الجزائر | يحلّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في الجزائر، اليوم، في زيارة دولة تدوم ثلاثة أيام، يُجري خلالها مع نظيره عبد العزيز بوتفليقة، وكبار المسؤولين الجزائريين، محادثات تتناول تعزيز التعاون الاقتصادي والتنسيق السياسي وتطوير آليات العمل الأمني المشترك في النطاق الثنائي و«المتوسطي». وتحضر على طاولة المحادثات السياسية ملفات شائكة، بينها الوضع في كلّ من سوريا وليبيا ومنطقة الساحل الأفريقي وتدعيم التنسيق في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود. وسيتناول الطرفان المستجدات بشأن القضية الفلسطينية، ولا سيما موضوع القدس.
ووفق الخبر الذي نشرته وكالة أنباء «الأناضول» التركية، سيطرح أردوغان أمام الرئيس بوتفليقة قلقه من نشاط «جماعة فتح الله غولن» في الجزائر. وبينما توقع محللون في الجزائر أن يشرح أيضاً مسألة تدخل بلاده العسكري في منطقة عفرين شمال سوريا، فإنّه سيوقّعُ مع الوزير الأول (رئيس الوزراء) أحمد أويحيى، اتفاقات اقتصادية وبروتوكولات تعاون أعدّها فريق عمل مشترك سلفاً، وتخصّ تعزيز الاستثمار المتبادل ورفع حجم التبادل التجاري وتسهيل تنقل الأشخاص والبضائع بين البلدين.
جدير بالذكر أنّ حجم الاستثمارات التركية في الجزائر يتجاوز ثلاثة مليارات دولار، فيما سبق لأردوغان أن أعرب خلال زيارة الجزائر عام 2014 عن رغبته في رفع الرقم إلى عشرة مليارات. أما حجم التبادل التجاري الثنائي، فيبلغ نحو خمسة مليارات دولار، بحسب أرقام رسمية في البلدين، بينها نسبة عالية ناتجة من تصدير الجزائر للغاز المسال. وكان البلدان قد وقّعا في عام 2014 اتفاقية لتمديد تزويد الجزائر لأنقرة بالغاز لمدة عشر سنوات أخرى، مع زيادة الحجم بنسبة 50 في المئة. وتُعدُّ الجزائر رابع مزوّد لتركيا بالغاز.

تتعامل الجزائر
مع تركيا كما مع فرنسا، بمقاييس «براغماتية»

على الصعيد الاقتصادي ــ التجاري، سيُشرف الرئيس التركي والوزير الأول الجزائري على أشغال «منتدى الأعمال» الذي يشارك فيه عدد كبير من رجال المال والأعمال في البلدين، ويدرس الجوانب المتصلة بالتعاون الاقتصادي والتجاري ويحدد أولويات قطاعية للاستثمار المتبادل. ويُنتظر أن يطرح «منتدى رؤساء المؤسسات» (وهو أكبر تجمع استثماري جزائري يجمع مؤسسات اقتصادية وخدماتية من القطاعين العام والخاص) ملف الاستثمار في تركيا، علماً أنّ رئيسه علي حداد، أكد في مناسبات عدة في العامين الماضيين، سعيه إلى رفع مستويات الاستثمار الخارجي، في وقت يتردد فيه كثير من رجال الأعمال الجزائريين ممن يستثمرون في بلدان أوروبية في اقتحام السوق التركية حتى الآن.
ومن بين أهم الاستثمارات التركية في الجزائر، مصنع عملاق للنسيج يقع في ولاية عليزان غرب البلاد، وهو الأكبر في أفريقيا، ومصانع للحديد والفولاذ في وهران تُحقق للجزائر نسبة كبيرة من حاجتها من هذه المادة، وتُصدِّر كميات معتبرة. وتوجد استثمارات أخرى كثيرة في البنية التحتية، كإنجاز السدود وشق الطرق وسكك حديد المدن (تراموي) والبناء، وما إلى ذلك. وقد عرض الأتراك في السنوات الأخيرة برامج للاستثمار في المجال الزراعي، خاصة إنتاج الألبان واللحوم، وهي مجالات مهمة بالنظر إلى العجز الذي تُسجِّلُه السوق الجزائرية، وخاصة في المواد الزراعية. ويتعامل أيضاً عدد كبير من المستثمرين الجزائريين مع أقرانهم الأتراك في إنجاز مشاريع مشتركة في عدد من ولايات البلاد، فيما تُشارِكُ تركيا باستمرار في مختلف المناقصات التي تفتحُها الجزائر للاستثمار الخارجي، وذلك في كلّ المجالات تقريباً.
وتعجّ الأسواق الجزائرية بسلع تركية، وهي أوّل منافس للسلع الصينية حالياً، خاصةً على صعيدي الملابس والأدوات الكهربائية المنزلية، إذ تقلُّ أسعارها عموماً عن المنتجات الجزائرية من نفس الفئة، ما يُشكِّل تحدياً كبيراً للصناعة المحلية. كذلك يستورد تجار جزائريون من تركيا عدداً كبيراً من المنتجات الزراعية، ولا سيما الفواكه الجافة. وتُكوِّن إسطنبول وازمير ومدن تركية أُخرى، مقصد مئات من تجار الجزائر في هذه الأيام التي يجري خلالها الاستعداد لشهر رمضان.
وإذا كان «الخط البياني الاقتصادي» بين البلدين في ارتفاع مستمر، فإنّ الجانب السياسي شهد انتكاسة كبيرة منذ بداية ما يسمى «الربيع العربي». ففيما واكبت تركيا حركات احتجاجية ومنظمات مسلحة متطرفة، ودعمتها ضد الحكومات خاصة في سوريا وليبيا، ثبتت الجزائر على موقفها القاضي بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. ومن هذا المنظور، يُرتَقبُ ألا تُسجِّل الزيارة نتائج على الصعيد السياسي، بالنظر إلى تناقض الموقفَين بشأن عدة قضايا، آخرها التدخل التركي في عفرين. إلا أنّ الجزائر تتعامل مع تركيا بنفس المقاييس «البراغماتية» التي تتعامل بها مع فرنسا، وهي تتمثل بتحييد التشنج السياسي عن العلاقات الاقتصادية.
من جهة أخرى، سيكون أوّل نشاط ميداني يقوم به الرئيس أردوغان في العاصمة الجزائرية، زيارة حي القصبة العتيق الذي بناه العثمانيون لقيادتهم ولجاليتهم خلال حكمهم الجزائر (1520 ــ 1830)، ويتكوّن من نحو ألفي بناية، يخضع نصفها حالياً للترميم. وسيقوم برفقة المسؤولين الجزائريين، بإعادة تدشين «جامع كتشاوة» بعدما أكملت «الوكالة التركية للتنسيق والتعاون ــ تيكا» أعمال ترميمه في كانون الأول/ ديسمبر الماضي.