لكن الانتقال من السجلات الورقية إلى السجلات الإلكترونية فتحت الباب واسعاً أمام اختراق الخوادم والتلاعب بالبيانات أو الحصول على نسخ منها. وبالتالي تقلّصت هوامش الأمان المتصلة بهذه البيانات، وسط كلفة أكبر لحمايتها من القرصنة. ولا يتعلق ذلك فقط بعملية إصدار الهوية والبيانات المتصلة بها، إنما بعملية الاستخدام اليومية. إذ إنه مع تطور «الويب» وانبثاق مواقع إلكترونية يمكن للمستخدم أن يخلق عليها حساباً خاصاً به عليها، وكثرة التطبيقات والخدمات الإلكترونية المستخدمة والتي تتطلب تعريفاً بالشخص وبياناته، فضلاً عن تعامل العالم كله مع البيانات التي تطلب منه على الويب بنوع من الأمان، بات لدينا «هويّة رقمية» تتضمن بيانات استحوذت عليها عشرات التطبيقات والمواقع الإلكترونية، وخزّنتها بهدف استغلالها وإساءة استخدامها مثل بيعها أو إعداد دراسات متصلة بمكان الإقامة ونوع المرض المصاب به الشخص، والاهتمامات، الحالة العائلية...
كل ذلك يصبح مختلفاً إذا صدرت الهوية الثبوتية وفقاً لتقنية «بلوكتشاين». إذ ستُلغى الحاجة إلى تصوير الشهادات أو تسجيل الدخول إلى الحسابات الخاصة على المواقع الإلكترونية عبر كلمات السرّ، بل ستصبح الأنشطة، مثل التقدّم للحصول على خدمات الدولة، أو تحويل الأموال، أو الاقتراع، مجرّد عدّة نقرات على الهاتف. فبموجب الخطة التي أعدّتها كوريا الجنوبية وتسعى إلى تطبيقها عام 2024 وتبنّيها من قبل 45 مليون مواطن خلال عامين، لن يكون لدى أحد إمكانية الوصول إلى المعلومات المخزنة على الهواتف الفردية، بما في ذلك كيف وأين تستخدم، ذلك أن النظام سيعتمد كلياً على الهوية اللامركزية، وهو مجال متقدّم من تكنولوجيا «بلوكتشاين». وهذه الأخيرة هي بمثابة سجل رقمي للبيانات يتم التحقق منه بواسطة الأجهزة الموجودة على الشبكة. وهو نظام منيع أمام عمليات القرصنة، إذ سيتعين على المتسللين قرصنة كل جهاز على حدة لمعالجة البيانات.
سرقة البيانات العائدة للأشخاص وسلوكهم لن تعود ممكنة في ظل الهوية الرقمية
حلول الهوية اللامركزية توفر أفقاً جديداً، إذ تعتمد على إطار عمل يتيح للمستخدمين إنشاء هويتهم الرقمية الخاصة والتحكّم فيها من دون الاعتماد على مزوّد خدمة معين. فعلى سبيل المثال، الهوية الرقمية تصدرها الحكومة وتظلّ مخزنة في محفظة رقمية تسمى «محفظة الهوية». باستخدام محفظة الهوية، يمكن للمستخدم (أي المواطن مالك الهوية) تقديم دليل على هويته إلى أي طرف ثالث. وتساعد المحفظة المستخدمين في منح وإلغاء الوصول إلى معلومات الهوية من مصدر واحد، ما يجعل الأمر أسهل. بمعنى آخر، ستصبح هوية الشخص شيئاً ثابتاً موجوداً في خزنة داخل العالم الرقمي، وكل الخدمات أو التطبيقات التي تريد التأكد من هوية المستخدم، ستلقي نظرة على ما حدّده لها لرؤيته نظام «البلوكتشاين». بهذا، لن يتم تخزين تلك البيانات من قبل أي جهة في العالم عن ذلك المستخدم.
عمالقة التكنولوجيا الذين توسّعوا على حساب سرقة هذه البيانات لن يعود بإمكانهم تكرار ذلك في ظل الهوية الرقمية. ستكون أول بوابة تُفتح في نظام أحكم إغلاقه 5 شركات من وادي السيليكون.