جسّد قيام شركة «سوليدير» الشكل المتطرّف لعمليات الخصخصة والشراكة مع القطاع الخاص في لبنان. فبحجّة عجز الدولة عن إعادة إعمار قلب العاصمة بعد الحرب الأهلية، تمّ إصدار القانون رقم 117 عام 1991، وقضى بنزع الملكيّات الخاصّة والعامّة في وسط بيروت وتمليكها إلى شركة عقارية خاصّة، وأُجبر أصحاب الحقوق على التخلّي عن ملكيّاتهم من أكثر أشكالها ثباتاً، العقار، إلى أكثر أشكالها تذبذباً، أي ملكيّة السهم. إلّا أن تجربة الشراكة مع «سوليدير» لا تنحصر في هذا الشكل المتطرّف وما أفرزه من نتائج ماثلة، فمنذ انطلاق الشركة عام 1994، منحتها الحكومة عقود شراكة عدّة، ومكّنتها من الاستحواذ على المزيد من الأملاك العمومية على الواجهة البحرية، وهذه الأراضي تمثّل اليوم محفظة الشركة الثمينة والثروة الدسمة للمساهمين فيها.
ردم البحر
ربّما، لا يعلم كثير من اللبنانيين أن تملّك شركة «سوليدير» لعقارات منطقة الردم في البحر قبالة وسط بيروت تمّ بموجب عقد شراكة مع القطاع الخاص. ويجسّد هذا العقد أحد أكثر العقود إثارة للجدل. ففي عام 1994، أبرم مجلس الإنماء والإعمار عقد شراكة «رضائياً» مع «سوليدير» (المرسوم رقم 5665)، وقضى أن تتنازل الدولة للشركة عن 291.800 متر مربّع من الأملاك العمومية المُستحدثة من ردم البحر، في مقابل تنفيذ الشركة أشغال البنية التحتية في وسط المدينة التقليدي وتنفيذ أشغال الردم وكذلك أشغال البنية التحتية المُستحدثة بنتيجة الردم. قُدّرت قيمة هذه الأشغال في حينه بنحو 475 مليون دولار، أي إن الشركة تملّكت المتر المربّع الواحد من الأرض المستحدثة في البحر بسعر 1627 دولاراً، وهي لا تزال تقسّطه منذ 25 سنة بسبب عدم إنجازها كلّ الأشغال الملتزمة بها، علماً أن السعر يتراوح حالياً بين 15 و20 ألف دولار، وبذلك تكون الشركة قد ربحت نحو 11 دولاراً في مقابل كل دولار استثمرته في هذا العقد السخي.

الزيتونة باي
وأيضاً، قد لا يعلم كثيرون أن «الزيتونة باي» هي بدورها نتاج عقد شراكة بين الدولة وشركة «سوليدير». ففي عام 1997، أبرم مجلس الإنماء والإعمار عقد شراكة «رضائياً» جديداً مع «سوليدير» لإنشاء المرفأين السياحيين الغربي والشرقي لصالح الدولة وعلى نفقتها. وقضى المرسوم 5665 منح الشركة عقارات في منطقة الردم بدلاً من تقاضي أتعابها نقداً. بذلك، تملّكت الشركة الأملاك العمومية المحاذية للمارينا وأقامت مشروع «زيتونة باي» بالشراكة مع شركة إنماء واجهة بيروت البحرية. ليس هذا فحسب، بل حصلت «سوليدير» على الحق الحصري باستثمار المرفأين لمدة 50 عاماً، إلّا أن الشركة لم تنجز المرفأ الشرقي، لأسباب تتصل بربحيّتها، واكتفت بالمارينا القائمة حالياً، وأقامتها على مسطح مائي بمساحة 65 ألف متر مربّع، ولا تدفع «سوليدير» للدولة في مقابل هذا الاستثمار سوى 2500 ليرة عن كلّ متر مربع واحد، أي ما مجموعه 107 آلاف دولار في السنة فقط لا غير.

مبنى الإسكوا
تُصنّف العقود التأجيرية كواحد من أبرز أشكال الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وفازت «سوليدير» بالعديد من هذه العقود لاستثمار بعض المباني التي تمتلكها في وسط العاصمة، إلّا أن أشهرها هو عقد تأجير مبنى «الإسكوا» المُبرم بين الدولة والشركة. إذ بحجّة جذب منظّمات الأمم المتّحدة للعودة إلى بيروت بعد انتهاء الحرب الأهلية، قامت «سوليدير» بتشييد المبنى المذكور المُخصّص لاستضافة المقرّ الرئيسي لمنظّمة «الإسكوا»، وقامت الحكومة باستئجاره عبر وزارة الخارجية، وهي ما تزال تجدّد هذا العقد حتى الآن، وقد بلغ المجموع التراكمي لبدلات الإيجار بين عامي 1998 و2017 نحو 165 مليون دولار، في حين أن الكلفة الفعلية لتشييد المبنى لا تزيد عن 30 مليون دولار، وهو ما يشكّل وفقاً لـ«الدولية للمعلومات»، استناداً إلى مشاريع قوانين الموازنة العامّة، نحو 15% من إجمالي كلفة إيجار الأبنية الحكومية البالغة 100 مليار ليرة سنوياً.