوقيت الشمسي، وأنه عدل نفسه بناء على ضغط التوقيت الشمسي، لكنه في الأصل ليس توقيتاً شمسياً. في كل حال، ففرضيتي أن العين بكسورها تمثّل أداة تجمع التوقيتين القمري، والتوقيت المكون من 360 يوماً (تضاف إليه خمسة أيام في آخر الشهر). بالتالي، فهي طراز من مصالحة ما بين التوقيتين. وهذه الفرضية تقول إن الرقم 64 يمثل أقسام السنة المصرية المكونة من 360 يوماً. فقد قسمت هذه السنة إلى 64 قسماً لأنّ هذه القسمة تتوافق في النهاية مع التوقيت القمري كما سيتضح أدناه. وحين تقسم السنة المكونة من 360 إلى 64 قسماً، فكل قسم منها سيساوي: 5.625. 360÷64= 5.625
والآن لو ضربنا هذا الرقم برقم الخانات المشغولة، أي بالرقم 63، سنحصل على ما يلي: 63×5.625= 354.375. وهذا هو رقم السنة القمرية المصرية. وهو يكاد يكون مطابقاً لحسابنا الحالي للسنة القمرية، الذي يساوي: 354.367056 يوماً. وكما نرى، فالفارق بين الرقمين ضئيل جداً.
أما الخانة الفارغة، أي الرقم 64، فيفترض أن تساوي هي أيضاً: 5.625. وحين نضيف هذا الرقم إلى رقم السنة القمرية، سنحصل على الرقم 360: 354.375+ 5.625= 360. وهذا هو رقم السنة المصرية المكونة من 360 يوماً. بذا فالكسور تمثل السنتين معاً، أي تمثل عينَي حورس القمرية والشمسية في وقت واحد. ولو أضفنا الأيام الخمسة التي تضاف في آخر السنة إلى الرقم 5.625، فسيكون لدينا الرقم: 10.652. وهذا هو رقم الأيام التي تزيدها السنة الشمسية عن السنة القمرية في حساب المصريين. وهو رقم قريبٌ جداً من حساباتنا الحالية التي تساوي: 10.875 يوماً.
انطلاقاً من ذلك كله، فالسنة القمرية تساوي في الواقع 98.4375 % من السنة الشمسية المكونة من 360 يوما.ً ذلك أن الرقم 63 يساوي هذه النسبة مقارنة بالرقم 64.
إذن، فالغرفة الخالية، الغرفة غير المشغولة، وضعت لتمثيل الفرق بين السنة المصرية الرسمية (360 يوماً) والسنة القمرية. بالتالي، فكسرها 1/64 ليس مفقوداً، وغرفته ليست خالية بل مشغولة. إنه كسر احتياطي مختف مؤقتاً فقط، وعبره يجري تحويل السنة القمرية إلى سنة الـ 360 يوماً. هذا هو حساب عين حورس. بناء على كل هذا، فلحورس عينان: واحدة تمثل الشمس، وهي مكونة من 64 جزءاً، والثانية تمثل القمر وهي تساوي 63 من 64. الرقم 64 هو السنة المكونة من 360 يوماً. والرقم 63 هو السنة المكونة من 354 يوماً وكسور. من أجل هذا، سميت عين حورس بالمكتملة والكلية لأنها تشمل توقيت حركة الكون بالشمس والقمر معاً. في كل حال، في كتابي القادم سريعاً: «سنة الحية: روزنامات العصور الحجرية ومعتقداتها»، سوف أتحدث فيه عن الروزنامة المصرية القديمة وروزنامة طوفان التوراة، وعن عشرات الروزنامات الأخرى.
* شاعر فلسطيني