"اقْتُلونِي! تَكُونُوا أَنْتُمْ مُجَاهِدُونَ وَأَنَا.. شَهِيد" (الحسين بن منصور الحلاج).
حَبيبتي لَيْلَى..
نَحْنُ الذين يُرْعِبُنا الشوق..!
ويُخيفُنا "الحَلا"!
الذين نَهرُبُ لَحظات الوَداع، كَي لا يُرى حُطام حقيقتِنا المُتَشَظّية. نَطْفُو. نَغْرَق. نَغُوص. نَنْجُو. وَحْدَنا! قَطْرَةُ مَطَرٍ حِينَ بَحْرٍ عَاصِفٍ. وَحْدَنا! مُسْتَسْلِمين لِتسونامي الأَحْلام الطُهرانيّة، تُأرْجِحُنا بِرُعْب.
الذين نُجرَحُ كطفلِ ذاقَ الحامضَ أوّلَ مرّة، نَبكي.. نَبكي ونَضحك. ولا نُجيد قَولَ أيّة جُملة مفيدة عن مَشاعِرِنا!
نُمَزّق قُلوبَنا دفاترَ خَرطوشِ قَديمة، حُبِّرت كلُّ صَفَحاتِها البِيض: اشتياق! اشتياق! اشتياق!
سَنَرْتاح.

1980-Berytus محمد الرواس

سَنَرْتاح يا ليلى، ونَسْمَع الأَغاني الهابِطَةَ رُكاماً، تَأنَسُ بِه أَرواحُنا المُنْهَكَة.
نَركضُ معاً بين المَتاريس -كما أردتِ- نَقول لِلقَناص: "خُود"! (أجل: "العطاء بالقوّة".)
سَتُصيبُنا طَلقاتُ القنّاص يا ليلى ونَحْنُ نَضْحَك!
ثُمَّ يَموت.
عفوا، يَسْتَشْهِد. فَهُو صَاحِب قَضيّة. (أَلا يَموت كُلُّ أَصحاب القَضايا شُهداء؟! على ما قال جَدّي الحلّاج.)
ربَّما أَصابَتْه شَظايا ضحكاتنا المُتفجّرة وَصوتَ القَصْف وَرُعودَ السّماء.
من يعلم، قد يكون ذلك قريباً. في يوم ديسمبريّ كَعِيدنا معاً، زَخّات رَصاص المَحاوِر تَهطِلُ عَلَيْنا بَرْقاً والمَطَر. لَنْ تَحزَني. سَنَكون في بلادنا الغارقة الغريقة نَحتفل معاً. فأنا كما يبدو لن أَزُورَ المَدينَةَ التي تَبْدأ بِحَرفِ النون لِلعِيد، لَيالٍ عَشْر. فلا شَفْعَ.. بَلْ وتْر.
عند إحدى خُطوطِ التماس، في شَوارِع بَيْرُوت التي طَحَنَتْنَا كِلانا مُنذُ عُقود، أُمسِكُ يَدَكِ. مِن أَلم إصابتي، أشدّها. تَصرُخين تَضحَكين تَصرُخين! ها هي بَيْرُوتُ تَعجنُنا بَعدَ الطّحْنِ يا ليلى.
تُمْسِكين يَدي الثانية. نَنْسى إصاباتنا، ونُخْبَز في النيران! فإبراهيمُنا بعيد.
فلنُخبَز! الخبزُ وحدَهُ يعرِفُ سرَّ النار! والنار صديق العاشق يا ليلى..وليس عدوَّه!
سنتخدّر وجعاً. بخفة، نَطيرُ فَوقَ أَعلى مِئذَنة في عاصِمَتنا. ثُمَّ نَنْتَشِرُ كَما العِطْر.. بَلْ كَما الرَّماد..
هكذا نَموت.
قيل.. هكذا نَثَرُوا رَمادَه -جَدّي الحَلاّج- في بَغْداد.
سَنَمُوتُ يا ليلى.. دُونَ نَهرٍ يَلْثُم رَمادَنا.
ستكون الحرب يا حبيبتي.. وسنكون أوّل شهيدتَين.
- نستشهد؟!
- بديهيّاً حبيبتي. ألم نرد أن "نعطي بالقوّة" للقناص؟ هي إذا قضية متنا لأجلها.
لكن مهلاً.. أَتعلمين؟ هذا يعني أَنَّنا: أَنتِ وأَنا والقَنّاص، سَنَمُوت جَميعاً! أُفففف.. ما هذه اللعبة يا ليلى؟! لا! لا تُعجبُني! سَأُعيدُ كِتابةَ المقطعِ أَعلاه غَداً بِصيغةٍ مُختلفة. لكن قولي لي: مَا الحل؟! طَيّب، وَ.. بَيْرُوت؟!
- سَتَبْقَى.
- يا لجرأتِك ليلى! وَإِن بَقِيَت بَعْدَ السابِقين لكِن .. كَيف تَبقى بَعْدَنا؟! طَيّب، خَلَص! خَلَص! ماشي: سَتَبْقَى.
فُرناً! جَحِيماً! خَراباً! أو مُحاصَرة.. سَتَبْقى بَيْرُوت.
لكنَّنا سَنَموت جَميعاً يا ليلى! سَتكون الحرب. هي قَدَرُنا الأَصْدَق..
ليلى، انظري معي:
ما قيمةُ المَوتِ لَولا الاشتِياق؟!
اذا متنا معاً لَن نتألّم شَوقاً. وهذا مُمتاز!
سَنَرْتاح.
فليَقتُلونا يا ليلى! فَلْيَقْتُلونا!
لَنْ نَشْتاقَ أَكثَرْ بَعد!
تنّور الحرب ينتظر..فليخبزونا!
فالعشقُ يقاس بالاحتراقِ.. ويؤكّدُ بالزوال..
فَليَقْتُلونا! يَكونُوا هُم مُجاهِدون.. ونَحنُ شَهيدَتان.

(في هذه الرسالة مِئة وستون نُون ونُون. لا تَعدّيها حَبيبتي. لا تُحْصي الحُب..!!! )
بَيْرُوت - 27 تشرين الأوّل 2019
لم تبدأ المَعارك بَعد.

* لبنان