الرباط | يراهن المغربي حاتم بليمني في مشروعه الفني اللافت Remix Culture على فكرة مفادها أن الأشكال الموسيقية لا تتقاطع على المستوى الأفقي فحسب، من بلد إلى بلد ومن قارة إلى قارة، بل على المستوى العمودي أيضاً. يأتي ذلك عبر النزول من الزمن الراهن إلى أزمنة سابقة بهدف المزج بين قديم الموسيقى وجديدها في تشكيلات إيقاعية منسجمة، بالرغم من اختلاف الموارد والمرجعيات الفنية.
وهذا التقاطع العمودي يشكل صلب فلسفة هذا الفنان المهووس بالموسيقى الرقمية، بقدر هوسه بالتراث الموسيقي لدى الشعوب. لذلك، لا يجد صعوبة في المزج بين الموسيقى الإلكترونية وإيقاعات كَناوة الإفريقية، أو موسيقى الأمازيغ، أو «العيطة الجبلية»، أو موسيقى جنوب الصحراء، وفي إقحام نقرات «الهجهوج» (آلة وترية) أو صوت الناي أو الرباب أو إيقاع «البندير» (الدف) أو «التعريجة» المغربية في تركيبة الأصوات الموسيقية المصنّعة. إن رنّة رقمية يمكن لها في تجربة بليمني، ألا تشكل نشازاً حين تلتقي مع صوت التعريجة، هذه الآلة الإيقاعية الصغيرة الضاربة في التاريخ، والمصنوعة من الطين، بحيث يتم تجليد قاعها، بينما تبقى الجهة المقابلة له بمثابة فوهة ينبعث منها صوت الإيقاع.
مثلما ينقل حاتم بليمني بشكل تلقائي الموسيقى الغربية الحديثة للمتلقي العربي، ينقل للجمهور الأميركي والأوروبي الموسيقى العربية والإفريقية. فأصوات العود والناي وإيقاعات الصحراء والجبل حاضرة باستمرار في توليفاته الموسيقية. وسيجد من يسمع ويشاهد عروضه أن كلمة «ريميكس» تتجلى بشكل واضح في هذه العروض. فالموسيقى الحديثة عند بليمني وفريقه، هي نتاج مزج بين أنواع مختلفة من موسيقى الشعوب، في أزمنة متعددة.
يصل حاتم بليمني إلى بيروت للمشاركة في «بيروت آند بيوند» بعد جولة فنية قام بها على عدد من بلدان العالم. ويبدو أن الفلسفة الموسيقية لدى هذا الفنان هي نتاج تقاطع ثقافتين، فهو يحمل الجنسية الأميركية، فضلاً عن جنسيته الأصلية، إضافة إلى كونه قد درس في «جامعة هارفارد» موسيقى الجاز وعلم موسيقى الشعوب. لكنه سينقاد بشكل هوسي إلى الموسيقى الإلكترونية التي سيؤلف وينتج فيها أعمالاً عديدة، سواء بشكل فردي، أو جماعي مع فنانين آخرين تحت اسم فني هو officerfishdumplings، الذي سيتجازوه لاحقاً إلى اسم آخر هو H.A.T.
لكن سنة 2012 ستكون حاسمة ومفصلية في مشواره. سيجد أسلوبه الخاص، فالنجاح الفني بالنسبة إليه هو العثور على «ستايل». هذا ما بلورته بالفعل تجربة Remix Culture التي أسسها قبل خمس سنوات، وهي مجموعة دولية تضم أربعة أسماء، تتوزع مهامها بين هندسة الصوت والتصوير وتحرير الأفلام والإنتاج.

يشعر جمهور حفلاته أنّ هذه الموسيقى مثله تنتمي إلى المستقبل

استقطب حاتم عدداً كبيراً من المتعاونين من مختلف التقاليد الموسيقية، فقام بتسجيل مقاطع موسيقية وإنتاج أفلام تربط بين ما هو تقليدي بما هو جديد. بدأ المشروع في المغرب، ثم امتد إلى دول أخرى. أخذ معه ثقافة الريمكس إلى خشبات عدة في مهرجانات متنوعة في أميركا، في كاليفورنيا و«مركز لينكولن» في نيويورك مثلاً، حيث قدم أداءً مباشراً بالفيديوهات التي تم تصويرها مع المجموعة، وقدم عروضاً لفنّه في مهرجانات وأماكن أخرى خارج أميركا كالصين والبرازيل وبلدان أوروبا.
تضم مجموعة Remix Culture، بالإضافة إلى حاتم بليمني، مهندس الصوت تايلر وود، ومصورتي الأفلام نينا جوردن وسيا وارفيلد، ومنتج الوثائقيات جوردن فليتشر. وما يجمع هؤلاء ليس العمل فحسب، بل أيضاً تقارب الرؤى والشغف بالموسيقى، إضافة إلى تعدد الاهتمامات الفنية والثقافية. فمهندس الصوت مثلاً عازف بيانو محترف، ونينا تمارس التمثيل على خشبات المسارح، وسيا متخصصة في علم الاجتماع.
لم يصل بليمني إلى مشروع «ثقافة ريميكس» من فراغ، فقد كان قبل ذلك عازفاً على آلة الغيتار، وعلى البيانو الكلاسيكي، وقد حصل على جائزة في هذا المجال. لكن آلته الجديدة صارت هي الماكنتوش الذي يصنع به أصواتاً جديدة بشكل مباشر على الخشبة، مع شاشة عريضة تبث في الخلفية فيديوهات تتقاطع مع هذه الأصوات.
يعمد حاتم بليمني إلى تقسيم الشاشة إلى أربعة أجزاء تبث على مدار العرض فيديوهات مركبة، تشرك المتلقي في كواليس العمل، بحيث تظهر المقاطع الأصلية التي تم بها تركيب القطعة الموسيقية، وبالتالي حالما ينطلق «ريتم» أو صوت جديد، يكتشف الجمهور على الشاشة الآلة التي تصدره.
تحظى حفلاته بتفاعل كبير من لدن الجمهور الذي يحضر بكثافة سواء في أميركا أو أوروبا (مهرجانات «زيك زاك» في فرنسا، «روسكيلد» في الدانمارك، و«روتس» في هولندا) أو في الدار البيضاء في المغرب، حيث يحضر الشباب بكثافة، فهم يحسون مع «ثقافة ريميكس» أن هذه الموسيقى، مثلهم، تنتمي إلى المستقبل.

* حاتم بَلْيَمني: اليوم ــ س:22:30 ــ غراند فاكتوري