بغداد | بعد تسعين يوماً من إجراء انتخابات مجالس المحافظات في العراق، لم يتمكّن بعض تلك المحافظات من حسم تشكيل حكوماته المحلية نتيجة الصراعات الطائفية والعرقية داخلها، ولا سيما في مدينتي ديالى وكركوك المختلطتين، ما دفع برئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني، إلى التدخل شخصياً لحلحلة الأزمة. وبعد مصادقة السلطة القضائية على نتائج الانتخابات، استطاعت المحافظات الجنوبية والوسطى ذات الغالبية الشيعية، وتلك الغربية ذات الغالبية السنية، تشكيل حكوماتها، باستثناء حسم منصب محافظ صلاح الدين بعد رفض رئيس الجمهورية، عبد اللطيف رشيد، التوقيع على المرسوم الجمهوري الخاص بتعيينه. أما في كركوك، فتتفاعل أزمة غياب التوافقات بين المكونات إلى درجة عدم توصّلها إلى تشكيل الحكومة المحلية، رغم أنّ المحافظة لم تشهد انتخابات منذ عام 2005 بسبب الخلافات العرقية المسيطرة على المدينة. واتفق السوداني، الخميس الماضي، مع القوى السياسية في المحافظة، على تشكيل ائتلاف إدارة موحد يضم القوى الفائزة في الانتخابات الأخيرة، وذلك تمهيداً لإنهاء الصراع حول تشكيل الحكومة المحلية، فيما يبقى الائتلاف تحت رئاسة السوداني حتى حسم الملف. وتؤكد مصادر مقرّبة من رئيس الحكومة، لـ«الأخبار»، أن الأخير «سيزور كركوك قريباً ويلتقي مع القوى السياسية هناك، لتقريب وجهات النظر وحسم ملف تشكيل الحكومة في غضون شهر واحد». وتضيف أن «السوداني تواصل أيضاً مع زعيم تحالف "نبني"، هادي العامري، للإسراع في اختيار محافظ ديالى، للابتعاد عن صراع طائفي وعشائري بدأ يتصاعد بين قيادات العشائر ورؤسائها من المكوّنين السني والشيعي». والجدير ذكره، هنا، أن عقدة الصراع في ديالى عشائرية - مذهبية، وتدور حول توزيع المناصب، وخاصة منصب المحافظ المتنازع عليه داخل عشيرة واحدة هي «بني تميم» التي تميل إلى منظمة «بدر» بزعامة العامري، علماً أن الأخير كان قد رفض 15 مرشحاً، غالبيتهم من أبناء العشيرة، لمنصب المحافظ. وفي هذا السياق، ترى مصادر سياسية من المحافظة، في حديث إلى «الأخبار»، أن «منصب محافظ ديالى سيبقى للمحافظ الحالي مثنى التميمي، وهو مرشح منظمة بدر»، فيما يعتقد قيادي في حزب «الدعوة» أن «المنصب سيُحسم لمصلحة حركة البشائر المنضوية ضمن ائتلاف دولة القانون والتي يترأسها النائب، ياسر صخيل، والمتبقي حالياً فقط ترشيح شخصية مقبولة للمنصب».
وبالعودة إلى كركوك، يعتبر رئيس الكتلة التركمانية في المحافظة، أرشد الصالحي، أن «الحل الوحيد لأزمة محافظته، أن يكون هناك تناوب في منصب المحافظ بين المكونين الكردي والعربي». ويلفت الصالحي، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «التقارب في الأصوات بين المكوّنات، هو ما عقّد مسألة تشكيل الحكومة المحلية. وبالتالي، لا بد من توافق بين جميع الأطراف السياسية، لأن المحافظة بحاجة إلى حكومة تدير شؤونها الخدمية وباقي المجالات الأخرى التي تحتاجها». ويرى بوادر حل في الأفق، ولا سيما بعد إيلاء السوداني اهتمامه لحسم الملف. ومن جانبه، يقول أمين عام «المجلس العربي الموحّد» في كركوك، حاتم الطائي، لـ«الأخبار»، إن «المطلوب في هذه المدة أن يكون ثمة تجديد في الإدارة من أجل النهوض بالمحافظة، ولذا، بات حسم منصب المحافظ ملحاً. وعلى الجميع أن يبتعد عن الصراعات عن طريق اختيار شخصية تمثل جميع مكونات المحافظة». ويشير إلى أن الاجتماعات التي عقدها السوداني مع جميع الأطراف في كركوك، ستبصر نتائجها النور قريباً، مضيفاً أن «الهدف هو تقديم كل ما هو مفيد لكركوك التي تعاني من قلّة الخدمات ولديها احتياجات كثيرة».
رئيس الوزراء تواصل مع العامري للإسراع في اختيار محافظ ديالى تفادياً لصراع طائفي وعشائري


أما القيادي في «الاتحاد الوطني الكردستاني»، شيرزاد صمد، فيرى أن «الصراع بين المكونات على المناصب الإدارية في المحافظة، خلق موجة من عدم الاستقرار والإرباك لدى الجميع، فضلاً عن أن هناك انقسامات واضحة بين كل المكوّنات». ويذكّر صمد، في تصريح إلى «الأخبار»، بأنّ «النزاع على منصب المحافظ ليس جديداً ولا أنتجته الانتخابات، وإنما هو قائم منذ عشرين عاماً، ولكن المبادرات السياسية ومنها مبادرة رئيس الوزراء الأخيرة خفّفت الاحتقان، وربما العقدة ستحلّ في الأيام المقبلة بناء على اتفاقات وتسويات سياسية». ويشير المرشح لمنصب محافظ ديالى، علي الخوام، بدوره، إلى أن «هناك انقساماً طولياً يحدث للمرة الأولى داخل الكتل السياسية، بمعنى أن هناك فائزين من الشيعة والسنة والكرد، يقابلهم فائزون آخرون من المكوّنات نفسها، وإنما من عشائر أخرى أو أفخاذ أخرى في القبيلة ذاتها، وبين الفريقين تنافس شديد وجزء منه هو ممارسة ديموقراطية». ويلفت الخوام، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن الاتفاقات التي جرت بين تحالفات «استحقاق ديالى» و«الأساس العراقي» و«عزم» وحزب «تقدم» كانت لغرض اختيار محافظ يمثّل الجميع، وخاصة بعد فشل مجلس محافظة ديالى أكثر من ثلاث مرات في عقد جلسته الأولى، خالصاً إلى أن «"تقدم" هو الذي سيظفر بمنصب المحافظ، لكنّ هل هذا يرضي بعض الأطراف التي تسعى إلى المنصب؟ ربما خلال الأيام المقبلة ستتضح الصورة أكثر، لكن ما هو مهم الابتعاد عن التصعيد بين أبناء المحافظة الواحدة».
وبالنسبة إلى محافظة صلاح الدين، يقول النائب عن حركة «الصادقون» النيابية، محمد البلداوي، وهو من المحافظة، إن «الصراع الحالي داخل صلاح الدين هو نتيجة خطابات جهات تريد إثارة الطائفية من جديد، من أجل انتخاب شخصية متهمة بالفساد وعليها ملفات قديمة»، معتبراً، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «الخطاب الذي وجهه رئيس مجلس المحافظة، عادل عبد السلام، قبل أيام، رداً على عدم مصادقة الرئيس على أحمد الجبوري (أبو مازن)، مخالف للدستور، ويُعتبر جريمة وحنثاً باليمن الدستوري. يجب أن يكون المرشح لمنصب المحافظ حسن السمعة وليست عليه شبهات فساد أو لديه أفكار تنافي القيم الوطنية».