واشنطن | لم يُشر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في تغريدته المشار إليها، إلى قلقه من محاولة قوّة أجنبية، خلال ما يقرب من أربع سنوات «هزّ الديموقراطية الأميركية»، كما يقول المنتقدون في واشنطن، أو حتى عزمه على عدم السماح بأي تدخل في انتخابات الكونغرس النصفية هذا العام.
في المقابل، ركز ترامب على إثبات براءته، مذكّراً بأن «روسيا بدأت حملتها المعادية للولايات المتحدة في 2014، أي قبل وقت طويل من إعلاني أنني سأترشح للانتخابات»، مشيراً في الوقت نفسه إلى تفاصيل في الاتهام تؤكد براءته. لكن ذلك لم يتقرر بعد، إذ إنّ لائحة الاتهام، التي جاءت عقب تحقيقات قام بها المدعي الخاص روبرت مولر، تناقض ادعاءات ترامب بعدم تدخل روسيا في الانتخابات، وإصراره على ذلك، منذ دخوله البيت الأبيض.

لائحة الاتهام

اتهم مولر روسيا بـ«الانخراط في حرب افتراضية ضد الولايات المتحدة من خلال أدوات التضليل والدعاية المستخدمة في القرن الحادي والعشرين»، وهو استنتاج يشاركه فيه كبار مستشاري ترامب وقادة أجهزة المخابرات الأميركية. ووُجِّهَت تهم «التآمر» إلى كل الذين وردت أسماؤهم في اللائحة، كذلك اتُّهم ثلاثة منهم بـ«الاختلاس المصرفي»، وخمسة آخرون بـ«انتحال صفة» من خلال إدارة حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي «ركزت على بث الانقسام في القضايا الاجتماعية والسياسية».
ووفق لائحة الاتهام، فإن المجموعة كانت بقيادة رجل أعمال روسي «مقرّب من الرئيس الروسي» فلاديمير بوتين، يُدعى يفغيني بريغوجين، وقامت بـ«استهداف» مواقع التواصل، حيث قدّم أعضاؤها أنفسهم كمواطنين أميركيين لديهم آراء حول الانتخابات.
وتحدث قرار الاتهام عن سفر بعض أفراد المجموعة، التي تعمل في «مركز أبحاث الإنترنت» واتخذت من مدينة سانت بطرسبرغ الروسية مقراً لها، إلى الولايات المتحدة، متوجهين إلى ولايات نيفادا، كاليفورنيا، نيو مكسيكو، كولورادو، ميشيغان، لويزيانا، تكساس، جورجيا ونيويورك.
وقال نائب وزير العدل الأميركي رود روزنستين، إن «لائحة الاتهام لا تتضمن ما يشير إلى أن هناك أي أميركي كان على علم بالمشاركة في هذا النشاط غير المشروع»، لافتاً إلى أنه «ليس هناك أي دليل على أن هذه غيّرت نتيجة الانتخابات الرئاسية».
وفي حين لم تشر فيه اللائحة إلى وجود أي تواطؤ فعلي بين فريق حملة ترامب الانتخابية والحكومة الروسية، فإنها تزعم تواصل أعضاء المجموعة الروسية مع أعضاء فريق الرئيس الأميركي، ولكن «من دون علم الفريق بحقيقتهم»، بهدف «زرع الشقاق في النظام السياسي الأميركي».
وفي التفاصيل، يزعم القرار قيام المجموعة بتنظيم مهرجانات لدعم ترامب في فلوريدا، نيويورك وكارولاينا الشمالية، وانتاج مواد تسيء إلى مرشحة «الحزب الديموقراطي» للانتخابات الرئاسية هيلاري كلينتون، ومنافسي ترامب الجمهوريين تيد كروز وماركو روبيو، وشراء إعلانات دعائية على الإنترنت «للدفاع عن انتخاب ترامب»، ومن ضمنها إعلانات «شجعت» الأميركيين من أصل أفريقي والمسلمين على عدم التصويت.
كذلك أشارت اللائحة إلى اعتقادها بأن «عميلاً سياسياً في تكساس» وجّه المجموعة المؤلفة من «مئات الأشخاص الذين عملوا في نوبات عمل بميزانية بلغت ملايين الدولارات»، ودعاها إلى التركيز على «الولايات المتأرجحة» بين الجمهوريين والديموقراطيين. وفي هذا السياق، نقلت وكالة «بلومبيرغ» عن مصدر مقرب من التحقيقات، أن الملف لم يُغلق بعد، مشيراً إلى إمكانية أن تُضاف أسماء أميركيين إلى اللائحة الروسية.
أما في ما يخص موارد المجموعة المادية والبشرية، فإن الأرقام ضخمة. فوفق لائحة الاتهام، موّل بريغوجين «مركز أبحاث الإنترنت» بمبلغ «15 مليون دولار سنوياً»، فيما وصل عدد العاملين فيها إلى «80 موظفاً متفرغاً» بحلول عام 2016، فضلاً عن وجود «مكافآت بمئات آلاف الدولارات».
وعلى الرغم من أنها ليست المرة الأولى التي يرد فيها اسمه بالتحقيق في التدخل الروسي المُزعم، فإن بريغوجين، الملقب بـ«طباخ بوتين» لامتلاكه مطاعم وشركات تموين استضافت الرئيس الروسي وكبار الشخصيات الأجنبية، بات متهماً رسمياً بتمويل المجموعة وقيادتها. ويأتي ذلك عقب إدراج بريغوجين شخصياً في كانون الأول 2016 وشركتين مملوكتين له في حزيران 2017، على قائمة العقوبات الخاصة بمكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة المالية الأميركية.
بدوره، قلل بريغوجين من أهمية التهم الموجه إليه، قائلاً: «الأميركيون أشخاص حساسون جدّاً. يرون ما يريدون أن يروه، وأنا لدي احترام كبير لهم. أنا لست غاضباً على الإطلاق لوجودي في اللائحة. إذا أرادوا أن يروني شيطاناً، فهذا شأنهم».

ترامب: موسكو تضحك


كما كان متوقعاً، علّق ترامب على التطورات الأخيرة في سلسلة من التغريدات التي عكست حالة الغضب والتوتر التي يعيشها الرئيس الأميركي. ورأى ترامب أنه إذا كان هدف روسيا يكمن في خلق التنافر والفوضى في المجتمع الأميركي، فقد نجحت في ذلك بفضل التحقيقات والمداولات الكثيرة في الكونغرس. وقال في تغريدة: «إنهم في موسكو يضحكون حتى الغثيان. يا أميركا، كوني أكثر ذكاءً»، واصفاً المزاعم بشأن تواطؤ حملته الانتخابية مع موسكو بأنها «ليست سوى ضرب من الخيال».
وفي ما يخص موقفه من التدخل الروسي، برّر الرئيس الأميركي مواقفه السابقة قائلاً: «لم أقل يوماً إن روسيا لم تتدخل في الانتخابات، بل قلت: قد يكون التدخل من جانب روسيا أو الصين أو أي دولة أو مجموعة أخرى أو من جانب عبقري معيّن وزنه 400 رطل يرقد في السرير ويلعب بالكمبيوتر»، منبهاً إلى أن «الكذبة تكمن في اتهام حملة ترامب بالتواطؤ مع روسيا – هذا لم يحدث قط».
ولكن بعيداً عن «تويتر»، دعا ترامب في بيان منفصل للبيت الأبيض، الأميركيين إلى «التوحد من أجل حماية سلامة ديموقراطيتنا وانتخاباتنا»، مؤكداً أننا «لا نستطيع أن نسمح للذين يسعون إلى بث الالتباس والخلاف والحقد بيننا بالنجاح... لقد حان الوقت لوضع حد للهجمات الحزبية والادعاءات والمزاعم الكاذبة والنظريات غير الصحيحة، التي جميعها تخدم أجندات لاعبين سيئين، مثل روسيا، ولا تفعل أي شيء لحماية مؤسساتنا».
«اللائحة دليل لا يقبل الجدل»، بهذه العبارة علّق مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي هربرت ريموند ماكماستر، على القرار، مؤكداً أن «الجمهوريين والديمقراطيين متحدون عندما يتعلق الأمر بفرض عقوبات على الروس».
ولم يحضر أي من المتهمين الروس الـ 13 جلسات التحقيق، ومن غير المحتمل أن يسلّم أي منهم نفسه أو أن تسلّمه موسكو بناءً على طلب واشنطن.
من جهته، عبّر محامي ترامب جون دود، عن «فرحته» بُعيد القرار، قائلاً: «أنا سعيد من أجل البلاد. لقد قام بوب (روبرت مولر) وفريقه بعمل جيّد جداً في هذا الصدد»، دون التطرق إلى تداعيات «اللائحة»، إيجابية كانت أو سلبية، على الرئيس الأميركي.
في المقابل، رأى الخبير البارز في السياسة الروسية في «مجلس الأطلسي» أندرس آسلوند، أن «الاستنتاج الواضح (بعد القرار) هو أن انتخاب دونالد ترامب رئيساً لم يكن شرعياً». وعلى الرغم من عدم ورود أي دليل يُثبت تورطه، فإن القرار يضع ترامب في موقف حرج جدّاً، خاصةً أن الأخير لم يتردد في دفاعه الشرس عن موسكو، وسبق أن وصف الحديث عن تدخلها في الانتخابات الأميركية بـ«عذر ديموقراطي زائف لفقدان الانتخابات».
وتأتي لائحة الاتهام بعد سلسلة من التقارير التي تتهم موسكو بالتدخل في الانتخابات، كان أبرزها إعلان الاستخبارات الأميركية في التقييم السنوي لعام 2017 أن لديها «ثقة عالية» بأن بوتين «أمر بحملة نفوذ في عام 2016 تستهدف الانتخابات الأميركية»، وتحذيرها في تشرين الأول 2016 من أن موسكو هي المسؤولة عن علميات قرصنة تستهدف هيلاري كلينتون.
وفيما تتعدد وسائل «التدخل»، وفق السيناريو الأميركي، فإن قرار الجمعة الماضي يضعها في إطار «حرب معلومات ضد الولايات المتحدة الأميركية».

الكونغرس: مولر وجّه إنذاراً إلى موسكو

برلمانيون و«شيوخ»: يجب متابعة الحقائق حتى النهاية لحماية الانتخابات المقبلة


رأى العضو الديموقراطي البارز في اللجنة القضائية في مجلس النواب الأميركي جيرولد نادلر، أنه في هذه المرحلة (عقب قرار الجمعة)، إن «أي خطوة قد يتخذها ترامب للتدخل في تحقيقات المحقق الخاص ــ بما في ذلك إقالة نائب وزير العدل روزنستين، أو التهديد بإقالة مولر مباشرة ــ يجب أن يُنظر إليها على أنها محاولة مباشرة لمساعدة الحكومة الروسية في مهاجمة الديمقراطية الأميركية». أما الرئيس الجمهوري لمجلس النواب بول رايان، فقال إنه «يجب متابعة الحقائق حتى النهاية والعمل على حماية نزاهة الانتخابات المقبلة».
من جهته، رأى العضو الجمهوري في مجلس الشيوخ بن ساس، أن «مولر وجّه للتو إنذاراً إلى موسكو»، مضيفاً أنّ «على واشنطن أن تستيقظ! بوتين يقوم بحرب خفيّة تهدف إلى تقويض ثقة الأميركيين في مؤسسات البلاد. ونحن نعلم أن روسيا ستعود في عامي 2018 و 2020. علينا أن نأخذ هذا التهديد على محمل الجد».

ترامب لـ«أف بي أي»: عودوا إلى عملكم!

واصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أمس (الأحد)، تغريداته التي صبّ فيها جام غضبه على العديد من المسؤولين الحاليين والسابقين، وذلك تعليقاً على أبرز حدثين شهدتهما الساحة الأميركية الأسبوع الماضي، هما حادثة إطلاق النار الجماعي في فلوريدا، ولائحة الاتهام الروسية. وشنّ ترامب هجوماً على مكتب التحقيقات الفيدرالي، متهماً إياه بالانشغال في التحقيق في قضية «التدخل الروسي» في الانتخابات الأميركية بدل العمل على منع مجازر كالتي شهدتها مدرسة في فلوريدا الأربعاء الماضي.
ورأى الرئيس الأميركي في تغريدة أنه «محزن للغاية أن يغفل مكتب التحقيقات الفيدرالي عن العديد من الإشارات المرسلة من مطلق النار في مدرسة فلوريدا. هذا أمر غير مقبول»، في إشارة إلى حادثة إطلاق النار التي وقعت في مدرسة «مارجوري ستونمان دوغلاس» الثانوية في مدينة باركلاند، وأدت إلى مقتل 17 شخصاً وإصابة العشرات. وأضاف الرئيس الأميركي: «يقضون الكثير من الوقت في محاولة إثبات التدخل الروسي في حمله ترامب. ليس هناك تدخل. عودوا إلى عملكم الأساسي واجعلونا فخورين!».




روسيا: الاتهامات مجرد ثرثرة

وصفت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا اتهامات مولر بـ«السخيفة»، متسائلة باستهزاء: «13 شخصاً قاموا بالتدخل في الانتخابات الأميركية؟ 13 ضد ميزانية بمليارات الدولارات للقوات الخاصة؟ وضد التجسس والتجسس المضاد، وضد التقنيات المتطورة الحديثة؟». أما السفير الروسي السابق لدى الولايات المتحدة سيغري كيسلياك، فقد ردّ على ماكماستر قائلاً: «حكومتنا لم تتدخل البتة في الحياة السياسية الأميركية»، واصفاً الاتهامات بأنها «مجرد أوهام يجري استثمارها لتحقيق أهداف سياسية تتعلق بالداخل الأميركي والانتخابات».
بدوره، اختصر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وجهة نظر الجانب الروسي بالقول إن ذلك «بلا وقائع، كلها مجرد ثرثرة».