ثمة سؤال أساسي يطرحه تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن حول تداعيات أي هجوم عسكري استباقي على إيران، هو طبيعة الأهداف الإيرانية للضربة العسكرية التي تهدف، كما تقول الولايات المتحدة وإسرائيل، إلى وقف البرنامج النووي الايراني العسكري، أو تأخيره إلى الوراء خمس سنوات أو سنة واحدة على أقل تقدير.
التقرير الذي صدر على شكل دراسة مستفيضة غنيّة بالشروحات والإحصائيات العسكرية ومحاكاة لهجوم وقائي، يُظهِر أن الضربة الأولى ستكون ضد مواقع تخصيب اليورانيوم ومفاعلات الأبحاث، وقواعد الصواريخ الباليستية المنتشرة حول المنطقة، إضافة إلى قواعد إطلاق الصواريخ العديدة في إيران ومعامل إنتاج الصواريخ الباليستية.
في الوقت نفسه، تُظهر الدراسة حجم الحمولات المطلوبة لضرب المفاعلات النووية الواقعة تحت الأرض، مثل موقع «فوردو»، الواقع في قلب جبل قريب من مدينة قم جنوبي طهران، مشيرة إلى ضرورة تنفيذ جدول الضربات الابتدائية والتالية، والتزود بمعلومات استخبارية استقصائية حول المواقع المطلوب تدميرها، على سبيل المثال ضرب قواعد الصواريخ الباليستية التي قد تُستخدم في الانتقام، بواسطة قوات أميركية.
الضربة الأميركية الابتدائية، بحسب الدراسة، ستتطلب توزيع قوة كبرى تتكون من عمليات مواجهات دفاعية وهجومية، إضافة إلى قوة القصف الأساسية، وإخماد نظام الدفاع الجوي «للعدو»، بالتزامن مع طائرات لحماية المُقاتلات تقوم بحرب إلكترونية للتحرّي والتشويش على الأهداف، ثم اقتحام المقاتلات الجوية لتطويق أي انتقام جوي إيراني.
وتركّز الدراسة الأميركية على أهمية الضربة الأولى، «التي ينبغي أن تكون مؤثرة بالقدر الممكن»، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة ستكون الدولة الوحيدة التي تملك قوة جوية، وقدرة دعم، ومزيج من قوات بحرية وجوية في الخليج لمتابعة الحملة القاسية لفترة من الوقت وإعادة الهجوم بعد تقدير أضرار الضربة الأولى، وما إذا كان مطلوباً غارات إضافية.
ويرى التقرير أن القوة الجوية الإيرانية «المُتقادِمة» لن تكون نداً لسلاح الجو الأميركي وحتى الخليجي. كما يشير إلى أن أنظمة الدفاع الجوي الإيراني «لا تتمتع باتصالات قيادة التحكم والاستخبارات المطلوبة للرصد، وإسقاط طائرات الجيش الأميركي».
ويكشف التقرير أن مسؤولين أميركيين يعملون مع «الحلفاء في الخليج» لتطوير القدرة على هزيمة مواقع التهديد الإيراني للخليج، أو «مناطق الحلفاء»، مشيراً إلى قلق دول الخليج من إمكان تأثير الضربة على الحركة التجارية وتصدير الطاقة خلال الأزمة.
في المقابل، يتحدث التقرير عن أن «القدرة الوحيدة الفعالة لدى إيران ضد هجوم (أميركي)، إضافة إلى حرب غير متماثلة في الخليج واستخدامها الوكلاء مثل حزب الله، هي قوتها الصاروخية الباليستية». لذلك، يمكن أن «تسبّب الضربة الانتقامية القوية من مواقع إطلاق الصواريخ الباليستية، التي ستنجو من الضربة الأميركية الأولى، أضراراً كلية مقلقة لدول الخليج، تشمل الطاقة والمال ومراكز مختلفة من البنى التحتية».
وتؤكد الدراسة الأميركية أن الولايات المتحدة عملت على بناء مظلة دفاعية ضد أي هجوم صاروخي باليتسي إيراني يستهدف دول الخليج، هي عبارة عن درع دفاعية تتكون من نظام صاروخي باليستي متعدد الدرجات، يتألف من محطة دفاع جوي عالية المستوى وقدرة متقدمة لصواريخ باتريوت pac_3 مدعومة بمنظومة رادار جد متقدم، أمكن نشره عبر دول الخليج، إضافة إلى مواقع للقيادة والتحكم.

وجرى تزويد الكويت بمنظومات دفاع صاروخية باليستية، كذلك الإمارات وقطر وسلطنة عُمان. ورست سفن حربية مُجهزة بدروع دفاعية في مياه الخليج العربي.
وبحسب الدراسة أيضاً، طوّرت الولايات المتحدة نظام رادار للإنذار المُبكر مُوحّداً تمّ نصبه عبر دول الخليج، يمكن أن يساعد القوات الأميركية والخليجية في الاستجابة السريعة لضربة صاروخية إيرانية.
وعن دور إسرائيل في هذه المعركة، تقول الدراسة إن الدولة العبرية «ليس لديها القدرة على تنفيذ ضربات وقائية يمكن أن تقوم بأكثر من تأجيل الجهود الإيرانية (النووية) لسنة أو سنتين».
ويخلص التقرير إلى أن «الولايات المتحدة في الواقع لديها القدرة على تنفيذ ضربات وقائية، (لكن) هذا لا يعني أنها لن تسعى وراء التفاوض لإنهاء جوانب التهديد للبرنامج النووي الإيراني».
وتحوي الدراسة الأميركية، التي أعدّها كل من أنطوني كوردسمان وعبدالله طوقان، فصولاً عدة، لعل أهمها المتعلق بالخيار العسكري الذي ينبغي استخدامه إزاء البرنامج النووي الإيراني، وهذه الفصول مزودة بالرسوم والخرائط التي تشرح كيفية عمل الضربات الجوية الوقائية الأميركية، وبعضها يتناول نوعية الصواريخ التي يمكن أن تُستخدم في ضرب المفاعلات النووية الإيرانية. وتبيّن الدراسة الأهداف المُحتملة التي تقع في أولويات المهاجمين، مثل قواعد الصواريخ الإيرانية في بندر عباس (جنوب) وجزيرة أبو موسى (المتنازع عليها مع الإمارات) وبختران (شمال) وقاعدة الإمام علي (شمال) وبطارية الصواريخ في كوهستاك (جنوب) وقاعدة مشهد في الوسط، ومركز الفضاء والصواريخ في سمنان (وسط) وقاعدة صواريخ تبريز (شمال إيران).
التقرير الغني بالمعلومات والبيانات الإحصائية عن قدرات كل الأطراف وأدوارهم في الحرب المحتملة، يسلّط الضوء في النهاية على مدى خطورة أي حرب في الخليج، على الاقتصاد العالمي، «رغم أن إيران سريعة التأثر أكثر من جاراتها الخليجية الجنوبية».
ويؤكد أن الولايات المتحدة أيضاً تحتاج إلى حلفائها الخليجيين كشركاء أساسيين في أي هجوم، مع الأخذ في الاعتبار «قانون العواقب غير المقصودة».
في أي حال، الهجوم العسكري «الوقائي» على إيران «قد يدفع منطقة الشرق الأوسط المتقلّبة حالياً إلى حرب لها تداعياتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية العالمية بعيدة المدى».