قراءة يوميات وتفاصيل وأفكار مجتمع غريب أو بعيد عنا، طالما رغبنا بالتعرف إليه عن قرب، يعدّ مكسباً لا تنقصه المتعة. ذلك ما يقدّمه لنا كتاب «من روائع الأدب الصيني» (دار فضاءات ـ عمان) الذي يحتوي على ثلاث قصص طويلة نسبياً نتعرف من خلالها إلى ثلاث كاتبات من الصين اشتهرن بأدب القصة. ثلاث قصص طويلة تأخذ القارئ من خلال طبيعة سردية منتمية إلى الواقعية السحرية لا ينقصها التشويق، إلى مشاهد وأفكار قد يجدها القارئ العربي غريبة عليه بعض الشيء، أفكار تنتمي إلى ذلك العالم النائي، الذي طالما رغبنا بالتعرف إليه. القصص الثلاث تأخذنا حيث يوميات المزارعين وصيادي الأسماك والمحاربين القدامى وشاربي الشاي وقت فيضان الأنهار وصيد الأسماك «الدامعة» والرقص ورسائل العشق وأغاني مراثي الزواج في وداع «العروس» لأمها وهي محمولة على ظهر أخيها ليوصلها إلى بيت زوجها...

تكتنز القصص الثلاث الكثير من التساؤلات حول الواقع المُعاش وقوانينه التي تقف بوجه التطلّعات والأحلام، والحبّ على وجه الخصوص، وتظهر تساؤلات الحبّ جلية لا تنقصها اللوعة في قصة «شجرتان مزهرتان» التي يمتزج بها الخيال بالواقع وترتبط الذكرى باليوميات المعاشة، من خلال الأسلوب السردي الذي يحاول إثارة الغرابة وشد القارئ إلى أفكار النص ومشاهده وشخصياته. القصة جاءت بقلم القاصة يي مي، وهي الأطول بين القصص الثلاث... قصة مفعمة بالحب، والأحلام المنبثقة من واقع الفقر والعوز، إلا أن أحلام بطلة القصة المجتهدة «كريزنتيم» قد تحقّق نصفها، والنصف الآخر المتعلق بالحب قد تهشم على أرضية واقع مرتبك... بينما أحلام أختها «كابوسين» الكسولة الحالمة بالثروة قد احترقت مع جسدها وسط نيران متجر بنيامين الذي أغواها وأرادت الزواج به.
تعترف مترجمة القصص، القاصة والروائية المغربية الزهرة رميج بأن الصور التي رسمتها تلك النصوص للمرأة الصينية، «صادمة ومغايرة لما كان سائداً بخصوص وضعية المرأة في الصين الاشتراكية»، ما حفزها على الشروع في الترجمة، حيث وجدت أن القصص تصور ما هو مختلف تماماً عن مظاهر الحياة المعاصرة في المجتمع الصيني، وكذلك وضعية المرأة ومشاكلها في ظل تطور المجتمع الصيني وانفتاحه على النمط الاقتصادي الغربي. تتميز الشخصيات النسائية التي تطرحها القصص بقوة الإرادة والتحدي ولا تنقصها الحكمة والشخصية القيادية.
تكتنز القصص الثلاث الكثير من التساؤلات حول الواقع المعاش وقوانينه


في المقابل، تذكر المترجمة في مقدمة المجموعة ما تراه في الرجل الذي تطرحه القصص، تقول: «القصص تلقي الضوء على الازدواجية التي يعيشها الرجل الصيني عندما ينبهر بالمرأة المثالية ويتمنّاها لكنه في الوقت نفسه يخشى الارتباط بها، مفضلاً عليها المرأة العادية التي يستطيع معها الاحتفاظ بالصورة التي تجسد القوة والذكاء». مثلاً، في قصة «نهر سيشوان» لتشي تسي جيان، نرى سبب رفض «هو المعرفة» الزواج من «جيسكي» التي يحبها قائلاً لها «إنكِ تعرفين صنع كل شيء، لذلك فإن الرجل الذي سيتزوجك، ويعيش تحت سقفك لن يلبث أن يذبل لأنكِ ستنثرين عليه ظلالك!». هكذا، يرفض الزواج بها ويهجرها، ولكن ورغم كل المرارة التي تعيشها الحبيبة، تبقى الأغاني في هذه القصة محتفظة بشاعرية خاصة وهي تشير إلى العودة:
«يمكن لطائرة ورقية أن تلامس السحب في الأعالي
لكن خيطاً رفيعاً يشدها إلى الأسفل
يمكن للزهور أن تتفتح في القمم
لكن جذورها، دوماً، تشدها إلى الجبل»
في القصة الثالثة «يداً بيد» التي يهيمن عليها الخيال المفضي إلى تصور عالم بهيج بعض الشيء، تتساءل الكاتبة فان شياو تشينغ: «هل عالم العميان رتيب أم غني ومتنوع؟». وفي محاولتها العثور على الإجابة، تجد أنّ «وحدهم العميان قادرون على الإجابة عن هذا السؤال». لكنها تصل إلى إجابة مستريحة بعض الشيء كأنها توجهها إلى المبصرين: «عندما يفقد الإنسان بصره، لا يُنتظر منه أن يكون مبتهجاً».