مثلما يحصل في الأفلام الأميركية التي تحكي قصة مواطن وقع ضحية التجسُّس من قبل أجهزة الاستخبارات التي بدّلت ملفاته وغيّرت مجرى حياته استناداً إلى ما جمعته من معلومات خاصة عن حياته بأدق تفاصيلها... هذه المرة سيتحول الفيلم حقيقة، ولن يكون إطار القصة استوديوهات هوليوودية مجهزة تُفكك بعد انتهاء التصوير، بل مبنى حقيقياً، هو الأضخم في الولايات المتحدة، وسيكون المقر الرسمي الجديد لعمليات التجسس التابعة لـ«وكالة الأمن القومي». في إحدى البقاع المقفرة بين جبال ولاية يوتاه غرب الولايات المتحدة، في منطقة تُدعى بلافديل، تقام الآن ورشة بناء ضخمة لبناء أكبر مركز تجسس أميركي، اسمه «يوتاه داتا سنتر». حجم المبنى يفوق مبنى الكونغرس «الكابيتول» في واشنطن بخمس مرات، وتكلفته المعلنة ٢ مليار دولار، فيما يُتوقع أن يكتمل ويباشَر العمل فيه بحلول أيلول ٢٠١٣. هذا ما كشفت عنه مجلة «وايرد» الأميركية منذ أيام، في تحقيق موسّع احتلّ غلافها بعنوان «داخل المايتريكس» Inside the Matrix. هدف المركز؟ تقول «وايرد» إنه «الحجر الأخير من البازل الصخمة التي ركّبت خلال العقود الاخيرة، ومهمته رصد وتفكيك وقراءة وتحليل وحفظ كمية ضخمة من قاعدة بيانات الاتصالات والتواصل حول العالم، من خلال اعتراض مسارات شبكات التواصل المحلية والأجنبية والدولية الآتية من الأقمار الصناعية والعابرة للكابلات الممدودة تحت الأرض والبحر».
وبحسب «وايرد»، فإن المركز سيجهز بـ«سيرفيرات» ضخمة وسريعة جداً، وفيها ستمرّ وتحفظ «كل داتا المعلومات المتعلقة بالرسائل الالكترونية الشخصية، والاتصالات الهاتفية، وأبحاث غوغل، إضافة إلى كل التفاصيل الشخصية التي قد ترافق الأشخاص في أيامهم العادية مثل حجوزات السفر، وإيصالات المواقف وإيصالات المشتريات وغيرها». باختصار، كل التفاصيل الالكترونية التي ترافق الحياة اليومية لأي شخص.
وتشير «وايرد» إلى أن هذا المركز هو الترجمة الواقعية لبرنامج حاول الرئيس السابق جورج بوش تنفيذه عام ٢٠٠٣ تحت اسم «التنبّه المعلوماتي الكامل». لكن الكونغرس لم يوافق عليه في حينها بسبب ما واكبه من معارضة أميركية واحتجاجات على خلفية اختراقه لخصوصية المواطنين.
مصدر استخباري مطّلع على مشروع مركز التجسس، أوضح للمجلة أنه «أكثر من مجرّد مركز لتجميع الداتا. ولديه دور أساسي سرّي للغاية»، ويلفت المصدر إلى أن للمركز «دوراً حساساً في فكّ الشيفرات مثلاً، إذ سيعترض مركز يوتاه كمية كبيرة من المعلومات المالية والدبلوماسية والمصرفية والعسكرية والشخصية المهمة والسرية والتي ستكون مشفّرة، لذا فهو سيعمل على فك تلك الشيفرات واختراق سريتها قبل قراءتها والاحتفاظ بها وتحليلها». مصدر مسؤول آخر يختصر للمجلة الموضوع بأن «كل فرد هو هدف. كل من يتواصل إلكترونياً سيشكل هدفاً للمركز».
وتعود المجلة الى الاحتفال «السوريالي» للاعلان عن المركز في كانون الثاني ٢٠١١ قرب «ورشة البناء»، وهو الذي حضره مسؤولون أمنيون وسياسيون رفيعو المستوى... وكان لافتاً حضور مسؤول في الاستخبارات الوطنية سبق له أن عمل في «وكالة الاستخبارات المركزية» (سي آي إيه) لوقت طويل. ويشير التحقيق الصحافي إلى أن بعض الصحافيين الذين حضروا حاولوا الحصول على معلومات واضحة حول المركز من دون جدوى، فكل ما أمكن المسؤولين الافصاح عنه أن «المركز هو وحدة داعمة لأجهزة الاستخبارات من أجل تفعيل الامن الالكتروني لأمّتنا والحفاظ عليه».
وفيما يظهر التحقيق، كيف سيشكل «مركز يوتاه» نقطة تجمّع كل المعلومات الآتية من مراكز التجسس الاخرى المنتشرة في الولايات المتحدة، تطرح المجلة أسئلة حول السعة التي ستتحملها «خزانات معلومات» المركز مع كل الداتا التي ستعترضها حول العالم. ثم ينتقل الى شرح النقطة الأهم لعمل المركز وهي سعيه للوصول الى ما يسمى «الويب غير المرئي» invisible web والذي يشمل كل الداتا المقفلة بكلمات مرور سرية، مثل الاتصالات الخاصة بالحكومة الاميركية وحكومات الدول الاخرى، والأسرار الدفاعية للجيوش والبلدان...