باريس ــ بسّام الطيارة
منذ التحاق الجنود الفرنسيين بالقوة الدولية الجديدة (اليونيفيل) في لبنان، ونوع من الغموض يصبغ موقف الدبلوماسية الفرنسية من آلية تطبيق القرار١٧٠١. وقبل 24 ساعة من الانسحاب الجزئي للقوات الإسرائيلية من النقاط التي كانت تحتلها في الجنوب اللبناني، كانت إجابات المسؤولين الفرنسيين تحاول التهرب من أسئلة الصحافة حول ما تشكله مماطلة تل أبيب من خرق فاضح للقرار المذكور.
وكانت المواقف الفرنسية مبنية على التصاريح المطاطية التي تجمع بين الصبر والروية وتستند إلى بيانات الأمم المتحدة الفضفاضة. وفسر المراقبون هذا التردد الفرنسي بضرورة حفظ خطوط المفاوضات مع واشنطن، التي برزت تسريبات في شأنها والمتعلقة بالشق السياسي للقرار ١٧٠١. ولكن مع انسحاب إسرائيل وإبراز الصحافة الفرنسية والعالمية للجنود الإسرائيليين وهم «يغلقون بوابة الحدود مع لبنان»، بدا أن الدبلوماسية الفرنسية «وجدت طريقها»، كما يقول أحد المتابعين لسياسة باريس في المنطقة.
وقد جاءت تصريحات المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية لتؤكد «هذا الوضوح»، الذي يمكن وصفه بأنه تأطير للخطوات السياسية المقبلة. فجواباً عن سؤال حول الشروط المطلوبة «لتجاوز مرحلة وقف الأعمال العدائية وصولاً إلى وقف نهائي للنار»، صرح المتحدث إن القرار ١٧٠١ في بنده الثامن يحدد هذه الآلية ويضع الأسس التي تمكّن لبنان وإسرائيل من التوصل إلى «قرار نهائي لوقف النار». واستطرد معدداً هذه الأسس وذكر منها «عدم خرق الخط الأزرق» قبل أن يشدد على ضرورة «التطبيق الكامل لما ينص عليه اتفاق الطائف وقرارات مجلس الأمن رقم 1559 و1680»، قبل أن ينتقل إلى ضرورة حصر السلاح بأيدي الحكومة اللبنانية.
ويرى المراقبون في هذا التصريح بأن وقف النار لا يزال بعيداً، ولم يتردد أحد المعلقين في القول إن «باريس ربطت وقف النار بين البلدين بما يؤول إليه ميزان القوى على الساحة الداخلية». ويعتبر المراقبون أنها المرة الأولى التي تقوم فيها الدبلوماسية الفرنسية بـ«ربط مباشر بين وقف النار النهائي وبين تطبيق اتفاق الطائف وقرارات سبقت حرب تموز»، ما يعني حسب هؤلاء «عودة إلى مسودة القرار ١٧٠١ التي رفضها لبنان»،
وشاركت الدول العربية بإبعاد شبحها عن مجلس الأمن، أما غياب العمل تحت البند السابع لميثاق الأمم المتحدة الذي كانت تنص عليه المسودة «فقد عوضته قواعد العمل العسكري القوية التي اشترطتها القوات المشاركة». وفي ما يتعلق بالتصريحات الإسرائيلية التي تؤكد حق تل أبيب بخرق الأجواء اللبنانية وملاحقة العناصر المسلحة وراء الخط الأزرق والسؤال، حول إمكان اعتبار هذه التصريحات «معوّقة للتطبيق القرار»، اكتفى المتحدث الرسمي الفرنسي بالقول إنه يقع على عاتق اليونيفيل «السهر على التطبيق الفعلي» أي عودة اليونيفيل في شكلها السابق.
من هنا يبدو أن المشاورات التي كانت قائمة على قدم وساق بين باريس وواشنطن عما يجب أن يؤول إليه «الشق السياسي»، قد توصلت إلى اتفاق على المسلك الذي يؤدي إلى الأهداف المرجوة من العاصمتين «من دون المرور بقرار ثان»، لكن عبر «قراءة صلبة للقرار ١٧٠١ وحسب تفسير يخدم هذه الأهداف»، وقد يكون الانسحاب الإسرائيلي الجزئي جاء نتيجة هذا الاتفاق وتمهيداً للبدء بجولة ضغوط دبلوماسية تمارسها واشنطن وباريس.