بين عامي 2010 و2017، استطاع لبنان زيادة إنتاجه من الطاقة المتجدّدة أكثر من 106 مرّات، إذ ارتفع من 0.5 إلى 53 غيغاواط/ساعة، وذلك عبر إنشاء مشاريع الطاقة الشمسية التي رفعت قدرته الإنتاجية من أقل من 0.33 ميغاواط إلى 35 ميغاواط، وهي أسهمت بتقليص فاتورة الطاقة بنحو 27.8 مليون دولار، وفقاً للتقرير السنوي عن الطاقة المُتجدّدة في لبنان، الذي يصدره برنامج الأمم المتّحدة الإنمائي.لا شكّ في أن هذا التطوّر ملحوظ، لكنه غير كافٍ لوفاء لبنان بالتزاماته التي عقدها في مؤتمر كوبنهاغن للتغيّر المناخي في عام 2009، حين تعهّدت الحكومة اللبنانية زيادة قدرتها الإنتاجية من الطاقة المُتجدّدة إلى 100 ميغاواط بحلول عام 2020، وبالتالي رفع حصّتها من مزيج إمدادات الطاقة الأولية إلى 12%. بعد مرور أكثر من ثلثي هذه الفترة، أي في عام 2017، لا تزال حصّة هذه المصادر الخضراء تراوح نسبة 3.4% من مجمل مزيج الطاقة، مع العلم أن نحو 3% هي من طاقة المياه التي تدخل ضمن مزيج إمدادات الطاقة الأولية منذ عقود، ونحو 0.4% هي من مشاريع الطاقة الشمسية التي بدأت تنتشر منذ عام 2010.
ما يعني أن لبنان لم ينجح برفع حصّة الطاقة المتجدّدة من مجمل إمدادات الطاقة الأولية إلا بنسبة 0.4% منذ عام 2009، وعبر استثمارات بقيمة 76 مليون دولار، 55% منها قروض مدعومة.
عملياً، ليتمكّن لبنان من الوفاء بالالتزامات التي تعهّد بها في مؤتمر كوبنهاغن، أي زيادة قدرته الإنتاجية من الطاقة المُتجدّدة ووضع 100 ميغاواط إضافية على الشبكة بحلول عام 2020، يتطلّب الأمر إنشاء المزيد من حقول ومشاريع الطاقة المُتجدّدة، وتوليد 160 غيغاواط/ساعة، أي أكثر من ثلاثة أضعاف ما ينتجه اليوم. من هنا، تحتاج السوق إلى زيادة القدرة الإنتاجية بنحو 65 ميغاواط في خلال ثلاث سنوات، أي إنتاج 21.7 ميغاواط سنوياً، وهو ما يشكّل ضعفي القدرة الإنتاجية التي أدخلت في عام 2017 وتبلغ 11.6 ميغاواط.

0.4%

هي الزيادة التي حقّقها لبنان في إنتاج الطاقة من مصادرها المتجدّدة بين عامي 2010-2017 من أصل 9% تعهّد بزيادتها بين عامي 2010-2020


فهل يتمكّن لبنان من تحقيق أهدافه؟
بالمقارنة مع عام 2010، انخفضت كلفة تركيب الطاقة الشمسية نحو 7 مرّات، من أكثر 7 آلاف دولار إلى 1.5 ألف دولار لكلّ كيلوواط في نهاية 2017. وفي مقارنة مع أسعار عام 2011، كان أي استثمار بقيمة 100 ألف دولار كفيلاً بتطوير 14 كيلوواط، في مقابل 65 كيلوواط في عام 2017.
لكن، على الرغم من هذا الانخفاض في أسعار الطاقة الشمسية، الذي جعلها في متناول عدد أكبر من المستخدمين، إلّا أنه بقي محصوراً بشرائح اجتماعية وقطاعات اقتصادية معيّنة، ولم يؤدِّ إلى محافظة هذا القطاع على الوتيرة نفسها لنموّ المشاريع، إذ سجّل عام 2017 معدّل نموّ عدد المشاريع الأدنى منذ عام 2010، إذ بلغ 33%، بعد أن وصل إلى مستوياته الأعلى في عام 2013 مع نموّ بنسبة 86%.
في الواقع، تُعَدّ كلفة إنتاج الطاقة الشمسية مُرتفعة في لبنان. إن كلفة المشاريع السكنية والتجارية، أي المشاريع ذات القدرة الإنتاجية التي تقلّ عن 100 كيلوواط وتشكّل نحو 93.5% من مجمل مشاريع الطاقة الشمسية في لبنان، تصل إلى عشرة أضعاف المعدّل العالمي. ووفقاً لمنظمة الطاقة المتجدّدة العالمية، يولّد الكيلوواط الواحد ما بين 1400-1600 كيلوواط/ساعة سنوياً، ما يعني أن كلفة الكيلوواط/ساعة الواحد في لبنان تراوح بين 1.03 و1.10 دولار، في مقابل 10 سنتات عالمياً.
لكن على الرغم من ذلك، استطاع مستخدمو الطاقة الشمسية خفض كلفة فاتورة الطاقة واسترداد كلفة استثماراتهم في أقلّ من 6 سنوات، وهو مؤشّر على فعالية هذا المصدر والجدوى الاقتصادية للاستثمار فيه، فضلاً عن القيمة المضافة وفرص العمل التي أدخلها إلى الاقتصاد في لبنان، وهو ما يتطلّب تغييراً في استراتيجية العمل الحالية.



أنقر على الرسم البياني لتكبيره


أنقر على الرسم البياني لتكبيره


فوفقاً لتقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، يسيطر القطاع الصناعي على سوق الطاقة الشمسية، إذ يستحوذ على 10.78 ميغاواط من مجمل الطاقة المنتجة، أي نحو 31% من مجمل إنتاجها، في حين أن القطاع الصحّي سجّل أعلى نسبة نموّ في القدرة الإنتاجية في عام 2017 بنحو 240%، إذ ارتفعت القدرة الإنتاجية للألواح الشمسية التي تنشرها المستشفيات على أسطخ مبانيها من 0.43 إلى 1.5% بين عامي 2016 و2017. ويعود ذلك إلى الوفر الذي يقدّمه هذا المصدر في فاتورة الطاقة.
أمّا لناحية توزّع الطاقة الشمسية المُنتجة على القطاعات والأنشطة الاقتصادية، فيحلّ القطاع الصناعي أولاً بنسبة 31%، ويليه القطاع التجاري بنسبة 19%، ومن ثمّ المساكن بنسبة 17%، والزراعة 10%، والقطاع العام 9%، والقطاع التربوي 6%، والمستشفيات 4%. أمّا لناحية حصّة كلّ من هذه القطاعات من مجمل الاستثمارات أو حصّتها من الإنفاق للحصول على أنظمة الطاقة الشمسية، فتبلغ 26% للمساكن التي تتكبّد الكلفة الأعلى، ونحو 20% للقطاع الصناعي، و19% للقطاع التجاري، و13% القطاع العام، فيما تبلغ حصّة الزراعة نحو 8%، والتربية 6%، والمستشفيات 4%.
إلى ذلك، كان لقطاع الطاقة الشمسية أثر في توليد فرص عمل جديدة. بين عامي 2008 و2017 ارتفع عدد الشركات التي تعمل في تركيب الطاقة الشمسية من 7 إلى 61 شركة، وهي ساهمت بخلق نحو 670 فرصة عمل جديدة، بمعدل 11 وظيفة في كلّ شركة. علماً أن هذا الرقم قد يرتفع، خصوصاً أن هناك شركات عدّة لم تشارك في المسح. وقد نفّذت هذه الشركات 1428 مشروعاً بين عامي 2010 و2017 بقيمة 76 مليون دولار (55% منها قروض مدعومة)، أي بمعدل 53 مليون دولار للمشروع الواحد، مع الإشارة إلى أن 93.5% من مجمل هذه المشاريع، مشاريع صغيرة تنتشر في غالبيتها على أسطح المنازل والمراكز التجارية والمستشفيات، ولا تزيد قدرتها الإنتاجية على 99 ميغاواط، وهي لا تنتج أكثر من 41% من مجمل الطاقة الشمسية المولّدة.


مهمّة صعبة وليست مستحيلة
في أيلول 2018، وعلى هامش لقاء مع الأمين العامّ لمجلس الطاقة العالمي، كريستوفر فراي، أعلن رئيس الحكومة سعد الحريري هدفاً جديداً للدولة اللبنانية، هو رفع حصّة الطاقة المُتجدّدة إلى 30% من مجمل مزيج استخدامات الطاقة الأوّلية، بحلول عام 2030. وتنوي الحكومة إطلاق خطّة طريق لتحقيق الهدف المنشود في الربع الثالث من عام 2019.
هذا الرقم لا يُستهان به، وفقاً للباحث في مجال الطاقة مارك أيوب، وهو يشكّل تحدّياً لكلّ مؤسّسات الدولة من دون استثناء، خصوصاً أنها بعد مرور 7 سنوات على التزامها في مؤتمر كوبنهاغن رفعَ حصّة مصادر الطاقة المُتجدّدة من 3 إلى 12%، لم تتمكّن إلا من الوصول إلى 3.4%.
تحقيق هذا الهدف ليس بالأمر المستحيل، وفقاً لأيوب، على الرغم من أنه مهمّة صعبة تتطلّب تغييراً في استراتيجية العمل والإسراع بوتيرة مناقصات الطاقة المُتجدّدة من الشمس والرياح ومشاريعها، بالتوازي مع مشاريع معامل الغاز الطبيعي. ويحتّم بلوغ هذه النسبة المُضي قدماً في إنجاز مشاريع مركزية لمعامل إنتاج ضخمة على الطاقة الشّمسية أو Solar farms تفوق قدرتها الـ500 ميغاواط، وربما وصلت إلى 1000 ميغاواط، وذلك في مناطق جغرافية داخلية مثل سهل البقاع. وينبغي العمل أيضاً على تحسين وضع شبكتي توزيع الطاقة الكهربائية ونقلها بطريقة تدرّجية، ما يسمح باستيعاب الكمّيات المُنتجة من الطاقة المُتجدّدة ووصلها مباشرة بالشبكة.