موسكو | لم يمر أسبوع على زيارة وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، لمنتجع سوتشي الروسي، حتى وصلت مساعدته للشؤون الأوروبية والأوراسية، فيكتوريا نولاند، أمس، إلى موسكو، حيث تنوي لقاء مسؤولين روس رفيعي المستوى، منهم نائبا وزير الخارجية الروسي غريغوري كراسين وسيرغي ريابكوف، وذلك لمناقشة الأوضاع في أوكرانيا، بما يشمل تنفيذ اتفاقات مينسك.
نولاند، اليهودية الأوكرانية الأصل وزوجة أحد المحافظين الجدد، جاءت إلى العاصمة الروسية من كييف، حيث لم توزع الفطائر هذه المرة على المعتصمين في «ميدان» الاستقلال محرضة إياهم ضد روسيا، كما فعلت في مطلع عام 2013، كما لم توجه إلى الأوروبيين شتيمتها البذيئة المتداولة في أميركا، إذ يمكن ترجمتها بتصرف هكذا: «فليذهب الاتحاد الأوروبي إلى الجحيم»، تماماً مثلما فعلت أثناء مكالمة هاتفية نُشرت على موقع «يوتيوب» مع السفير الأميركي في العاصمة الأوكرانية مطلع شباط من عام 2014!
وأخيراً، صرحت نولاند بأن «الولايات المتحدة لا ترى حتى الآن دلائل مقنعة بما فيها الكفاية على عدم التراجع عن الإصلاحات في أوكرانيا». وبرغم التعتيم الإعلامي على زيارة المسؤولة الأميركية هذه المرة لكييف، فإنها تطرقت في مباحثاتها مع رئيس الوزراء، أرسيني ياتسينيوك، إلى الإصلاحات في بلاده، بما في ذلك مكافحة الفساد، ولا سيما أن واشنطن منحتهم 355 مليون دولار لهذا الغرض.
ولا يرى الخبراء شيئاً غريباً في تجنب السلطات الأوكرانية إثارة ضجة كبرى حول زيارة نولاند؛ فبعد زيارة كيري منتجع سوتشي الروسي في 12 أيار، ولقائه الرئيس فلاديمير بوتين لثماني ساعات، وهو لقاء لم تشارك فيه نولاند (وفق صحيفة «كوميرسانت» الروسية)، أُلقيت على عاتق «ملهمة الميدان» مهمة صعبة، وهي إقناع السلطات الأوكرانية بتنفيذ اتفاقات مينسك، وخاصة أن زيارة كيري تميزت، كما أكدت مصادر «كوميرسانت»، وفق المفاوضين الروس بتغير لهجة نظرائهم الأميركيين جذرياً، وبخاصة وزير الخارجية، الذي أكد ضرورة عمل شيء ما للعلاقات الروسية ــ الأميركية، بل تحدث للمرة الأولى عن إمكان إلغاء العقوبات الغربية على موسكو «عندما يبدأ تنفيذ اتفاقات مينسك».
وكذلك اقترح كيري على الروس تحديد العقوبات، التي يمكن إلغاؤها في القريب العاجل. فيما من اللافت أنه أغفل تماماً موضوع شبه جزيرة القرم.
ورداً على الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو، الذي لم يستبعد استعادة سيطرة كييف على مطار دونيتسك الدولي، قال كيري في سوتشي: «نقترح على أوكرانيا التفكير قبل اتخاذ مثل هذه القرارات»، الأمر الذي لم يعجب صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، إذ خرجت في 13 أيار بعنوان: «آه! كم هو لطيف كيري مع بوتين!».
مع ذلك، لم يكن الموضوع الأوكراني وحده على طاولة المفاوضات، إذ إن وقتاً طويلاً كُرس لبحث الأوضاع في سوريا وليبيا، فقد صرح الوزير الأميركي بأن الجميع في البيت الأبيض يدركون الآن أن «ليبيا ــ هي خطأ كارثي» وأن «سوريا ــ هي خطأ كارثي». كما اعترف الوزير الأميركي بأن توريد منظومة الدفاع الجوي «إس ــ 300» إلى طهران لا يخرق القوانين الدولية.
ويرى مراقبون أن أمرين قد يكونان أثّرا في صناع القرار في واشنطن، وهما العرض العسكري الضخم في الساحة الحمراء الذي حضره نحو 30 رئيساً، في مقدمهم رئيسا الصين والهند، ما أثار هواجس واشنطن من تشكيل حلف شرقي جديد؛ ومسيرة «الفوج الخالد» في وسط موسكو، التي شارك فيها أكثر من نصف مليون مواطن روسي حملوا صور أقربائهم، ممن قضوا أثناء الحرب العالمية الثانية.
من جانب آخر، كتب رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس النواب الروسي «الدوما»، أليكسي بوشكوف، على حسابه في «تويتر»، أن «إدارة أوباما خشيت البقاء بعيداً عن عملية التسوية في أوكرانيا ــ إذ لم يكد يغادر كيري، حتى وصلت نولاند»!