■ يحتفل العالم باليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصري في 21 آذار/ مارس للتذكير بالقمع العنيف الذي تعرّض له متظاهرون سلميّون على يد الشرطة في جنوب أفريقيا (عام 1960). هل تشهد فرنسا اليوم برأيكم فصلاً عنصرياً مشابهاً؟يمكننا الحديث عن فصل عنصري عملياً في فرنسا إذا أخذنا في الاعتبار الممارسات والإجراءات التي يعاني آلاف الأشخاص من عواقبها الملموسة، والتي هي بالطبع غير قانونية.

ولتحليل هذه الممارسات، ينبغي اتباع منهجية عمل تتطلب توسيع خريطة الجمهورية الفرنسية في أذهاننا ــ فجزر مايوت ولاريونيون وكاليدونيا الجديدة والأراضي التي تسيطر عليها فرنسا في المحيط الهادئ وجزر الأنتيل وغويانا الفرنسية كلها مناطق تُدار بأساليب يشوبها الفصل العنصري. كذلك، ينبغي تغيير مقاربتنا للتمييز العنصري وتحليل الأسس التي تستند إليها الدولة لكي تقرر أياً من فئات المجتمع حياته مهمة. فقتل عناصر الشرطة أشخاصاً سوداً أو من أصول مغربية من دون عقاب يكشف بوضوح من الذي تهتم الدولة لحياته ومن يذهب دمه هدراً. حتى إن مانويل فالس تحدث عام 2015، عندما كان رئيساً للوزراء، عن «فصل عنصري مكاني واجتماعي وإثني»، ولكن كلماته لم تؤدّ إلى أي تغيير، لا بل إن فالس نفسه هو من تقدّم بمشروع سحب الجنسية وبغيره من المشاريع المشابهة لاحقاً.

الحملات الرئاسية
لا تشمل خطة لاستئصال ذهنية الاستعمار من المجتمع

■ كيف يؤثر عبء التاريخ الاستعماري بنيوياً على المؤسسات والعقليات؟
إنّ وهم نهاية الاستعمار ــ أي الاعتقاد بأنه مع نهاية الحرب في الجزائر طُويت صفحة الاستعمار نهائياً ــ متجذر جداً في فرنسا. ولاستعادة عبارة الشاعر والسياسي إيميه سيزير، يؤدي الاستعمار والإمبريالية إلى «أثر مرتدّ»: بعبارة أخرى، يلتقط المجتمع المستعمِر «عدوى» التمييز العنصري الممارَس في المستعمرات، فتصبح امتيازات الرجل الأبيض «طبيعية»، ويصبح اليسار «أخوياً» بحسب سيزير (أي أنه، تماماً كما المستعمرون التقليديون الذين يتذرعون بالنزعة «الأبوية» تجاه الشعوب التي يستعمرونها، يقسم هذا اليسار العالم أيضاً إلى شعوب «متقدمة» وشعوب «متخلفة»، ولكن بصبغة يسارية). ولقد حلّل فرانز فانون أيضاً غطرسة هذا اليسار. المجتمع الفرنسي لم يتخلّص بعد من آثار الاستعمار، فالتحرر من الاستعمار لا يقتصر فقط على الشعوب التي كانت مستعمَرة. وفي هذا السياق، من المهم دراسة السياسات التي وضعتها فرنسا بعد عام 1962 وفي السبعينيات والتي أحلّلها في كتابي الصادر أخيراً بعنوان «بطون النساء والرأسمالية. الفصل العنصري والنسوية» (إصدارات ألبين ميشيل، آذار/ مارس 2017): فقد سُجّلت آلاف حالات الإجهاض والتعقيم القسرية في أقاليم ما وراء البحار، فيما كان الإجهاض ووسائل منع الحمل ممنوعين في فرنسا. وما أُبيّنه في الكتاب هو أن هذا الوضع لم يكن متناقضاً: فهناك نساء يتمتعن بحق الإنجاب، وأخريات محرومات من هذا الحق بسبب التمييز العنصري ضدهنّ. لذا، فإني أعالج إشكاليات عدة في آن معاً: الإشكالية التاريخية حول سطوة الإمبريالية والرأسمالية على بطون النساء، إضافة إلى تعامي الحركات النسوية الفرنسية عن هذه المسائل وهيمنة الخطاب «الأبيض» عليها. ما أريد إثباته ببساطة هو أن تحكّم الاستعمار بالأشخاص لا يتوقف مع إنهاء الحكم الاستعماري.

■ كيف تفسّرون العنف الذي تمارسه الشرطة والذي خرجت «مسيرة الكرامة» لاستنكاره في 19 آذار/ مارس؟
يندرج العنف الذي تمارسه الشرطة في إطار استراتيجية السيطرة والترهيب ضد الأشخاص غير البيض. والهدف من هذا العنف هو فرض السيطرة على هؤلاء الأشخاص في الحيّز العام بشكل يتنافى مع حقوق الإنسان، وذلك بحجّة «مكافحة الإرهاب» أو فرض الأمن أو مواجهة «العنصرية ضد البيض» أو محاربة التجمعات الإثنية. ولا بد من القول إن للشرطة الفرنسية باعاً طويلاً في الممارسات العنصرية ــ بما في ذلك مطاردة العبيد الفارين ــ وفي معاداة السامية، وهي اليوم تعاني من رهاب الإسلام ورهاب السود. ولا يسعنا إلا الإقرار بأن ما نشهده هو عنصرية بنيوية تتسرب إلى مختلف مستويات الدولة وعناصر الشرطة...
وما ينبغي لفت النظر إليه في هذه التظاهرة وفي العمل الجبّار الذي تقوم به بعض الجمعيات مثل «شرطتنا تقتلنا» (Urgence notre police assassine) هو المكانة التي احتلّتها أسر الضحايا في الحيّز العام، علماً بأنها تدعم بعضها البعض وتقدّم النصائح وتمارس استراتيجية مضادة للأكاذيب ولمماطلة القضاء. ولقد أفضت هذه الجهود إلى تغيير عميق، إذ بات عنف الشرطة يُعتبَر مسألة سياسية مرتبطة بالكفاح ضد العنصرية السياسية.

■ هل تعتقدون بأن الحملات الرئاسية الحالية تتضمن «عرضاً سياسياً» يقدّم أجوبة ملموسة حول قضية التمييز العنصري؟
ما من عرض سياسي فعلي، لأن أياً من العروض لا يشمل خطة لاستئصال ذهنية الاستعمار من المجتمع الفرنسي، وهو أمر ضروري جداً.