أسابيع بعد الهزّة الأرضية التي لم يشهد مثلها في تاريخه المكتوب، أعقبها تسونامي مريع قضى على أكثر من ٢٦ ألف شخص، لا يزال الأرخبيل الياباني يعيش في ظل خطر نووي متزايد نتيجة الضربة التي أصابت مفاعلات فوكوشيما النووية لتوليد الطاقة الكهربائية.وبعدما تنفس اليابانيون الصعداء نتيجة تبريد المفاعلات بواسطة كميات هائلة من الماء، من البحر في البداية، وبعد إعادة تسيير المبرّدات الكهربائية بمياه عذبة، بدأت آثار إشعاعات نووية في المياه وفي الأجواء تشير إلى أن «تفسخاً كان قد حصل في عدد من المفاعلات» خلال فترة تبريدها، وأن إشعاعات قد تسرّبت إلى المياه الجوفية، وسمّمت التربة وبدأت تتسرّب نحو المحيط الهادئ.
تبريد المفاعلات لا يزال ضرورياً لمنع انفجارها، إلا أن التقنيين اليابانيين وزملاءهم، الذين أتوا من فرنسا والولايات المتحدة في سياق تعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، للمساعدة، يقفون أمام خيار دراماتيكي مؤلم، ذلك أنه كلما زادت المياه المضخوخة لتبريد المفاعلات، زادت كميات المياه المتسرّبة والملوّثة بإشعاعات سامّة بدأت تترك آثاراً في اليابان، وفي الدول المحيطة بها، ولم تصل فقط إلى كل من كوريا والصين، بل أيضاً إلى شواطئ إندونيسيا والولايات المتحدة.
وتدفع هذه الوقائع، التي تكشفت قبل يومين فقط، السلطات اليابانية والوكالات الدولية إلى البحث عن «حلول جديدة خارجة عما هو معروف» من دون تفسير لمعنى هذا التعبير الذي ورد في البيان الرسمي الصادر أمس.
وفي اتصال مع العاصمة اليابانية، علمت «الأخبار» أن شركة «تيبكو»، صاحبة محطة التوليد، تفكّر في إمكانية وضع بواخر «تشفط» المياه الملوثة المحيطة بالمحطة، بالإضافة إلى تغطية المفاعلات الأربعة بغلاف مصنوع من مواد تمنع بخار المياه من الانطلاق وتلويث الأجواء. إلّا أن هذه الإجراءات تطرح مجموعة من العقد التقنية، التي لم يسبق مواجهتها، مثل «الكميات الهائلة من المياه التي سوف تُشفط وكيفية التصرف بها». والمياه، بخلاف المواد الصلبة، يتطلب تنظيفها من الإشعاعات معالجات كيميائية، تحتاج إلى وقت وأدوات معقّدة غير متوفرة على صعيد صناعي.
اضافة الى أن منع مياه التبريد المشبعة إشعاعات نووية من التبخر تطرح مسألة «زيادة المياه التي تهدر في البحر». وبانتظار حلّ هذه المسائل المعقدة، التي تنكبّ على دراستها فرق متعدّدة الجنسيات، فإن الخطوات الأولى التي بدأت أمس هي «طلي المفاعلات من الداخل والخارج بمواد صلبة وأنواع من الطلاء التي تتشرب المواد المشعة، وتخفف من انطلاقها في الطبيعة جوّاً وبحراً».
يضاف إلى ذلك توسيع رقعة منطقة الأمان حول المفاعلات من دائرة شعاعها ٢٠ كيلومتراً إلى ٣٠ كيلومتراً، بينما تتحدث بعض المصادر عن إمكانية جعلها ٤٠ كيلومتراً طوعياً، وذلك تحت ضغط المنظمات الناشطة التي تطالب بتوفير مساكن للنازحين والبدء بالأطفال والنساء الحوامل.
ويتابع اليابانيون بقلق أيضاً ما يحصل في محطّة توليد كهرباء ثانية تعمل على الطاقة النووية في أوناغاوا، التي تبعد نحو ١٢٠ كيلومتراً شمالي فوكوشيما، وقد ضربها أيضاً زلزال ولم تظهر أي إشارات إلى تضرّرها، لا بل إنّ الحكومة أقامت بقربها ملجأ لنحو ٢٠٠ نازح، بعدما أوقفت العمل بها. إلّا أنّ الخوف من الإشعاعات بدأ يدفع بعدد من سكان المنطقة الى النزوح بسبب «التقاط آثار طفيفة لإشعاعات نووية» في محيط المفاعلات. وتحاول شركة «تبكو»، التي تشغّل أيضاً هذه المحطة، طمأنة السكان بقولها إن «حرارة الطاقة الداخلية مضبوطة»، رغم إشعاعات نووية تصفها بأنها «طفيفة». لكن الثقة بالتصريحات لم فُقدت ويتخوف السكان والسلطات المحلية من «فوكوشيما» أخرى بسبب عدم المقدرة على «معرفة ما يدور في قلب المفاعل النووي»، وهو إحدى نقاط ضعف هذه الصناعة.
ويقول أحد الخبراء الفرنسيين في هذا الصدد إنه «بعد بدء تشغيل قلب مفاعل نووي لا يمكن فحص ومراقبة ما يجري داخله»، وبالتالي وجب الانتظار «مئات السنين قبل تفكيكه»، أو طمره تحت أطنان وأطنان من الأسمنت المسلح كما حصل في تشيرنوبيل.
في هذه الأثناء، استبعدت الحكومة اليابانية المبادرة فوراً الى توسيع منطقة العزل في محيط محطة فوكوشيما، التي أعلن رئيس الوزراء ناوتو كان وجوب تفكيكها حالما يتلاشى الخطر. وقال المتحدث يوكيو ايدانو «لا أعتقد أن الأمر بطبيعته يستدعي خطوة كهذه». وأضاف «لكن ارتفاع مستوى الإشعاعات في الأرض يقود حتماً الى التفكير بإمكانية أن يكون تراكم (الإشعاعات) على المدى الطويل مضرّاً بالصحّة».