جوزيبي بييرو غريللو «ملك ايطاليا القادم». يمكن استخلاص هذه النتيجة مما أفرزته الانتخابات الايطالية. فالفكاهي الذي اعتبر الفائز الاكبر فيها، يقف بين يديه مستقبل ايطاليا للفترة المقبلة. فمؤسس حركة «5 نجوم» ظاهرة الانتخابات الاخيرة، الذي اقلق راحة الاحزاب التقليدية، سيكون عليه الضغط الاكبر لتحديد اسم التحالف الذي سيشكل الحكومة التي ستحكم ايطاليا في مرحلة خطرة، بعدما حاز على 25% في انتخابات مجلس النواب و23% بانتخابات مجلس الشيوخ.
صعد نجم غريللو، المعروف باسم بيبي غريللو والمولود في 21 تموز 1948، في سبعينيات القرن الماضي وكان واحداً من ابرز الفكاهيين في العالم. صنع نجوميته أولاً في التلفزيون الرسمي على قناة «راي أونو» عبر مروره في البرامج التنشيطية الكبيرة. ولكن حجم بذاءته وتطاوله جعل حضوره يقل بين 1994 و1996 حتى غاب تماماً عن المشهد التلفزيوني في 1996 ليتفرغ لعروضه المسرحية، والتي بلغ عدد الحضور في احداها 16 مليوناً.
اشتهر خلال تسعينيات القرن الماضي بمحاربته لرئيس الحكومة الاسبق سيلفيو برلوسكوني وعرف بالعداء التام مع سياسات حكوماته. وسجل حضوره السياسي الاول في 1987من خلال برنامج «فانتاستيكو 7»، يومها هاجم رئيس مجلس النواب، رئيس الحزب الاشتراكي، بتينو كراكسي، الذي واجه بين عامي 1994 و 1996عدة قضايا فساد حكم على اثرها بالسجن 27 عاماً.
الفكاهي، الذي لم يفكر يوماً بدخول البرلمان على حد قوله، انشأ من خلال مدونته، التي تعتبر من اكثر 10 مدونات شهرةً في العالم، حركة «خمس نجوم» (M5S) في 4 ايلول 2009، التي انتسب لها يومها حوالي 100،000 شخص.
كتب غريللو برنامج الحركة، التي رفض تسميتها بالحزب بالسياسي بل بـ«تجمع» المواطنين، مع الخبير الاقتصادي الأميركي الحائز على جائزة نوبل في 2001 جوزيف ستيغليتز، في العام الماضي. وقام برنامج الحركة على خمسة بنود اساسية: المواطن والدولة، الطاقة، المعلومات، الاقتصاد، والتعليم. هدفت بشكل اساسي إلى ايجاد نمطق تفكير مختلف عن ما هو سائد في ايطاليا، لناحية تعليم الدستور للمواطنين، اعادة دراسة اجور النواب للتناسب مع الدخل الوطني، تأمين الطاقة البديلة، الغاء الاحتكارات وخيارات الأسهم، تأمين الكتب الرقمية المجانية عبر الانترنت لطلاب المدارس والجامعات، الغاء الاعلان كسبيل لدعم تمويل الصحف ومنع تملك القطاع الخاص لاي قناة تلفزيونية او صحيفة رسمية.
وفاجأت الحركة الأحزاب العريقة في الانتخابات البلدية في 2012 من خلال النتائج التي سجلتها، وانتزعت منها عدداً كبيراً من المقاعد. وخاضت الحركة الانتخابات البرلمانية ببرنامج انتخابي حمل عنواناً رئيسياً وهو طاقة اقل، ومواد اقل، فعمل اقل، واختارت مرشحيها عن طريق التصويت على موقعها الإلكتروني. وصوت نحو 95 الف ناخب للاختيار من بين الف واربعمائة مرشح في جميع الدوائر الانتخابية، بما في ذلك دوائر الخارج، في بادرة هي الاولى لحركة أو حزب سياسي في العالم، بحسب ما اوضح غريللو.
لم تكن هذه الميزة الوحيدة لحملة غريللو، فحتى عنوان حملته شكّل صدمة للتقاليد السياسية، إذ اختار شعار «فافنكولو». وعلى الرغم من أنها كلمة غير مهذبة، برر غريللو اختيارها بأنها وحسب ورأيه صادقة ومباشرة ويحبها الجميع.
غريللو أيضاً تجنب الاطلالات التلفزيونية لشرح برنامجه الانتخابي، واستعاض عن ذلك بجولات عبر «كامبينغ كار» على جميع ارجاء البلاد. واطلق حملته فعلياً في 10 تشرين الاول الماضي بقطعه مسافة 3 كيلومترات سباحة في مضيق ميسينا، بين كالابريا وصقلية.
قدم غريللو نفسه على أنه من العائلة الكبيرة لليسار المناضل ضد المجتمع المقسم لطبقات، موضحاً أن السياسة طارئة في حياته «أنا أبدو في عالم السياسة مهرجاً وتلك هي مهنتي الأساسية». الشعبية الكبيرة، التي حصدها غريللو، خلال الحملة الانتخابية جعلت منافسيه يوجهون له الانتقادات الحادة، فشبهوا خطاباته الصادحة و«الشعبوية» بخطابات الزعيم الفاشي بنيتو موسوليني، وقال عنه رئيس الحزب الديموقراطي اليساري، بيير لويجي بيرساني، إنه قد «يقود ايطاليا إلى وضع يشبه الوضع اليوناني»، فيما اعتبره برلوسكوني «خطراً على البلاد».
من المؤكد أن نتيجة الانتخابات ستجعل بيرساني وبرلوسكوني يندمان على هجومها على غريللو. فالطرفان سيكونان بحاجة للحركة التي عرقلت خططهما بالوصول لرئاسة الحكومة، من أجل تأمين الغطاء اللازم لحكومة مستقرة، فيما احتمال تولّي «الفكاهي» نفسه رئاسة الحكومة ليس بعيداً.