strong>موسكو ـــ حبيب فوعاني
تعدّ تشكيلة الثورات الملوّنة، التي امتدّت من صربيا وصولاً إلى قرغيزيا، حالة مثيرة للاهتمام تفرض مقاربة تدرس مدى ترابطها. حوافزها المحليّة موجودة، لكن إحداثيّاتها على الشبكة العالميّة مرتبطة بعملاق أميركي ينوي إنفاق 110 ملايين دولارات على مثيلاتها

أنفقت الولايات المتّحدة 110 ملايين دولار على الثورتين «الملوّنتين» في أوكرانيا وقرغيزيا، بحسب الفيلم الوثائقي الفرنسي «غزو الشرق» (Revolution.Com.USA)، الذي عرضته قناة «روسيا» التلفزيونية الحكومية أوّل من أمس.
وقد توصّل منتجو الفيلم، الذين قرروا معرفة من صبغ العالم بهذه الألوان الجديدة، إلى استنتاج مفاده أن سلسلة الثورات «الملوّنة»: «المخملية» في صربيا، «الورديّة» في جورجيا، «البرتقالية» في أوكرانيا وثورة «السوسن» في قرغيزيا، «صنعت في أميركا»، بعدما أدركت واشنطن أنّه ليس من الضروري دائماً إشعال الحروب للمجيء بالنظام اللازم إلى السلطة.
وبحسب المنتجين أنفسهم، تمّت تجربة هذه الطريقة في صنع هذه الثورات للمرة الأولى في صربيا، حيث كان المناخ مناسباً لاستخدام طروحات كتاب المؤلّف الأميركي جين شارب: «من الديكتاتورية إلى الديموقراطية»، الذي يعدّ دليلاً في استخدام الثورات السلمية بوصفات مبسطة. ويرى الصحافيّون الفرنسيّون أن إسقاط نظام سلوبودان ميلوسيفيتش في صربيا عام 2000، وإزاحة الرئيس الجورجي السابق إدوارد شيفارنادزه عام 2003، ووصول فيكتور يوتشِّينكو إلى سدّة الرئاسة في كييف عام 2004، وانتصار «السوسن» في بيشكك عام 2005، تؤلف جميعها حلقات في سلسلة واحدة. ويضيفون أنّ «أربع ثورات سلمية أطاحت خلال أسابيع معدودة أربعة أنظمة شمولية ومحت آثار الجبروت السوفياتي الغابر»، مشيرين إلى أنّه «في كلّ مرة كان يستخدم السيناريو نفسه: اتهام السلطة بتزوير الانتخابات، ومقاومة أرباب السلطة المرتعشين في البداية، وتنازلهم في نهاية الأمر عن السلطة للمنتفضين».
ومؤلّفو الفيلم على اقتناع بأن الإدارة الأميركية هي التي تصنع وتموّل تقنية الثورات «الملوّنة» ومخرجيها وأبطالها تحت غطاء صناديق ومؤسسات أميركية مختلفة. وإذا كانت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركيّة قد ألّفت سراً، في ستينيّات وسبعينيّات القرن الماضي، خلايا الأحزاب والمنظمات السياسية في مختلف البلدان، فقد اتخذ قرار فيما بعد، بأن يكون مثل هذا النشاط علنياً وشفافاً.
والعمليّة الأخيرة هي بالتحديد ما تقوم به مؤسسات وصناديق مثل صندوق جورج سوروس «المجتمع المفتوح»، الذي شارك بنشاط في الثورة الجورجية، ومؤسسة «فريدوم هاوس» (بيت الحرية)، التي أصدرت قبيل الثورة القرغيزية 6 صحف سياسية قرغيزية معارضة ساهمت إلى حد كبير في خلع الرئيس عسكر أكايف، وكذلك «المعهد الجمهوري الدولي»، ينشر الديموقراطية في العالم. أما صانعو هذه الانقلابات، الذين يفضّلون البقاء في الظلّ، فيرى المحلّلون أنّهم على ثقة بأنّ ما يفعلونه هو لأهداف «خيِّرة».
وفي السياق، علّق رئيس مؤسسة «فريدوم هاوس» مايك ستون، الذي طبع كتاب «من الديكتاتورية إلى الديموقراطية» في قرغيزيا، قائلاً «لقد شغلنا كثيراً بهذه الثورات (الملوّنة)، وأنا بحاجة إلى ثورة خضراء، ثورة الدولار. أعطونا نقوداً ونحن نطبع كل ما ترغبون!».
وتنوي وزارة الخارجية الأميركية طلب اعتماد بقيمة 110 ملايين دولار من الكونغرس هذا العام لـ «صندوق مساندة حقوق الإنسان والديموقراطية» الحكومي «لمساندة جهود الولايات المتحدة في تعميم الديموقراطية في الدول الأجنبية».
ويبقى السؤال: هل هذه الثورات ذات طبيعة جذريّة أم تذبل بانتهاء مفاعيلها المؤقّتة؟. من الواضح أنّ حركة المعارضة الشعبيّة «في سبيل الإصلاحات»، والتي بدأت تتبلور على الأرض الأربعاء الماضي في العاصمة القرغيزيّة بيشكك، وامتدّت أمس على شكل تظاهرة أمام مبنى البرلمان، والصراع الدائر في جورجيا حول الخيارات الاستراتيجيّة والدستور، خير أمثلة على الطابع الحماسي المؤقّت وغير المستند إلى تغييرات في العمق الاجتماعي، لأيّ ثورة «ملوّنة».